بدت القاهرة لوزير الدفاع السورى العماد مصطفى طلاس فى يوم 10 مارس 1969، كما لو لم يعرفها من قبل رغم أنه عاش فيها قبل ذلك التاريخ، والسبب كما يشرح للكاتب الصحفى محمود عوض، أنه كان يشارك فى جنازة الفريق أول عبدالمنعم رياض الذى استشهد على الجبهة باعتداء إسرائيلى استهدفه يوم 9 مارس 1969، وفوجئ بأن شوارع القاهرة وميادينها «اتسعت فجأة لكى تضم مئات الآلاف من المصريين، خرجوا بعفوية يشاركون فى الجنازة، وفى إحدى النقاط ذاب جمال عبدالناصر من بيننا وسط الناس وهم جميعا يتدافعون إليه».. «اليوم السابع- الحرب المستحيلة حرب الاستنزاف» عن «دار المعارف- القاهرة».
كانت جنازة «رياض» مليونية، وحناجر المشيعين تهتف مطالبة بالثأر من إسرائيل انتقاما لشهيدها الغالى، ووفقا للواء أحمد رجائى عضو المجموعة «39 قتال»: «أصدر الرئيس جمال عبدالناصر تعليمات بضرورة معاقبة الموقع الذى أطلقت منه القذيفة التى أدت إلى استشهاد رياض، فاجتمعت «المجموعة 39 قتال» بقيادة المقدم إبراهيم الرفاعى، وحددنا الهدف وجمعنا المعلومات».. «جريدة الوطن- يومية مستقلة- 5 يونيو 2017 - القاهرة».
وحسب كتاب «حرب الاستنزاف بين مصر وإسرائيل- 1967-1970» للباحثة إنجى محمد جنيدى» (دار الكتب والوثائق القومية- القاهرة): «قررت القوات المسلحة المصرية الانتقام، فتم قصف مدفعى شديد يوم التاسع من مارس 1969، كما نفذت أعمال خاصة للثأر، وتم التخطيط لعملية ضد نقطة لسان التمساح، وهى نفس النقطة التى أصيب فيها الفريق رياض».
قاد «الرفاعى» العملية، وحسب كتاب «حكاية المجموعة 39 قتال» لمحمد الشافعى (الهيئة العامة لقصور الثقافة- القاهرة)، فإنه عقد اجتماعا بمكتبه يوم الخميس17 إبريل مع، الرائد عالى نصر، والرائد رجائى عطية، والرائد إسلام توفيق، والنقيب محيى نوح، والنقيب حنفى معوض، والملازم أول وسام حافظ، والملازم أول وئام سالم، والملازم أول ماجد ناشد، والملازم أول محسن طه، وطلب منهم سرعة تجهيز قوارب وذخيرة وألغام وقواذف مضادة للدبابات، ولم يكشف سبب هذه التجهيزات، لكنه أعطى الضباط المكلفين بالعملية أوامر بأن يكون مع أحمد رجائى عطية 12 مقاتلا، ومع وئام سالم 12 مقاتلا، ومع حنفى معوض 12 مقاتلا، وماجد ناشد معه ثلاثة مقاتلين فقط، أما محسن طه فمعه أربعة مقاتلين إضافة إلى عشرة ألغام مضادة للدبابات، وأكد على الجميع بأن التحرك سيكون إلى الإسماعيلية صباح الجمعة 18 إبريل.
فى الإسماعيلية وزع «الرفاعى» المهام، وكشف أن العملية ستكون «الإغارة على النقطة الحصينة لموقع لسان التمساح، شرق بحيرة التمساح»، والموقع مكون من أربع دشم، وحدد قائد كل مجموعة.. الرائد أحمد رجائى لمهاجمة الدشمة واحد، والنقيب محيى نوح لمهاجمة الدشمة 2، والملازم أول وئام سالم لمهاجمة الدشمة 3، والنقيب حنفى معوض لمهاجمة الدشمة 4، إضافة إلى مجموعة قطع الطريق بقيادة الملازم أول محسن طه، وفى صباح 19 إبريل (مثل هذا اليوم) 1969 تم تجهيز كل شىء للتنفيذ، وبعد صلاة المغرب تحركوا من مكتب مخابرات الإسماعيلية، وحسب الشافعى: «أخذت هذه العملية الاهتمام الأكبر من كل القيادات العليا».
قفز أبطال العملية فى ستة قوارب الساعة التاسعة مساء، وحسب الشافعي:»قرأوا الفاتحة، وبدأت عملية العبور، فى المقدمة قارب الاستطلاع بقيادة الملازم أول ماجد ناشد ومعه ثلاثة مقاتلين، ثم قارب قائد العملية إبراهيم الرفاعى ومعه الرائد عالى نصر وأربعة مقاتلين، ثم قارب مجموعة الاقتحام بقيادة الرائد أحمد رجائى عطية ومعه 12 مقاتلا، وقارب مجموعة قطع الطريق بقيادة الملازم أول محسن طه ومعه أربعة مقاتلين، وأثناء العبور كانت مدفعية الجيش الثانى تواصل دك مواقع العدو وشرق القناة، وفى التاسعة والربع وصل قارب الاستطلاع بقيادة الملازم ماجد ناشد، وأعطى الإشارة للرفاعى بتأمين المكان، فتقدم وخلفه باقى القوارب، وبسرعة البرق وصلت كل مجموعة إلى الدشمة المحددة لها سلفا وتعاملت مع الأهداف بقوة، وبعد تدمير الدشم الأربع أمر «الرفاعى» بالعودة إلى القوارب، ولم يتحرك هو إلا بعد تأكده من عودة الجميع إلى القوارب، وعاودت مدفعية الجيش الثانى دك موقع العدو فى الضفة الشرقية للقناة، لتأمين عودة الرفاعى ورجاله إلى الضفة الغربية.
تكبد العدو خسائر شملت حسب «الشافعى»، تدمير الموقع ومخازن الذخيرة بالموقع، وعربة نصف جنزير، وإعطاب دبابتين، وقتل ما لا يقل عن 40 جندى إسرائيلى، وعادت الأبطال المصريين سالمين ما عدا إصابتين خفيفتين للنقيب محيى نوح، والمساعد أول محمود الجيزى، وانتقلا إلى مستشفى القصاصين ومنها بطائرة إلى مستشفى المعادى، واستقبلهما اللواء محمد أحمد صادق قائد المخابرات الحربية وظل معهما لفترة طويلة، وزراهما الرئيس جمال عبدالناصر، وأجرى حوارا مطولا مع النقيب محيى نوح، كما زراهما الفريق أول محمد فوزى وزير الحربية، ثم زار المجموعة 39 قتال فى مقرها بالمخابرات الحربية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة