تعرف على ما قاله سليمان فياض عن أمل دنقل فى كتابه آلاعيب الذاكرة

الثلاثاء، 22 مايو 2018 07:00 ص
تعرف على ما قاله سليمان فياض عن أمل دنقل فى كتابه آلاعيب الذاكرة سليمان فياض
كتب أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

تمر، اليوم، ذكرى مرور 35 عاما على رحيل الشاعر الكبير أمل دنقل، الذى عاصر هو وقصائده جيلا من كبار الكتاب فى مصر، منهم الكاتب الكبير سليمان فياض، والذى قدم بورتريها مميزا عن "أمل" فى كتابه الصادر مؤخرا عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بعنوان آلاعيب الذاكرة، وفيه يقول سليمان فياض تحت عنوان "المروانى.. عندما أكتب عنه أكتب عن نفسي":

لقائى الأول معه كان فى الإسكندرية عام 1962، عرفنى به الصديق الفنان عز الدين نجيب، كان عز وقتها يعمل مديرا لقصر ثقافة الأنفوشى. قال لى عز:

سأعرفك بصديق جديد على وعيك. عرفته هنا فى الإسكندرية. وهو عاشق للشعر. يحفظ عيونه القديمة والحديثة عن ظهر قلب، وربما أصبح يوما شاعرا كبيرا. فالشعر فى دمه وروحه.

وراح عز يحدثنى عنه قبل أن أراه. كان وافدا على الإسكندرية حديثا. نقل إلى جمرك مينائها من ميناء السويس، ودعوت "عز" وصاحبه معه على الغداء فى بيتي.

 

حين رأيته رأيت صعيديا جاف العود، له عينان واسعتان تبدوان فى وجهه الضامر، المسفوط الخدين، كجوهرتين على شكل عينين تحب أن تراهما، وتغض الطرف عنهما سريعا، فهما تراقبانك، وتقول لك "كن على حذر معي. لا تتبسط. وفيما عدا ذلك خذ راحتك". وقال لى عز وهو يقدمه إلى وإلى زوجتي":

صديقنا الجديد: اسمه دنقل. أمل دنقل. وهو من الصعيد الجواني. آخر الصعيد.

وضحك أمل وقال:

لست من دنقلة. أنا من أسوان.

بعد الغداء. استأذن عز ليذهب إلى عمله بقصر الأنفوشي. واستبقيت "أمل" معي، فقد أنست إليه. وأراحنى صمته الطويل، ربما ليترك لنفسه، ولي، مزيدا من التفرس فى صاحبه، وربما كان صمته حياء صعيديا، لوجود زوجتى معنا بصالون البيت.

 

 

كان الوقت شتاء. وكان مطر الإسكندرية يتساقط رذاذا  متتابعا ومنتظما بشارع بور سعيد فى حى الشاطبي، منذرا كالعادة بأنه سيظل كذلك يومين أو ثلاثة، قبل أن تنجاب سحبه أو تتجمع وتسود، وتنهمر مطرا عزيرا، يظل يهطل فوق المدينة  أياما متتابعة بلياليها ونهاراتها، حتى يغرق البحر الفسيح.

التفت إلى أمل، وقال فى هدوء:

ما رأيك فى أن ننزل إلى الشارع، ونسير معا. ونزداد تعارفا؟

والتفت أمل إلى زوجتى قائلا لها:

بعد إذنك طبعا يا مدام. أحببت رجلك هذا. وسوف نكون صديقين.

وغادرنا البيت وكانت فى يدى مظلة سوداء.

سار بى فى وسط الطريق، كان الرذاذ خفيفا، وفتحت مظلتي، ووسطنتها بيننا، لتحمينى وتحمى "أمل" معى من قطرات المطر، لكن "أمل" أبعدها من فوق ناحيتي، قائلا لي:

أحب المطر. أحب أن يغسل وجهى. ويغرق شعرى ورأسي. فى الصعيد نتمنى قطرة منه، وهو هنا فى هذه المدينة مباح، حتى للبحر الفسيح الملىء بالماء. وتظل الرمال عطشى بطول الصعيد.

حين دخلنا، ونحن لا نزال بشارع بور سعيد، فى حى الأزاريطة، قال لى أمل:

عرفتك قبل أن تعرفني. قرأت لك وأنا بالسويس مجموعتك القصصية: "عطشان يا صبايا". أحسبها مجموعتك الأولى. لكنها مجموعة طيبة. اذ اعتنيت بنفسك وجعلت من القص حرمك المقدس. ستكون قاصا حقيقيا.

وتنهد أمل وقال:

أنا لا أعرف نفسى بعد، لا أعرف ماذا سأكون. أحب الأدب، وأحب الشعر خاصة، وأحب ترديده حتى لنفسى فى نفسي، وأحيانا بصوت مرتفع، كأننى أحدث نفسي، وحيدا مع نفسى للسياب والبياتى ومحمود حسن إسماعيل جدنا كلنا، وعمنا الجواهري، وصلاح عبد الصبور، وأحمد عبد المعطى حجازى، هذا الفارس الطاووس. أتعرف حجازى. أنا لم أره بعد. لكننى سأراه يوما، وأسمعه ما لم يحفظه هو من شعره.

ضحكت لما يقوله، ولحماسه للشعر الذى سيطرؤ عليه تماما فيما بقى له من العمر. لكن قوله: هذا الشاعر الطاووس، استوقفنى وظل معلقا فى رأسي. سألته:

كيف تراه طاووسا وأنت لمك تره بعد؟

فقال لى وهو ينظر إلي:

شعره يقول لى ذلك، شعر كل شاعر يقول لى صفة مميزة لقائله. ليس لشكله، ولكن لطبيعته. شعر صلاح عبد الصبور مثلا يقول لى إنه كائن متوحد. شعر محمود حسن إسماعيل يقول لي: إنه شاعر يناطح بشعره الكون نفسه، ابن النخيلة هذا صعيدى ممتتلئ بالكبرياء.   










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة