يشهد الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل: «كان الرئيس السادات مناورا بارعا، ومهاراته السياسية كانت تتفوق على نفسها حين تكون الحركة بالمناورة، وفى المأزق الصعب الذى كان ينتظره على أول منحنى من الطريق»، ويدلل هيكل على رأيه بما فعله السادات فى شهر إبريل 1971 قائلا: «توصل إلى خطة شديدة البراعة والكفاءة، وكان هو بيقين صاحبها ومبدعها».. «أكتوبر 73.. السلاح والسياسة».
كانت الخطة تدور حول «الاتحاد الثلاثى بين مصر وسوريا»، ووفقا لهيكل: «حدث اتفاق من حيث المبدأ عليه بين الدول الثلاث فى يونيو 1970، بحضور واشتراك «جمال عبدالناصر» حيث كان يزور طرابلس للمرة الأولى والأخيرة فى حياته، ليحضر احتفالات الجلاء الأمريكى عن قاعدة «هويلس»، وكانت التصورات المبدئية أن تضم مصر وسوريا وليبيا والسودان، لكن الرئيس السودانى جعفر نميرى لم يكن مستعدا، واقتصرت المناقشات على مصر وليبيا وسوريا، وفى نوفمبر 1970 وفى جو الوحشة والفراغ والإحباط بعد رحيل عبدالناصر، أعاد القذافى طرح الموضوع أثناء اجتماع «مصرى- سورى -سودانى- ليبى»، جرى عقده كمظاهرة تأييد لمصر وللرئيس السادات، وتأجل البحث إلى اجتماع قادم.
استدعى السادات فجأة هذا المشروع فى أواخر مارس 1971 حسب تأكيد هيكل، للإفلات من مأزق قرار الحرب ضد إسرائيل الذى تحدد موعده فى أواخر إبريل من نفس العام، طبقا لقرار مجلس الأمن القومى المصرى يوم 26 مارس 1971، وبوصف هيكل: «كان هو فى هذا الاجتماع ضمن أقلية يمكن أن توصف بالانهزامية»، لكنه قرر أن يجارى فى وقت لم يتوافر لقرار الحرب إمكانياته سياسيا وعسكريا وحتى نفسيا، والصراع على السلطة يكاد يتحول إلى فتنة»، ويقول شعراوى جمعة وزير الداخلية وقتئذ فى «شهادة للتاريخ- محمد حماد- مركز الأهرام للنشر»: «كان أنور السادات يريد الإفلات من الموعد الذى يقترب شيئا فشيئا، وكانت لعبته أن يشغل الناس فى استفتاءات ومعارك انتخابية ليفوت الوقت المحدد للمعركة».
حضر رؤساء «دول ميثاق طرابلس» إلى القاهرة يوم 11 إبريل 1971، وواصلوا اجتماعاتهم حتى يوم 13 إبريل، وحسب محمد عبدالسلام الزيات فى مذكراته «السادات القناع والحقيقة» عن «كتاب الأهالى-القاهرة»: «لم تكد تمر أيام على تعيينى وزيرا حتى أشركنى السادات فى وفد مصر فى المباحثات التى جرت فى القاهرة وحضرها الأسد والقذافى ونميرى، وكان بين أعضاء الوفد المصرى حسين الشافعى وعلى صبرى وعبدالمحسن أبوالنور ولبيب شقير وشعراوى جمعة وسامى شرف، وأثناء المباحثات تبين شقة الخلاف بين الليبيين والسودانيين واسعة، واعتذر نميرى قائلا: الجنوب يعتبر نفسه أفريقيا، وليس عربيا، ومثل هذه الخطوة يمكن أن تزيد من تعقيد الأمور على هذا الصعيد».
انتهى الاجتماع، وحسب شعراوى جمعة، فإنه كان فى حفل تخريج دفعة جديدة من معهد الدراسات الاشتراكية وفوجئ بمن يتصل به من الرئاسة ليبلغه بأن السادات والقذافى والأسد، اتفقوا على السفر إلى بنغازى فى ليبيا لاستكمال مناقشة الموضوع، ويذكر أنه ذهب إلى المطار لتوديع السادات والوفود المسافرة، وعندما وصل إلى استراحة رئيس الجمهورية فى المطار وجد العقيد القذافى ومعه الرائد عبدالمنعم الهونى والرائد عبدالله المحيشى «أعضاء مجلس قيادة الثورة الليبية»، ويذكر «جمعة» بأن القذافى بادره لحظة دخول الاستراحة، وكان يجلس إلى جانبه على صبرى، نائب رئيس الجمهورية، متسائلا: هل هناك ضغوط على أنور السادات فى مصر؟، وأكد أن سؤاله بسبب ضغوط السادات كى يتم مشروع الاتحاد، فى حين أنه هو- أى القذافى - لا يرى ضرورة لهذه العجلة».
يؤكد شعراوى جمعة أنه فى اجتماع يوم 16 إبريل «مثل هذا اليوم 1971» طلب الجانب الليبى الانفراد بالوفد المصرى، وأبدوا صراحة مخاوفهم من التعامل مع حافظ الأسد ومع «حزب البعث»، وطرح الليبيون فى اجتماعهم مع الوفد المصرى تساؤلات حول جدوى هذا التسرع فى التوقيع على مشروع الاتحاد الثلاثى، ويذكر الزيات أنه فى نهاية الاجتماع تشكلت لجنة لتضع تصورها عن الاتحاد من خلال المناقشات التى جرت، وكان هو المندوب المصرى فيها ويؤكد: «قضيت الليل بطوله وحتى الصباح بعد أن أخذ النعاس المندوبين السورى والليبى، ووضعت صيغة لمشروع اتفاق، واجتمعنا فى صباح 17 إبريل، وانتهى إلى الموافقة عليه وتم التوقيع عليه من الرؤساء الثلاثة فى ظهر نفس اليوم «17 إبريل»، وكان ذلك مفتتحا لاحتدام الصراع بين السادات ومعارضيه الذين عملوا إلى جوار عبدالناصر وانتهى به إلى سجنهم فى قضية 15 مايو 1971.