سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 21 مايو 1908.. اللقاء الأول بين سعد زغلول وزير المعارف وعباس العقاد.. الصحفى ابن الـ«19 عاما»

الإثنين، 21 مايو 2018 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 21 مايو 1908.. اللقاء الأول بين سعد زغلول وزير المعارف وعباس العقاد.. الصحفى ابن الـ«19 عاما» سعد زغلول وعباس العقاد

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كان الوقت صباح يوم الخميس 21 مايو «مثل هذا اليوم» عام 1908، حين دخل عباس محمود العقاد، مكتب سعد زغلول وزير المعارف فى ديون الوزارة بدرب الجماميز بالقاهرة لمقابلته، وكان ذلك هو اللقاء الأول بينهما، حسب تأكيد «العقاد» فى كتابه «سعد زغلول سيرة وتحية»، عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب- القاهرة»، وبعد ذلك لم يلتقيا الاثنان إلا مرتين حتى عام 1924، ففى هذا العام وحتى رحيل سعد تعمقت علاقتهما لتكون واحدة من نماذج علاقة «المثقف بالزعيم» فى تاريخنا الحديث.
 
كان «العقاد» محررا صحفيا فى صحيفة الدستور حين ذهب إلى سعد باشا، ويتذكر: «كانت الدستور زميلة اللواء لسان حال الحزب الوطنى» أسسه مصطفى كامل «الذى كان يوالى الحملة على سعد، وينتقد سياسته فى وزارة المعارف أشد انتقاد، وكنت فى التاسعة عشرة أى فى سن الجيل الناشئ الذى استولى عليه «اللواء»، وجعله من قرائه وجنده ومصدقى مدحه وهجائه، ولكنى كنت أعجب بسعد وأرجو لمصر خيرا كثيرا على يديه».
 
كانت حملة «اللواء» ضد سعد تتهمه بأنه «ينقاد على غير بصيرة لأوامر الموظفين الإنجليز فى الوزارة»، ويؤكد «العقاد»: «لما اشتدت الحملة عليه وشاعت شيوعها بين قرائها أخذتنى حمية الشباب، ورأيت من الحق على أن أدافع عنه، فلم أجد أفضل من حديث مع الباشا مدعوم بالوثائق والبراهين التى تدفع اللبس وترفع الغشاوة عن نظر السواد».
 
يكشف «العقاد» عن صورة «سعد باشا» فى مخيلته قبل اللقاء، مؤكدا: «لم أكن رأيت الرجل قبل ذلك ولا نظرت إلى صورة له، لأن الصحف اليومية لم تكن قد تعودت نشر صورة المشاهير الرجال فى تلك الأيام، وكل ما كنت أعرفه عن شخصه هو ما سمعت عن عدله فى القضاء، وما سمعت عن مبادئه الحرة فى إبان الثورة العرابية وهو بعد فى مقتبل الشباب، وعن ملازمته الشيخ محمد عبده وجمال الدين الأفغانى، ووفائه لهذين الإمامين الكبيرين».
 
يوضح «العقاد» الفرق بين الصورة التى تخيلها والحقيقة التى وجدها: «العجيب أن الصورة الجسمانية لم تخطئ الظن فى الكثير من هيئته وسمته، إلا أننى كنت أتخيله ملتحيا وهو لم يكن كذلك ولا أحسبه أرسل لحيته فى ماضى حياته، وأحسبنى تخيلت ذلك لأننى استبعدت أن يتتلمذ لجمال الدين ومحمد عبده ولا يرسل لحيته كما كانا يرسلانها، وهو من الأزهريين»، ويضيف: «لما دخلت المكتب استقبلنى واقفا، وأشار إلى كرسى أمامه فجلس وجلست، وسألنى: أعرفت الشيخ محمد عبده؟ قلت: نعم، قرأت رسائله وتفسيراته وترجمة حياته. قال: هل رأيته؟ قلت رأيته مرتين. قال: أين؟ أفى الأزهر؟ قلت: لا. بل فى أسوان. قدمنى إليه أستاذى فناقشنى فى علومى المدرسية وبعض الآراء العامة ثم سمعت منه بشرى طيبة، قال: ماذا سمعت منه؟. قلت: إنه التفت إلى الأستاذ وقال وهو يربت على كتفى: «ما أجدر هذا أن يكون كاتبا بعد»، ثم أوصانى أن لا أقنع من العلم بوظيفة الحكومة، فتبسم الباشا وقال: أرى أن نبوءة الإمام تتحقق، واستطرد إلى كلام عن الشيخ يثنى عليه ويحمد مناقبه».
 
انتقل الحديث بعد ذلك إلى موضوعات شتى، ويعترف العقاد بأن «الباشا» نبهه إلى مواضع جرت منه لا يجب أن تذاع فى الصحف ومنها «أنه أثنى على مصطفى كامل ووصفه بالجد والإخلاص، ولكنه أنكر الضجة التى قامت بعده ووصفها بأنها «كفورة القازوزة لا تلبث أن تعلو حتى تهبط»، وقوله «إنه يلقى مشقة فى تغيير عادات الموظفين الأجانب والوطنيين على السواء»، ويكشف «العقاد» عن الأثر الذى تركه فيه سعد بعد هذه المقابلة: «خرجت من عنده وأنا أشعر أننى كنت أمام رجل مفتوح النفس، كبير العزيمة، يحب الإنصاف للناس ويحب الإنصاف لنفسه كذلك..خرجت ذلك اليوم وفى نفسى صورة وافية للمصلح الذى كنت أعجب به على غير رؤية، فعرفت سعدا رجلا مهيب الطلعة قوى العارضة، فصيح العبارة يملأ الناظرين والسامعين ثقة وتوكيدا ويشعرهم بقدرته ويشعر هو بتلك القدرة.. هو فى عمله وكلامه شىء متسق منسجم كامل، تقبله جملة أو تدعه جملة ولا تحس عنده بنشوز أو تردد، وقد كان عندما قابلته المرة الأولى يمشى إلى الخمسين من عمره، ولكننى لو سهوت عن العيان لحظة لحسبته فى عشرة الثلاثين».
 
لم يلتقِ العقاد بسعد بعد المقابلة الأولى إلا مرتين حتى عام 1924،  «ثم اتصلت المقابلات بيننا اتصالا لا تقطعه إلا فترات قليلة من سفر أو مرض أو نحو ذلك، فما تغيرت الصورة الأولى إلا بما أضاءها من وهج الحركة الوطنية، وكان اللقاء الأخير فى مسجد وصيف قبيل الوفاة بأيام».. توفى سعد يوم 23 أغسطس 1927.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة