سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 9 إبريل 1981.. دماء يحيى الطاهر عبدالله تسيل.. ويوسف إدريس يبكيه كالأطفال فى منتصف الليل

الإثنين، 09 أبريل 2018 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 9 إبريل 1981.. دماء يحيى الطاهر عبدالله تسيل.. ويوسف إدريس يبكيه كالأطفال فى منتصف الليل يحيى الطاهر عبد الله

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
«أصيب ومات يحيى الطاهر عبدالله، ولم يبلغ من العمر الثمانية والثلاثين عاما، كتب مجموعة من عيون القصة العربية الحديثة، وتزوج وخلف بنتين، وبالكاد بدأ يتنفس الصعداء، وإذا بالقدر، ودونا عن ركاب عربة انقلبت وكان بها ثمانية غيره، متعهم الله بالصحة، اختطفه، فعلا، وكما تنطق حكمة الشعب المصرى أحيانا بالحقيقة.. كان ابن موت، الموت..ذلك القضاء الحق.. مات يحيى.. هكذا نعاه لى الأبنودى فى منتصف الليل، وجدت نفسى كالأطفال أبكى عجزا».
 
هكذا عبر يوسف إدريس عن لوعته لموت «يحيى» فى حادث سيارة على طريق الواحات يوم 9 أبريل «مثل هذا اليوم» عام 1981.. يحيى الذى يصفه رفيق عمره عبدالرحمن الأبنودى: «عاش صافيا صفاء طفوليا شيطانيا، تمتزج عبقريته بحب شديد للتعابت والتخابث والملاعبات والمداعبات..ينتمى حقيقة إلى الثقافة، يدافع عن آرائه حتى الموت، بحميمية وصدق، ما يدل على أنه اتخذ الثقافة أهلا ومنهج حياة ودارا وعائلة، ويتحزب تحزبا مصيريا لما يعتقده».. «أيامى الحلوة - الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة».
 
جاء الثلاثى «يحيى والأبنودى وأمل دنقل» من الجنوب إلى القاهرة» كالعاصفة الربيعية التى تحمل غبار الطلع»، حسب وصف الناقد الدكتور جابر عصفور فى مقدمته للأعمال الكاملة ليحيى «مكتبة الأسرة-القاهرة»، وفيما شق «الأبنودى» طريقه للشعر العامى، كتب «أمل» قصيدة الفصحى»، أما «يحيى» ففاجأ صديقيه بالقصة القصيرة حين جاء للقاهرة بعدهما «1964»، لكنه وحسب «عصفور»: «لا يكتب قصصه القصيرة على ورق، وإنما فى رأسه، ويحفظها ليقرأها على الآخرين من الذاكرة دون نسيان شىء، ودون أن يتغير فى القصة حرف عبر تكرار الحكى والإعادة، كان ظاهرة فريدة فى ذلك، فلم أر قبله ولا بعده كاتب قصة قصيرة يحفظ الأعمال الإبداعية ويحكها شفاهة للآخرين، ولا يسجلها على الورق إلا ليدفع بها إلى النشر».
 
يضيف عصفور: «استمع إليه يوسف إدريس فى مقهى ريش الذى ظل لسنوات ملتقى كتاب الستينيات «القرن العشرين»، فقدمه فى مجلة «الكاتب»، كما قدمه عبدالفتاح رزق فى الملحق الأدبى لجريدة المساء، وأخذت الطليعة الثقافية تلتفت إلى كتابته، وتجد فيها أفقا إبداعيا فى تفرده واختلافه».
 
كان يبرر روايته الشفاهية لقصصه دون قراءة من ورق بأنه «يبحث عن قاسم مشترك بينه وبين المجتمع»، ويؤكد فى حديث صحفى له، حسب عصفور،: «إذا قال وأجاد فن القول سيجد من يسمعه، ومن يتأثر به، فهو يتعمد عدم الكتابة لأن أمته لا تقرأ».
 
واصل «يحيى» تفرده فيما يقدمه من إبداع، حتى أصبح من أهم مبدعى القصة القصيرة فى تاريخ مصر، لا تفارقه قريته رغم عيشه فى القاهرة: «عندما ابتعد عن قريتى أسعى إليها فى المدينة، وأبحث عن أهلى وأقربائى وناسى الذين يعيشون معى، وأنا لا أحيا إلا فى عالمها السفلى، فحين ألتقى بهم نلتقى كصعايدة وكأبناء الكرنك، ونحيا معا ألمنا المصرى وفجيعتنا العربية، وبعدنا عن العصر كشخوص مغتربة».
 
تتذكر ابنته «أسماء» دراما رحيله فى مقدمة أعماله الكاملة: «كنت فى الرابعة والنصف من عمرى، أذكر انقلاب السيارة التى كانت تقودها سيدة كندية تدعى إليزابيث، كنت أجلس بجواره على المقعد الأمامى، وفجأة أخذ حزام الأمان وأحاطنى به وحدى، وكان فى الكرسى الخلفى «عرفت فيما بعد» الأستاذ عبد الحميد حواس خبير الفنون الشعبية وزوجته الدكتورة ألفت الروبى، الأستاذة بكلية الآداب، وصديقة أمريكية تدعى سوزان، كنا فى رحلة إلى الواحات البحرية».
 
اصطحب الأب طفلته لبكائها الشديد، عندما أخبرها بغيابه بضعة أيام، ولم يهتم بتحذير المرافقين من وعورة الرحلة على طفلة فى مثل سنها: «أذكر إفاقتى على من يسحبنى من داخل السيارة من ذراعى الشمال، ومازلت أذكر الألم الذى أحدثته هذه الشدة فى ذراعي، أذكر صراخى الشديد: «فين بابا»، وأخذونى له، كان يرقد بعيدا عن السيارة فى الصحراء لا يبدو عليه إلا أنه نائم، ولم أفهم نزيف الدماء من فمه وأنفه، أذكر أيضا محاولة إفاقته بالمياه، ومحاولتهم تهدئتى: «حيصحى تانى ويرجع لك»، أذكر عربة الإسعاف، وركوبى بجوار السائق، لا أذكر بعد ذلك إلا مشهد مستشفى «أم المصريين»، تسللت من بين أرجل الأطباء ودخلت إلى حيث يحتجزونه، ورأيته، وكانت آخر مرة أشاهده فيها، كنت أنتظر أن يستيقظ ويعود لى كما وعدنى، ولكن لم يحدث».
 
حمل المشيعون نعشه، وصدى عدودة الأبنودى تتردد: «يا يحيى يا عجبان/ يا رقصة يا زغروتة/اتمكن الموت من الريح/وفرغت الحدوتة»..وبعد عامين ونصف كتب أمل دنقل قصيدته «الجنوبي»: «ليت أسماء تعرف أن أباها صعد/لم يمت/هل يموت الذى كان يحيا/كأن الحياة أبد /وكأن الشراب نفد /وكأن البنات الجميلات يمشين فوق الزبد/عاش منتصبا بينما / ينحنى القلب يبحث عما فقد».









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة