أكرم القصاص - علا الشافعي

الانبا ارميا

"دائمًا ينتظرون...!!"

الجمعة، 27 أبريل 2018 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

فى طريق الحياة، علينا أن نسلك بحسب المبادئ الإنسانية الخيّرة التى غرسها الله  ـ تبارك اسمه ـ فى أعماق كل منا. وبينما الإنسان يسير فى مسيرة المحبة والخير ومدِّ يد المعونة على قدر طاقته إلى كل بشر، يتقبل النعم والبركات فى حياته من الله. وهٰكذا يكون مبدأ الحياة: قدِّم وابذُل ما لديك من محبة وخير، وأنت لا ترجو شيئًا، ولا تهدُف إلى تحقيق مكسب سوى أن تُسعد البشر؛ فتفرح بك السماء. لٰكن كثير من البشر لا يسيرون وَفقًا لذٰلك، إنما دائمًا ينتظرون أن ينالوا الخيرات ليقدّموا! أن يكونوا سعداء ليُسعدوا الآخرين! أن يكونوا محبوبين لكى يقدموا الحب! هٰذا إن تذكروا أن يقدموا أيًّا من تلك المعاني!! والنتيجة أن الأمور لا تسير وَفقًا لتلك المنظومة التى هى من صنع الإنسان وتفكيره. إن من عرَف سر الحياة والسعادة الحقيقية ليدرك أن الأمور إنما تسير على نحو معاكس: فحين يقدم الخير ينال الخير، وحين يقدم المحبة والسعادة لكل من يلقاه فهو يشعر فى أعماقه بالمحبة والسعادة التى ينشُدها فى حياته. وللحياة مبدأ ولسعادتها سر: أن تقدم وتمنح، وحتمًا تنال أكثر مما أعطيت؛ لأنه بالكيل الذى به تكيل يكال لك ويزاد.

شاهدت قصة، وإن لم تحدث فى الواقع، فإن ملامحها قد تقابلنا فى الحياة. ولٰكن دعنى أولاً أسألك: كم مرة ارتفعتَ بنظرك إلى السماء، مرددًا عبارة "لماذا تحدث لى هٰذه الأمور الصعبة؟!"؟ وكم من بشر رموا الله ـ حاشا! ـ بأنه سبب عدم سعادتهم أو ما يعتريهم من آلام؟!! تقول القصة إنه فى زمن ما، فى إحدى البلدات البعيدة، حدث أن انقطع المطر سنوات طوال حتى وصل الأمر إلى حد الجفاف الذى أثر فى حياة أهل البلدة بأسرها فلم يعودوا قادرين على زارعة الأرض إذ أضحت جرداء موشكة أن تكون كالصحراء! وكان مصدر المياه الوحيد لأهل البلدة هو آبار حُفرت. وكان أحد مواطنى تلك البلدة مزارعًا يملِك مزرعة ورثها عن أجداده؛ ونظرًا إلى تلك الظروف القاسية التى تمر بالبلدة من جدْب وقحط، بدأ المواطن يفكر فى بيع مزرعته والانتقال إلى الحياة فى مكان آخر، ولكن ذٰلك الأمر كان مزعجًا لنفسه كثيرًا إذ يريد البقاء ببلدته بين أصدقاء طفولته، حيث ذكريات عائلته وإن كان قد واراها التراب! وفى إحدى المرات، بينما الرجل يتحدث إلى أصدقائه عن اضطراره إلى بيع الأرض مع نهاية الشهر لتسديد ديونه، إذ ينفعل بشدة ملقيًا باتهاماته على الله ـ حاشاه ! تبارك اسمه  ـ بأنه المسئول عن تلك المجاعة والقحط اللذين تعانيهما بلدته !

وتتوالى المواقف، فيظهر لأهل البلدة ملاك يُعْلمهم بمحبة الله وبخيره الدائم، مذكِّرًا إياهم بمواقف كثيرة عبرت بهم وكانت يد الله تساعدهم وتساندهم. توقف الرجل قليلاً، وصلى إلى الله كى تمطر السماء لإنقاذ بلدته، وجاء رد الملاك بأن إجابة الله عن طلبه هى الرفض!! وأطرق الرجل يائسًا وقد أُسقط فى يده!! لكن أمرًا عجيبًا قد صار: إذ صنعت إحدى قاطنات البلدة احتفالاً لجميع ساكنيها من أجل شكر الله على جميع الخير الذى قدم لهم عبر رحلة الحياة. وفى الاحتفال، يقرر جميع أهل البلدة جمع تبرعات بعضهم من بعض من أجل صديقهم المثقل بالديون، وبالفعل يمنحه كل مواطن من أهل بلدته ما يستطيع من مال أو مقتنيات يمكن بيعها، فى محبة غامرة. وفى ظل تلك المحبة والخير الذى يشمل الجميع، إذا السماء تبدأ فى إسقاط قطرات مطرها الواحدة تلو الأخرى إلى أن هطلت بشدة، حاملة رسالة الخير إلى أولٰئك الذين قرروا أن يكون الخير والمحبة طريقهم معًا فى الحياة.

* الأُسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى.

 

 

 










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة