أطفال الهجرة والخوف.. "اليوم السابع" فى جولة إنسانية تحقق فى أحوال 33 ألف طفل لاجئ فى محافظات مصر.. هيئة إنقاذ الطفولة تنظم دورات لدمجهم بالمجتمع.. 4 أشقاء سوريين يخرجون من عزلتهم ويواجهون المجتمع المصرى

الجمعة، 20 أبريل 2018 10:00 ص
أطفال الهجرة والخوف.. "اليوم السابع" فى جولة إنسانية تحقق فى أحوال 33 ألف طفل لاجئ فى محافظات مصر.. هيئة إنقاذ الطفولة تنظم دورات لدمجهم بالمجتمع.. 4 أشقاء سوريين يخرجون من عزلتهم ويواجهون المجتمع المصرى «اليوم السابع» فى جولة إنسانية
هدى زكريا

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
- أبرز الحالات لطفل سودانى سكب ماء ساخناً على نفسه بسبب العزلة وعدم التكيف
 
«لترتفع الآن أذرعة اللاجئين.. رياحا.. رياحا.. لتنتشر الآن أسماؤهم.. جراحا.. جراحا.. لتنفجر الآن أجسادهم صباحا.. صباحا.. لتكتشف الأرض عنوانها.. ونكتشف الأرض فينا.. يا أمنا انتظرى أمام الباب.. إنا عائدون.. هذا زمان لا كما يتخيلون.. بمشيئة الملاح الريح.. والتيار يغلبه السفين! ماذا طبخت لنا؟ فإنا عائدون.. نهبوا خوابى الزيت يا أمى وأكياس الدقيق.. هاتى بقول الحقل هاتى العشب! إنا عائدون!.. طردوه من كل المرافئ.. أخذوا حبيبته الصغرى ثم قالوا: أنت لاجئ!». هكذا وصف شاعر الثورة الفلسطينية الراحل محمود درويش فى قصيدته «اللاجئون» حال اللاجئين الفلسطينيين، دون أن يدرى أن كلماته تلك سترددها الأجيال تباعًا، لتجسد معاناة كانت ومازالت تواجهها شعوب كثيرة وليس الفلسطينيين فحسب، معاناة لم تفرّق بين رجل وامرأة، أو حتى شيخ وطفل، بعدما كُتب لهم جميعًا أن يعيشوا بعيدًا عن موطنهم الأصلى، يطرقون أبواب بلدان العالم، فى محاولة منهم للاندماج والتكيف مع أبنائها للعيش سويًا لحين تحسّن الأوضاع فى بلادهم. وكأن الأطفال النازحين من أراضيهم المشتعلة بنيران الحروب يلاقون صعوبات أكبر فى التعامل مع عادات وتقاليد وثقافات مغايرة فى البلدان المضيفة لهم، فيأتى دور مؤسسات المجتمع المدنى فى مساعدتهم على التكيف، وإيجاد أنظمة صحية وتعليمية بديلة تساعدهم على العيش، وهذا ما حاولنا رصده من خلال تسليط الضوء على حياة عدد من أطفال اللاجئين العرب والأفارقة، الذين قدموا لمصر باعتبارها بلد لجوء وفقًا لاتفاقية حماية جنيف لحماية اللاجئين، والتى وقّعت عليها الأخيرة عام 1951 وجرى تصديقها والعمل بها فى 1954، ودور هيئه إنقاذ الطفولة - الجهة المعنية بتأهيلهم نفسيًا وإعانتهم على الاندماج اجتماعيًا - فى هذا الشأن. 
 

أربعة أشقاء تركوا سوريا واحتموا خلف أسوار منزلهم فى مصر

أم «ربة منزل» وأب «نجار» وأربعة أطفال ودعوا مدينة حمص بسوريا، وقدموا للعيش بمحافظة المنصورة، حيث تواجه الأسرة السورية صعوبة فى التواصل مع أقرانها المصريين بسبب لهجتها المختلفة وعاداتها وتقاليدها المتباينة عن نظيرتها المصرية، مما دفع الأولى إلى الانعزال ومحاولة التكيّف مع ظروف المجتمع.
 
 
ثلاثة أعوام فترة كافية لتحويل منزل الأسرة السورية لسجن كبير يخشون الخروج عن أسواره، ويشعر فيه الأطفال بالتوتر والخوف من الجميع، نتيجة ما يمارس معهم من ضغط نفسى تحول مع مرور الوقت إلى عنف تجاه المجتمع، وأمام هذا قررت الأسرة الهرب مرة أخرى إلى محافظة القاهرة، حيث استقرت بمدينة العبور، التى تشهد أكبر تجمع سورى فى الوقت الحالى. 
 
تقول الأم متحدثة عن الآثار النفسية التى خلفتها الحرب، ومحاولة تكيف أطفالها فى مجتمع بديل: ابنى الأكبر كان يذهب إلى المدرسة، لكنه لم يستطع التكيف مع أقرانه، وهذا الأمر أثر كثيرًا على نفسيته، لدرجة أنه كان يتحدث أثناء نومه، والابن الثانى الأصغر سنًا يعانى دائمًا من التوتر والضعف البدنى، ويدخل فى نوبات بكاء فجأة، ولا يريد الذهاب إلى المدرسة، أما الابن الثالث فقد غلب على طابعه العنف تجاه شقيقيه، لأنه لا يرى سوانا أبدًا، والطفل الأصغر والأخير تأخر فى النطق فى ظل هذه الظروف العصبية.
 
وتضيف الأم عن دور المنظمة فى تأهيل أطفالها نفسيًا: عندما انتقلنا إلى القاهرة بدأ الأمر يختلف تدريجيًا، خاصة مع دور هيئة إنقاذ الطفولة «save the children»، التى قامت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بإحالتنا إليها.
 
وتتابع: بدأ الأطفال الأربعة أخيرًا فى الاندماج مع المجتمع المصرى لأول مرة خلال أربع سنوات، فبالرغم من حب أهالى المنصورة للأسر السورية، فإن هناك بعض الأسر كانت ترفض أن يلعب أبناؤها مع السوريين، وتخشى الاختلاط، خوفًا من اختلاف العادات والتقاليد، ولكن هذه الذكريات بدأت تتلاشى بعد أربع جلسات من إعادة التأهيل النفسى داخل المؤسسة، فالأطفال الآن بدوا أكثر قوة وتقبلًا لفكرة الذهاب إلى المدرسة بصدر رحب، وتحسن سلوكهم، خاصة بعد مشاركتى فى برنامج التهذيب الإيجابى، وتعلمت كيفية التعامل مع الأطفال الصغار.
 
اشتاق لوطنه سوريا، يتمنى أن يعود ليراه ولو ليوم واحد، يتساءل فى كل ليلة لماذا نشبت الحرب هناك؟، هذا هو حال «عمار»، الابن الأكبر للأسرة، الذى يدرس بالصف السادس الابتدائى، ويتمنى العودة لموطنه الأصلى ليكون طبيبًا يعالج المرضى هناك.
 
هبة العزازى، مدير برنامج حماية الطفل بهيئة إنقاذ الطفولة، تقول: هدف المؤسسة هو مساعدة كل طفل فى جميع أنحاء العالم العربى، وقد حملنا على عاتقنا مساعدة آلاف الأطفال خاصة السوريين منهم، بعدما تعقدت الأزمة السورية، وقد استطعنا بالفعل مساعدة 33 ألف طفل لاجئ عربى وأفريقى فى عامين، و25 ألف أب وأم. وعن كيفية مساعدة الأطفال اللاجئين قالت «العزازى»: نستقبل الطفل ونقوم بتسجيل بياناته، ثم ندرس المشكلة التى يعانى منها، وعلى أساسها نضع خطة للمساعدة، سواء كانت نفسية، اجتماعيه، صحية، أو تعليمية، وغيرها من المساعدات الأخرى التى توفرها الهيئة، ولا تقتصر مساعدات الهيئة على الأطفال فحسب، بل إنها تساعد أيضًا العائلة بأكملها، حيث توفّر دخلًا شهريًا ثابتًا لأسر اللاجئين، بالإضافة لتقديم الدعم الصحى للعائلة، الذى يصب فى النهاية فى مصلحة الطفل.
 
قدم مع أسرته من دارفور بالسودان إلى القاهرة، حاول الذهاب إلى المدرسة واللعب مع أصدقائه الجدد، فأهانوه، مما أثر بالسلب على حالته النفسية، فعاد الطفل الصغير الذى يبلغ من العمر 10 سنوات إلى المنزل، وأحضر المياه الساخنة، وألقاها على جسده، حتى لا يخرج من المنزل أبدًا، هذه هى قصة «محمد»، الذى بدأت حالته النفسية تتحسن تدريجيًا، وتقبل فكرة التكيف مع المجتمع البديل. 
 
«العيال كانوا بيضربونى من غير سبب، فمكنتش بحب أروح المدرسة، ومكنتش بحب ألعب معاهم علشان بيضايقونى، فبلعب مع السودانيين بس، بس دلوقت خلاص أنا مش عاوز أسافر وهعيش هنا، علشان بيلعمونى فى الهيئة أرسم، وبقى ليا أصحاب سودانيين ومصريين كتير»، هكذا قال «محمد»، الطالب فى الصف الثانى الابتدائى، الذى يعيش برفقة أفراد أسرته الخمسة بمنزل متواضع بمنطقة عين شمس. 
 
يقول الوالد: «تقوم المفوضية حاليا بإعالة أسرتنا، وهى تتكفل بمدارس الأطفال، وقامت بإحالتنا إلى هيئة إنقاذ الطفولة، وذلك بسبب المضايقات التى كان يتعرض لها أطفالى فى المدرسة وفى الحى، فكان الجميع خاصة «محمد» يرغبون فى العودة إلى السودان، ولكن بعد التأهيل النفسى أصبح سلوك الأولاد أفضل مع الجيران، وأصبحوا يتحدثون عن إمكانية البقاء بمصر وعدم العودة لدارفور مرة أخرى». وبعد مرور عام على وجود الأسرة فى مصر، أصبحت لا تنشغل سوى بأحلامها فى أن يكون بالمنزل «لاب توب» أو «موبايل»، على أمل أن تنسيهم التكنولوجيا الحديثة أصوات البارود، ومشاهد القتل التى حفرت فى ذاكرتهم على حدود تشاد خلال هروبهم إلى مصر.
 
حروب، فقر، دمار وأنقاض، هذا هو ما يراه معظم الأطفال اللاجئين وهم يلقون النظرة الأخيرة على بلادهم، قبل أن تستقبلهم الهيئة، وتبدأ فى تأهيلهم نفسيًا، تقول نيرمين عبدالعزيز، مدير الدعم النفسى والاجتماعى بالهيئة: «مساعدة الأطفال اللاجئين ليست سهلة أبدًا، فهناك أطفال جاءوا إلى القاهرة دون عائلاتهم، بالإضافة لعدم تعاون الأهل معنا فى بعض الأحيان، إما لأمية الأهالى، أو بسبب الأضرار النفسية التى عاشوها فى بعض البلاد المتضررة من الحرب، وفى كل الحالات السابقة لا يحصل الطفل على مساعدة الأهل فى التعافى من أزماته النفسية». 
 
عدم دعم الأهل لمساعدة الطفل ليس هو المشكلة الوحيدة التى تقف حائلًا بين الطفل اللاجئ والحصول على المساعدة النفسية، بل تاريخه المرضى أيضًا يساعد فى بناء هذا الحائل، فقد تكتشف الهيئة خلال عملية التأهيل وجود أحد الاضطرابات النفسية التى يعانى منها الطفل، أو وجود خلل جينى متوارث فى العائلة، وهذا يزيد من تكيف واندماج الطفل وأسرته داخل مجتمعاتهم الجديدة، وفى هذه الحالة تقوم المؤسسة بتوفير دخل مادى للأسرة من قبل المفوضية، لسد الاحتياجات الأساسية. وعن كيفية التعامل مع الحالات الصعبة قالت «نيرمين»: «تضم المؤسسة مجموعة من الخبراء والمتخصصين لملاحظة ومتابعة سلوك كل طفل، ليحصل كل منهم على الرعاية النفسية اللازمة، يليها تقديم الخدمة التعليمية التى تساعد الأطفال فى استكمال دراستهم بشكل طبيعى، وخلال الأنشطة المدرسية نتابع مدى مشاركة كل طفل فى مجتمعه، ومدى تكيّفه، فإذا لاحظنا على الطفل أى سلوك غريب، نقوم بإبلاغ الأسرة، حتى تتدخل على الفور للمساعدة فى العلاج».
 
تتنوع الأنشطة التى تقدمها هيئة إنقاذ الطفولة للأطفال اللاجئين، فمنها أنشطة فردية، ومنها أنشطة اجتماعية لمن يحتاج التدخل الجماعى من قبل الأهل أو بعض الأصدقاء، وجميع هذه الأنشطة تساعد فى جعل الطفل يجيب عن ثلاثة أسئلة محددة، هى: من أنا؟ ما هى قدراتى؟ وما الذى أستطيع فعله لنفسى وللمجتمع.
الدفاع عن النفس فى ظل الظروف المجتمعية الجديدة، والتواصل الجيد مع الأسرة، هما أهم برنامجين تقدمهما الهيئة للأطفال، وذلك خلال رحلة التعافى التى قد تستغرق من 8 إلى 12 جلسة بحسب ظروف الحالة النفسية للطفل.
 

«خالد» كره الحرب فى سوريا وبدأ يفكر فى مدرسته الجديدة بمصر

فى منطقة أول تبة بمدينة نصر، جلس الشقيقان يتذكران الليلة التى قررت فيها الأسرة السورية السفر إلى مصر، عندما اخترقت إحدى الرصاصات جدار الحائط، فهلع الجميع وقاموا بالاختباء بالغرفة الصغيرة بالمنزل، آملين فى أن يكتب لهم الله رؤية الشمس فى اليوم المقبل، وما إن حدث ذلك، حتى غادروا على متن أول طائرة للنجاة بحياتهم.
 
 
خلال السنوات الأربع التى قضاها «خالد» بمصر جاءت اللحظة التى شعر فيها بأنها الافضل على الإطلاق، عندما تم تسجيله فى إحدى المدارس، فبدأ يفكر فى شكل مدرسته الجديدة، وأصدقائه الجدد، وساعده على ذلك أشقاؤه الثلاثة الذين سرعان ما استطاعوا التكيف مع المجتمع البديل، نظرًا لكبر أعمارهم، بالإضافة للدعم الذى قدمته لهم هيئة إنقاذ الطفولة. يقول «خالد» صاحب السنوات الثمانى: «أتذكر سوء معاملة بعض الأطفال المصريين فور قدومى هنا، عندما حاولت اللعب معهم، ولكن الآن عمرى 8 سنوات، وأدرس فى الصف الثانى الابتدائى، وأصبح لى العديد من الأصدقاء السوريين والمصريين أيضا».
 

«رنا» تحولت من إنسانة بائسة لأخرى تقدم الدعم للأطفال 

الصعيد المصرى، الريف الدمشقى، وجهان لعملة واحدة، فهما منطقتان عندما تستمع لاسمهما تتذكر التمسك بالأصول والعادات والتقاليد، هكذا تقول «سناء»، أم لخمسة أطفال خرجوا جميعًا من ريف دمشق، ليواجهوا حياة مختلفة تمامًا فى القاهرة، تقول الأم: «نعيش فى مصر منذ أربع سنوات أنا وزوجى وأطفالى الخمسة، فى بداية استقرارنا هنا كان يعمل زوجى بأحد المصانع، ولكن أصيب بوعكة صحية، ولم يعمل بعد ذلك، وهنا استغللت خبرتى بالخياطة، وعملت فى هذا المجال لبعض الوقت إلى أن أصبت بمرض فى عينى، فأصبحت أعمل أنا وأبنائى خلال الصيف بأحد المصانع لتوفير نفقات المدارس، التى هى أصعب التحديات التى تواجهنا كل عام».
 
هذه المرة لم تكن المشكلة فى تكيف الأطفال مع المجتمع الغريب، ولكن فى تكيف الأم والأب، اللذين عاشا بالريف الدمشقى، مع المجتمع المصرى المختلف فى العادات والتقاليد، تقول الأم: كنت أتمنى أن يتمسك أبنائى بالعادات والتقاليد السورية خاصة ابنتى، حتى لا نشعر بالغربة عن وطننا الأم، ولكن اضطر الأولاد للتكيف مع المجتمع هنا، وتغيرت طريقة معاملاتهم، كما تغيرت لهجتهم، ففى البداية كان المعلمون يرفضون التحدث مع الأطفال لأن لهجتهم سورية، وكان لا يفهمهم أحد، ولكنهم عندما تحدثوا اللهجة المصرية أصبح كل شىء أفضل. تقول الأم عن هيئة إنقاذ الطفولة: نفتقد مثل هذه المؤسسات فى سوريا، فمن خلالها استطعنا تعلم كيفية التعامل مع أبنائى فى ظل هذه الظروف التى نمر بها، وتعلمت احتواءهم واستيعاب تكيفهم مع المجتمع المصرى، حتى نعود إلى وطننا سوريا. 
 
«رنا» الابنة المدللة بالعائلة، والتى كانت تحلم بأن تصبح طبيبة أو مهندسة اضطرت إلى أن تترك المدرسة، بسبب عدم تكيفها مع البيئة المحيطة الجديدة، ولكن سرعان ما تبدل حالها عندما واظبت على الذهاب إلى الهيئة برفقة والدتها، واشتركت فى برنامج التأهيل النفسى، وأصبحت مسؤولة عن العناية بالأطفال من عمر سنتين إلى 6 سنوات، فقد تحولت من فتاة وحيدة إلى أخرى تهتم بغيرها، وتساعدهم لتتغير حياتهم إلى الأفضل.

 

 







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة