القعيد: أحدهم قال عنى "حمار" لأنى قلت أن النخبة لا تعرف خالد توفيق
أستاذ علم نفس إبداعى: الأزمة كشف إزدراء المثقفين لبعضهم
طبيب نفسى: أمراض الشخصية البارانوية تنتشر فى وسط المثقفين
3 أيام فقط كانت كافية لكشف الكثير عن دنيا المثقفين والأدباء فى مصر، فمنذ إعلان خب وفاة الكاتب أحمد خالد توفيق مساء الاثنين الماضى، ومعارك -من يطلق عليهم النخبة المثقفة- لم تتوقف، بل تتصاعد لتصل فى أحيان كثيرة إلى التجريح والسباب من كل الأطراف، ولكل الأطراف، فى حالة لا يفرقها عن وصلات الردح فى شوارع العشوائيات، سوى أسماء المشتركين فيها ممن يسكنون أبراج الفكر والثقافة والأدب.
أُعلن خبر وفاة أحمد خالد توفيق مساء الاثنين، فتحولت ساحات السوشيال ميديا إلى سرادق عزاء كبير وكتب رثاء حزين "وصادق"، ظهر فيه حجم الحب والتقدير الذى فاز به الراحل فى قلوب وعقول قراءه، ولم يوقف تلك الموجة اندهاش وتفاجىء الكثيرين بهذه الشعبية، أو صدمة أخرين فى أنفسهم لأنهم لا يعرفونه من الأساس.
لكن عادة السوشيال ميديا، أنه لكل ترند "ترند معاكس"، يسعى لأن يكون مساوٍ له فى القوة، وفى الانفعال، ومع خروج الأمر عما ألفه الكثيرون فى ترندات الترحم السابقة، بدأ الترند المعاكس فى التحرك متحسسا خطاه ومدركا أنه يستقطب أبنائه الصامتين ككرة الثلج، حتى وجدنا أنفسنا فجأة أمام معركة لم يشهدها الوسط الثقافى والأدبى من قبل، معركة كان هدف الطرف الأول منها إثبات أن أحمد خالد توفيق كان أديبا عظيما وأن من لا يعرفونه أو لم يقرأوا له، أو قرأوا له ولا يحبونه، مجرد تافهين، ذلك فى مواجهة هدف الطرف الآخر الذى يسعى لإثبات أن الراحل ومن يقرأون له سطحيين، أوفر، بيمثلوا، وقراء لم ينضجوا بعد.
ووسط حجم هائل من التعليقات والردود والهجوم، والهجوم المضاد، ظهر وجه جديد للمثقفين والأدباء، لم يكن مكشوفا من قبل، وفضح صفات ليست مألوفة عن ذلك الوسط، رآها البعض صفات حقد وكره متجذر ومتبادل بين أطرافه، ورآها أخرون انعكاس لأمراض النخبة التى لاتختلف فى أغلب صورها عن أمراض الشارع العادى، والمفاجآة فيما كشفته تلك الفتنة التى ضربت النخبة الكبيرة –سنا- والنخبة الناشئة، أنها صفات تهدم أهم أعمدة بروجهم التى تتجمل بحرية الرأى واحترام الآخر وتقدير الاختلاف، وتقبل النقد، والمفاجآة الثانية أن ذلك "الردح" تورط فيه كتاب وأدباء تزن أسماءهم الكثير فى سوق نجوم الأدب والثقافة، وسار فيه خلفهم جيوش من التابعين والتابعين من الطرفين.
يوسف القعيد: مجتمع المثقفين عاجز عن الحوار وبعض الأدباء يستكترون على الأخرين شعبيتهم
"أحدهم قال عنى حمار لأنى قلت أن النخبة لم تكن تعرف أحمد خالد توفيق فى حياته"، هذا ما حدث مع الكتاب والروائى يوسف القعيد "74 عاما" والذى عايش أجيال سابقة من الأدباء، والذى أكد أن ما حدث عقب وفاة أحمد خالد توفيق أمرا مرضيا، مفسرا أن مجتمع النخبة فى مصر عاجز عن الحوار، ويفتقد الموضوعية الخالية من السباب والشتائم، مضيفا أن هذا الحال لا ينفصل عن حال المجتمع ككل، وأن النخبة ماهى إلا انعكاس لحال المجتمع.
وأضاف القعيد أن بعض الأدباء والمثقفين يستكترون على الأخرين شعبيتهم، وأن ذلك يحدث نتيجة رفض المثقفين الحقيقين لظاهرة تسمى "الانتشار الجماهيرى المروع"، ضاربا المثل بـ"عزيز أرمانى" وهو أحد الأدباء الذين عاصروا أديب نوبل نجيب محفوظ، وكانت له راوية اسمها "خذنى بعارى"، وقال القعيد إن ذلك الكاتب لاقى رفضا واسعا من كافة أوساط الكتاب والأدباء، لأن راويته حققت مبيعات أكبر من مبيعات كل روايات نجيب محفوظ مجتمعة، مشيرا إلى أن ماكشفه الخلاف حول أحمد خالد توفيق عن مجتمع المثقفين ليس جديدا، وإنما كان يحدث فى الماضى بين عمالقة الأدب والثقافة، ورفض القعيد ذكر أمثلة لذلك قائلا: "لو حكيت ما كان يحدث بين المثقفين فى الماضى سيقولون أنى أمارس البطولة على قبور الموتى".
شاكر عبد الحميد: مجتمع المثقفين نرجسى وإقصائى واذدرائى وأمراضه أشد حدة
فيما يرى الدكتور شاكر عبد الحميد أستاذ علم النفس الإبداعى ووزير الثقافة الأسبق، أنه يأسف أن مجتمع المثقفين والأدباء فى مصر يعانى من النرجسية والإقصاء وعدم تقبل الاختلاف والرأى والأخر، مضيفا أن أمراضه أكثر شدة وحدة من مجتمع الشارع، لأن المثقف يعتقد أنه صاحب الرأى الصحيح وأن الأخر على خطأ، وأنه يمتلك الحقيقة وحده.
وأكد وزير الثقافة الأسبق فى تصريحات لليوم السابع أن ماحدث عقب وفاة أحمد خالد توفيق كشف عن انقسام مجتمع المثقفين المبنى على الصور النمطية الجامدة، التى تكون نتيجتها أن كل طرف يعتقد أنه الأفضل، وأن الأخر أقل منه، وكشف أيضا حالة التنمر لدى المثقفين والأدباء والتجريح غير المبرر الذى لم يحترم حتى حرمة الميت.
وتسائل أستاذ علم النفس الإبداعى: "لماذا تقلل من شأنى وتزدرينى لأنى مختلف معك؟"، موضحا أن الثقافة تغذى التعدد والشك وعدم امتلاك الحقيقة واحترام الأخر، وأن المثقف يجب أن يكون رحب الفكر والعقل، خاصة أننا فى عصر مابعد الحداثة الذى تنمحى فيه الخطوط الفاصلة، ولايجب أن تكون لغة المثقف منحطة كلغة الشارع، ويجب أن يكون المجتمع الثقافى به قدر من التسامح والمرونة والبعد عن التسلط والجمود.
طبيب نفسى: ماحدث كشف وعرى عيوب وسط المثقفين فى مصر
"كنت شاهد بنفسى على ذم أحد المثقفين الكبار لمثقف أخر متوفى وكنت أتعجب من ذلك بشدة، حتى أدركت أنه مرض منتشر بينهم"، هكذا يرى الدكتور إبراهيم مجدى الطبيب النفسى أزمة مجتمع المثقفين فى مصر، موضحا أنه وسط ينتشر به الشخصية البارانوية بكل أمراضها، التى عادة ماتكون مصابة بالغل تجاه الأخر، وإظهار أن الأخرون فاشلون، وأنه ناجح لولا أن الظروف تعمل ضده.
مضيفا فى تصريحات لليوم السابع أن تلك الطباع منتشرة لانتشار الثقافة الظاهرية وليست الحقيقية، وأن أصحابها يتمسكون فقط بمظر المثقف والكتابة المعقدة والثقافة الشكلية على نمط السلفية الدينية، ولا يستخدمون الثقافة فى الارتقاء بالفكر والحس والذوق.
وتابع الدكتور إبراهيم مجدى: "عندما تابعت أزمة الراحل أحمد خالد توفيق أدركت أن أطرافها مدّعى ثقافة، لأن المثقف الحقيقى يقدر حرمة الموت، ويحترم أراء ومواقف الأخر، ولديه حرية فى الفكر، أما ما حدث كشف عن عورات بعض من يسمون أنفسهم النخبة، من الإحساس الزائد بالاضطهاد وعدم التقدير، والاستعلاء الزائد، وقناعة امتلاك الحقيقة، وسطحية الأخر وجهله.
وأضاف الطبيب النفسى أن الأمراض التى تنتشر فى الوسط الثقافى أمراض الشخصية البارانوية، التى تتسم بنزعة الانتقام من الأموات قبل الأحياء، مشيرا أنها صفات لايجب أن تكون فى وسط دوره تحرير العقول وترقية الذوق، خاصة إذا كانوا من ينتمون له مثقفون حقيقيون.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة