خبير أمنى: نزاعات الأراضى والميراث خلقت ذلك الصراع بين قبائل جنوب الجيزة
استاذ علم اجتماع: البيئة الجغرافية تتحكم فى تلك الجرائم ونشر التوعية يقضى عليها
ما زالت الخصومات الثأرية تنهش فى جسد مراكز وقرى جنوب الجيزة الثلاثة الأكبر، الصف والبدرشين والعياط، ليسقط العديد من الضحايا الأبرياء، كنتيجة لذلك السم الذى يسرى فى دم تلك المناطق، التى عانت خلال السنوات القليلة الماضية من شبح الإرهاب، حتى نجحت أجهزة الأمن فى السيطرة عليه، والقضاء على العديد من الأوكار الإرهابية، إلا أن قضايا الثأر ما زالت تشكل تحدياً جديداً أمام الأمن من أجل السيطرة عليه، ووضع حد لتلك الأزمة.
بائع خضار يفلت من الموت بعد استهدافه بعدة رصاصات داخل السوق
وخلال أشهر قليلة شهدت مدن جنوب الجيزة الثلاثة البدرشين والعياط والصف، العديد من حوادث الثأر وكان أخرها، تلك التى وقعت الشهر الجارى فى مركز البدرشين، حينما هاجم شخصان مسلحان بائع خضار أثناء قيامه بممارسة مهام عمله، وأطلقوا صوبه وابل من الطلقات النارية، حيث أصابته إحدى تلك الطلقات، ولكن العناية الإلهية أنقذته، وتم إسعافه داخل المستشفى، وخلال أيام قليلة تم القبض على المتورطين فى تلك الواقعة، وصدر قراراً بحبسهم.
10 طلقات نارية أنهت حياة سائق فى خصومة ثأرية بالطريق الزراعى
وقبل واقعة البدرشين بـ6 أيام اجتمع 5 أفراد على قتل عامل بمركز الصف بجنوب الجيزة، بعد خصومة ثأرية امتدت لعدة سنوات بين عائلتى "أبو القاسم" و"عبد السلام"، خطط خلالها المتهمين وجهزا أنفسهم جيداً، واشتروا السلاح اللازم، للثأر من غريمهم بطريقتهم التقليدية، وبعد تتبعهم لخط سيره، وعلمهم باستقلاله سيارة ميكروباص بالطريق الزراعى، توجهوا إليه وانتظروا قدومه، وما أن وصل حتى أمطروه بـ10 طلقات نارية، أسقطته غارقا فى دمائه مفارقاً الحياة.
شاب دفع حياته ثمناً لقتل شقيقه ابن عمه بالحوامدية
فى قانون وضعه العرف وأشعلته العصبية القبلية،لم يسلم من الثأر قريب أو حبيب فالكل يدفع الثمن، فجميع أفراد العائلة فى مرمى النيران، ما دامت الخصومة قائمة، ولذلك فقد قتل فى مركز الحوامدية خلال شهر أبريل الجارى شاب فى أوائل العشرينيات من عمره، على يد أسرة عمه، فقط لكون شقيقه ذبح نجل عمه لسرقة الـ"توك توك" الخاص به، ولم يشفع للأسرة أنه ألقى القبض عليه وصدر قراراً بحبسه، ولكنهم قرروا أن يأخذوا ثأرهم بيدهم.
الكفن يصلح ما أفسدته الخلافات وينجح فى وأد الفتنة أحياناً
الكفن ينجح أحياناً فيما لم تنجح العقول فى إدراكه، فكان هو الوسيلة الآمنة لضمان انتهاء الخصومات الثأرية دون إراقة مزيد من الدماء، فبعد سجل ملئ بالدماء بين عائلتى "الصاوى" و"العباسى"، قتل خلالها أحد أفراد العائلة الأولى، وهو ما خلق حالة احتقان بين الطرفين، نجحت أجهزة الأمن فى احتواء ذلك النزاع قبل احتدامه، وعقدت جلسة الصلح بين العائلتين، وقدمت عائلة "العبسي" الكفن للعائلة الأخرى، وتعهد كل منهما بعدم التعرض للآخر في حضور كبار العائلات وأفراد العائلتين.
خبير أمنى:نزاعات الأراضى والميراث فى مراكز جنوب الجيزة خلقت الخصومات الثأرية
التغيرات العديدة التى شهدتها الحالة الأمنية فى مصر خلال السنوات الثلاثة الماضية، منذ عزل نظام الإخوان والدخول فى حرب مع الإرهاب، أدت إلى انتشار الجرائم الجنائية خاصة جرائم الثأر، يقول اللواء رشيد بركة الخبير الأمنى، أن مراكز جنوب الجيزة الثلاثة الكبرى الصف والعياط والبدرشين، شهدت العديد من النزاعات الخاصة بالأراضى، أو خلافات الميراث، وشكل الظهير الصحراوى لها وانتشار السلاح، تربة خصبة لنمو الخصومات الثأرية بين القبائل والعائلات.
وتابع "بركة" فى تصريحات لـ"اليوم السابع"، أنه رغم الجهود الكبيرة التى بذلتها أجهزة الدولة الأمنية فى الصلح بين العائلات، فضلاً عن مجهود نواب البرلمان فى تلك المراكز، ومجهود كبارها ومشايخ قراها، إلا أن الخصومات الثأرية لا تنتهى، ربما تهدأ نسبياً؛ ولكنها سرعان ما تعود للاشتعال، وذلك لكون النفوس مشحونة، فقضية الثأر تحتاج لعلاج جذرى، يبدأ من التوعية والتثقيف، وينتهى بمحاصرة السلاح والتضييق على تجاره وتجفيف منابعه، وشن حملات مداهمات واسعة على أوكاره.
استاذ علم اجتماع:البيئة الجغرافية والتنشئة تتحكم فى تلك الجرائم ونشر التوعية يقضى عليها
الأزمة الحقيقة تكمن فى أن المشكلة لا تنشأ بين فرد وفرد، فيكون الثأر فردياً، ولكنها بين أسرة وأسرة عائلة وعائلة، وهذه هى أزمة الثأر الحقيقية، حيث تقول سامية خضر أستاذة علم الاجتماع، أن ما يزيد أزمة الثأر اشتعالاً قيامها على العار والشرف، فمن يتغاضى عن الأخذ بثأره يلحقه العار طوال حياته، وفقاً لمعتقدات الأهالى التى ترسخت عبر السنوات المختلفة، وانتقلت من جيل إلى جيل حتى أصبحت منهجاً فى بعض المناطق، ومن بينها مراكز جنوب الجيزة.
وتضيف "خضر" فى تصريحات لـ"اليوم السابع"، أن قضايا الثأر ترتبط بالطبيعة الجغرافية والتنشئة الاجتماعية والبيئة التى تربى فيها الأفراد، لذلك نجد أن محافظات الصعيد _على الرغم من انخفاض معدل جرائم الثأر بها، مثلت نموذجاً لتلك القضايا التى اشتعلت بين أهالى الجنوب، والقضاء عليه يجب أن يتم بالقضاء على جذور الأزمة، وهى خلق نشأة حضارية وثقافية فى تلك المناطق ورفع معدلات التوعية بين الأفراد.
وتختتم "خضر"حديثها، أن تدخل القائمين على إدارة المناطق التى تنتشر فيها جرائم الثأر سواء المحافظ أو العمد وكبار رجال المحافظة فى حل أزمة الثأر يشكل حلاً محورياً، ولكنه لابد أن يتماشى بالتوازى مع عدة حلول أخرى، كنشر التوعية فى المدارس، وخلق حالة ثقافية، فضلاً عن نشر الوعى الدينى، والتأكيد على رفض كل الأديان لأى شكل من أشكال الثأر، فكلما ارتفع وعى المواطنين كلما قلت تلك الجرائم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة