وائل السمرى

شجاعة عمر

الخميس، 17 مايو 2018 03:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
من وجهة نظرى فإن عمر ابن الخطاب كان أول فقيه فى الإسلام، فقد اعتبر «عمر» العقل وحيا دائما، وسار يفعل ما يمليه عليه قلبه حتى فى حياة الرسول، وحفظ لنا تاريخ الإسلام عدة وقائع خالف فيها عمر، رضى الله عنه، رأى رسول الله «ص»، فأيد الله عمر من فوق سبع سماوات، كما فى واقعة «مقام إبراهيم»، وواقعة حجاب أمهات المؤمنين، وواقعة اتخاذ الرسول «ص» أسرى فى غزوة بدر، وواقعة تحريم الخمر، وواقعة رفض الصلاة على المنافقين، وواقعة التبشير بفتح مكة، لذلك قال رسول الله «ص» فى بيان فضل عمر: «إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه».
 
عرف الجميع أيضا مقدار رجاحة عقل عمر حينما ألح على أبى بكر فى مسألة جمع القرآن، وقد كان أبو بكر متخوفا من هذه الفكرة، لأن الرسول لم يأمر بها ولم يفعلها، واستمرت اجتهادات عمر وآراؤه الصادمة للمجتمع بعد وفاة أبى بكر الصديق، حتى قيل إنه كان يبطل الحدود ويعطل الآيات، ويطبق ما يراه صحيحا من وجهة نظره، لكن المتأمل لاجتهادات عمر الكثيرة يجد أنه حافظ فى مجملها على مقاصد الشريعة وغاياتها، والدليل على ذلك واقعة الاختلاف على تقسيم الأراضى التى فتحها المسلمون عنوة التى أبى عمر أن يقسمها على جنده مثلما يقول القرآن، وفعل الرسول وأبو بكر، لكن عمر لم يعترف بهذا التقسيم، ورأى توزيعها على الفلاّحين، أهل البلاد، مع أخذ ضريبة منهم، مخالفا بذلك رأى العديد من الصحابة الذين تمسكوا بتنفيذ النص كما هو، لكنه فضل أن يبتعد بجنوده عن حياة الاستقرار والنعومة، كما فضل طمأنة أهالى البلاد المفتوحة على أقواتهم وأراضيهم، وحفظ الأرض لمن سيأتى بعد ذلك من المسلمين.
 
صدم عمر المجتمع أيضا بإبطاله تنفيذ حد السرقة، وهو قطع اليد فى عام المجاعة، وذلك نظرا لانتشار الفقر وعدم قدرته على إحداث حالة الكفاف المنشودة، أما الاجتهاد الآخر الذى قام به عمر، رضى الله عنه، فهو إبطال سهم المؤلفة قلوبهم من مصارف الزكاة، خلافا للقرآن وسنة الرسول وعمل أبى بكر قائلا مقولته الشهيرة: « لقد أعزّ الله الإسلام، فلم تعد هناك حاجة لتأليف القلوب»، وأبطل منح المؤلفة قلوبهم هذا السهم حتى يومنا هذا.
 
أما اجتهاد عمر الأكبر الذى كان له فضل كبير على بناء الدولة الإسلامية، فهو نقل الدولة من النظام القبلى إلى النظام المؤسسى، فقسم الممالك الإسلامية إلى خمس مناطق كبيرة، وقسم المناطق إلى قطاعات، واختار لكل إقليم واليا يوصيه بجمل وخطابات فى شأن الحكم بما يشبه الدستور الحاكم، ثم أنشأ الدواوين التى تشبه الوزارات، مستعيرا هذا النظام من بلاد فارس، ولم يقل إن هذا النظام مقتبس من دولة وثنية فلا يجوز تطبيقه، وانتقى من بين النظام الفارسى والنظام البيزنطى ما رآه مناسبا للوضع الإمبراطورى الجديد، وأبقى على الكثير من الأنظمة الإدارية التى ثبت لهم صلاحيتها لتلك البلاد، كما أبقى على استعمال العملات البيزنطية والفارسية، وكانت تتميز بنقوشها الوثنية التى تصور آلهتهم ومعابدهم وملوكهم.
 
> نشرت هذه الحلقات بشكل مطول فى رمضان 2012 تحت عنوان «فقهاء التنوير»، وأعيد نشرها احتفالا بشهر رمضان الكريم.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة