استقبل الإمام أحمد، حاكم اليمن، الوفدين المصرى والسعودى فى غرفة نومه بقصره، بعد فشل محاولة الانقلاب عليه التى قادها المقدم أحمد الثلايا، «راجع: ذات يوم 2 و3 إبريل 2018».
كان الوفد المصرى بقيادة حسين الشافعى، وعضوية فتحى الديب، مسؤول ملف حركات التحرر العربية برئاسة الجمهورية والمخابرات المصرية، أما الوفد السعودى فكان بقيادة الأمير فهد بن عبدالعزيز.
سافر الوفدان إلى الرياض باتفاق بين عبدالناصر والأمير فيصل الذى كان فى القاهرة، وكلف العاهل السعودى الملك سعود شقيقه الأمير فهد بالملف، ثم سافر الوفدان إلى «تعز» بعد فشل الانقلاب، «لدراسة الموقف مع محاولة الحد من قيام الإمام أحمد بأى إجراءات انتقامية ضد العناصر الوطنية»،حسبما يؤكد فتحى الديب فى كتاب «عبدالناصر وحركة التحرر العربى» عن «دار المستقبل العربى- القاهرة».
يسجل «الديب» مشهد اللقاء بالإمام أحمد، مؤكدًا أنه كان فى غرفة نومه بالقصر فى نطاق تمثيلية حاول أن يخرجها بوضع درامى، «ليظهر لنا وبأسلوبه الخبيث كيف أمكن له وهو الضعيف المريض المتكور فى فراشه أن يجابه أعداءه، ويقضى عليهم رغم لجوئهم إلى استخدام السلاح للقضاء عليه وعلى أسرته، مشيرًا بيديه وبوضع درامى إلى آثار التهديم وطلقات الرصاص التى علت مخدعه، ومؤيدًا موقفه بما جاء على لسان الشعراء القدامى من أقوال تؤكد المصير الحتمى لكل من يتآمر على حكامه، وهو ملاقاتهم لحتفهم وفقدهم لحياتهم غير مأسوف عليهم».
لم يمنع لقاء «غرفة النوم» من تنفيذ الإعدامات فى 16 ممن شاركوا فى الانقلاب من الضباط والأمراء والشيوخ والقضاة، وبدأ ذلك يوم 6 إبريل «مثل هذا اليوم» عام 1955، حيث شهد دراما إعدام «الثلايا»، واستمرت حتى 17 إبريل، حسب تأكيد القاضى عبدالرحمن الأريانى، أحد المشاركين فى هذه المحاولة، ورئيس اليمن من نوفمبر 1967 إلى 13 يونيو 1974.
يروى «الأريانى» أنه تم القبض عليه فى «صالة»، وإيداعه السجن مقيدًا فى منتصف ليلة الأربعاء 6 إبريل، وفى صبيحة اليوم نفسه فوجئ بوصول «الثلايا» مكتوفًا، ويتذكر «الأريانى» هذه اللحظات: «فك عنه الجند الوثاق، وأبدلوه ثلاثة قيود، دخل وهو يرسف بها فاسودت الدنيا فى عينى، وكنت آمل له النجاة، ولما رآنى قال: وأنتم هنا، وما ذنبكم، فنحن الذين أكرهناكم وأكرهنا غيركم من العلماء على العمل»، يعلق «الأريانى»: «أكبرت هذه المثالية منه، وازددت أسفًا عليه»، ويصفه: «كان ثابت الجأش، وضئ الوجه باسمًا.. كان قد حدد مصيره، وما أزال أذكره وقد جاء أحد عبيد الإمام يوبخه، فنهض ينازله وهو بقيوده ويقول له اسكت يا كلب، مع سيدك سيف ونحن فى انتظاره، ولكنى لا أريد أن أسمع توبيخا من كلب مثلك، وانصرف العبد ولم ينبس بكلمة واحدة»، وكشف عن عملية القبض عليه قائلًا إنه ذهب إلى قرية «اللوازم»، «وهناك عجزت عن التحرك خطوة واحدة نتيجة السهر عدة أيام والتعب، فملت إلى القرية فأكرمونى وأطعمونى، وكان ذلك ثمنًا لرأسى، فقد قبضوا علىّ وأوصلونى إلى هنا».
جاء المقدم «الآنسى» رئيس الشعبة العسكرية، ومعه عدد من الحرس الملكى يستدعون «الثلايا» إلى الإمام، حسبما يؤكد «الأريانى»، مضيفًا: «عرفنا أنه يساق إلى ساحة الإعدام، وبعد نصف ساعة جاء الجنود ليأخذونا،وفى طريقنا إلى الميدان رأينا رأس عبدالرحمن بكر مصلوبًا، فازداد يأسنا من الحياة، واستسلمنا لقدرنا»، يضيف: «ساقونا إلى الميدان حيث أوقفونا صفًا، ليأخذ كل واحد دوره فى الإعدام بعد المقدم الثلايا، وكان الإمام يخطب فى الجيش، ويدور عليهم ويعلن عفوه، وقرب منى، فقلت له أرجو أن تتثبتوا.. فمضى علىّ يومان فى «صالة»، وكنت معتزلًا للفتنة، وأبلغتكم بواسطة النقيب على مانع، فأجاب: والله يا أخى ما بلغنى شىء».
يواصل «الأريانى»: خطب الإمام قبل تنفيذ الإعدام، معددًا إنعاماته على «الثلايا»، وكيف أنه غرر بالجيش، وأثار فتنة فى البلاد، ثم قال لهم: أترون هذا حقيقًا بالحكم عليه بالإعدام؟ فقالوا جميعًا: نعم.. نعم، وأمر بإعدامه. يضيف «الأريانى»: «انتظرنا أن يدعى أحدنا للإعدام بعده، إلا أن الإمام مرق من الميدان مسرعًا، وكأنه خاف ردود الفعل».
كان من بين المعدمين اثنان من إخوة الإمام أحمد، وينتقد «الأريانى» ردود الفعل التى ركزت على الأخوين، قائلًا: وأهملت إعدام 14 يمنيًا وأضعاف هذا العدد، وينتقد سفر الوفدين المصرى والسعودى بينما تتم هذه الإعدامات، وينتقد أكثر هذه الخطوة من مصر: «رأى الوطنيون على اختلاف آرائهم فى ذلك خروجًا على مبادئ 23 يوليو التى ترى الوقوف بجانب الحركات التحررية.. نظروا إلى هذه الزيارة بازدراء، واعتبروها مأخذًا من المآخذ على ثورة عبدالناصر».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة