قال أحمـد أبـو الغيـط، الأمين العام لجامعة الدول العربية إن المُتأمل لأحوال المنطقة العربية اليوم لا يسعه سوى إدراك عمق الصلة بين تحديات الاستقرار والأمن من ناحية، وغايات التنمية الاقتصادية والاجتماعية من ناحية أخرى.
وأكد أبو الغيط، خلال كلمته فى الجلسه الافتتاحية لاجتماع المجلس الاقتصادي والاجتماعي التحضيري لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة الدورة العادية (29)،اليوم الخميس، بالرياض، إن الدول العربية مطلوبٌ منها أن تخوض معركتين في آن واحد، وبنفس الدرجة من التصميم والعزم. معركة القضاء على الإرهاب واستئصال جذوره من التربة العربية. ومعركة التنمية والتحديث على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي. مشددا على إنهما معركتان متكاملتان لا انفصال بينهما، ولا يمكن لشعوبنا العبور إلى المستقبل سوى بالانتصار فيهما معاً.
وتابع: وبرغم سعادتنا الكبيرة بما تحقق من دحر جماعة الإجرام والتكفير المُسماة بداعش . إلا أن الطريق ما زال أمامنا طويلاً لكي نطمئن إلى أن هذا البلاء لن يعود ليضرب مجتمعاتنا من جديد .
كما أكد إن المرحلة الحالية تتطلب تعزيز الانتصارات التي تحققت عبر الإسراع بإستعادة الحياة الطبيعية للمناطق والبلدات التي عاث فيها الإرهابيون فساداً، فخربوا عمرانها وهجروا سُكانها.
وأوضح إن إعادة الإعمار تفرض نفسها على الأجندة العربية كمشروع رئيسي في هذه المرحلة الحاسمة.. وسيحتاج الأمر لسنواتٍ من العمل والجهد التنموي من أجل استعادةِ ما دُمر وإعمار ما خُرب، الأمر الذي يمثل فُرصة كبيرة لمشروعاتِ تكامل عربي تُركز على هذا الجانب الذي يُسهم ولا شك في تعزيز الوضع الاقتصادي العربي في مجمله.
وأضاف: إننا نرصد جهوداً خلاقة وجسورة من جانب عدد من الدول العربية في إقامة مشروعات اقتصادية كبرى، يكون من شأنها تعييد الطريق أمام ولوج الدول العربية إلى عصر الثورة الصناعية الرابعة، بما يفرضه من محددات اقتصادية ومتطلبات تكنولوجية. والمأمول أن تصب هذه الجهود في سد الفجوة الخطيرة في مجال التوظيف.
ولفت أبو الغيط إلى أن البطالة في العالم العربي، خاصة بين الشباب، بلغت معدلات مرتفعة تصل إلى 30% من قوة العمل. وغني عن البيان ما ينطوي عليه ذلك الوضع الخطير من أزمات اجتماعية وسياسية وأمنية. مؤكدا إن النمو الذي ننشده هو ذلك الذي يأخذ بيد كافة شرائح المجتمع، ويُسهم في تخفيف حِدة الفقر، ويقود إلى زياة الانتاجية والاستثمار، ومن ثم توفير المزيد من فرص العمل.
واعتبر الأمين العام للجامعة العربية، إن الحاجة لتعزيز العمل العربي المُشترك في المجالات الاقتصادية والاجتماعية تشتد اليوم أكثر من أي وقت مضى، إذ لا يخفى أن الأزمات الخطيرة المتوالية التي ضربت المنطقة العربية منذ 2011 لا تؤثر على دولة بعينها، وإنما تمتد تأثيراتها السلبية وتبعاتها الخطيرة مُتخطية الحدود، وتُزيد من صعوبةِ الأوضاع الاقتصادية في عددٍ من الدول العربية، سواء فيما يتعلق بارتفاع تكلفة حماية الحدود وصون الأمن الداخلي من مخاطر الإرهاب، أو من حيث تدفق أعداد هائلة من اللاجئين، بما يفوق طاقات الدول المستضيفة ويضغط على كافة منظوماتها الحياتية... ويُضاف إلى ذلك كله تأثيرات الصراعات على التجارة البينية بين الدول العربية، وعلى مُعدلات التوظيف والتشغيل، وغيرها من أوجه النشاط الاقتصادي التي نالها أذى كبير في ظل تصاعد التهديدات الإرهابية واستمرار حال انعدام الاستقرار في بعضِ الدول العربية.
وتابع: ولا شك أن هذه الأوضاع الصعبة تدفعنا جميعاً إلى الاستمساك بصورة أكبر بالمشروع الاقتصادي الأهم في المنطقة، ألا وهو مشروع التكامل الاقتصادي الذي آن أوان انتقاله إلى حيز الفعل والتنفيذ .. لقد جرى عملٌ كثير خلال السنوات الماضية على صعيد استكمال الأركان القانونية والمؤسسية لمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، والاتحاد الجمركي العربي، وتحرير التجارة العربية في مجال الخدمات (ولا يفوتني هنا توجيه التهنئة لكل من الأردن ومصر لقيامهما بالتوقيع اليوم على اتفاقية تحرير تجارة الخدمات بين الدول العربية، آملاً في انضمام باقي الدول العربية في الأجل القريب.
وأوضح إنه برغم ما تحقق على صعيد التكامل الاقتصادي العربي .. إلا أن الانطلاقة الكبرى نحو تحقيق هذه التطلعات ما زالت تنتظر الإرادة السياسية من أجل تحويل الحلم إلى واقع.. وأجدُ من الأهمية في هذا المقام الإشارة إلى تطورٍ هام سيتحقق هذا العام، بإذن الله، على صعيد تعزيز التكامل الاقتصادي العربي وهو اعتماد قواعد المنشأ التفصيلية للسلع العربية المُتفق على تداولها في منطقة التجارة الحُرة العربية... وهي تتجاوز 90% من إجمالي قواعد المنشأ للسلع العربية.. إن معضلة الاتفاق على قواعد المنشأ طالما مثلت عقبة كبيرة في طريق استكمال منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى .. ولا شك أن تذليل هذه العقبة سوف يُمهد الطريق لاستكمال خطوات تفعيل التكامل الاقتصادي بإيقاع أسرع وتوافق أوسع.
وأكد أبو الغيط، إن الدول العربية اختارت الإلتزام بتنفيذ أجندة التنمية المُستدامة 2030، وهو ما يتطلب منا التعاطي بجدية مع التحديات الخطيرة التي تواجه جهودنا التنموية في المستقبل، خاصة فيما يتعلق باستدامة مواردنا الطبيعية.. إن 40% من سُكان المنطقة العربية يعيشون في مناطق شُح مائي .. والمتوقع أن تؤدي التغييرات المناخية إلى خفض مواردنا المائية بنسبة 20% إضافية بحلول عام 2030.. وليس صعباً أن نتصور خطورة التحديات التي تفرضها هذه المعطيات، خاصة فيما يتعلق باتساع الفجوة الغذائية في العالم العربي، والتي سجلت ارتفاعاً مُزعجاً من 18 مليار دولار عام 2005 إلى 34 مليار دولار عام 2014.
وشدد على إن قضايا المياه والطاقة والبيئة وانتاج الغذاء مترابطة ومتكاملة وكلها تستلزم تخطيطاً يخاطب المستقبل ويستشرف مخاطره التي ستنعكس بصورة مباشرة على نوعية حياة المواطن العربي ومستوى معيشته وأمنه الاقتصادي، ويقيني أن مجلسكم، الذي يمثل ركيزة أساسية في منظومة العمل العربي المشترك، سوف يأخذ هذه التحديات وغيرها بعين الاعتبار، ويوليها ما تستحق من الانتباه والاهتمام.
وتوجه أبو الغيط بخالص التهنئة إلى المملكة العربية السعودية على تولي رئاسة هذه الدورة لمجلس الجامعة، متمنياً لها كل التوفيق والنجاح . كما تقدم بالشكر والتقدير للمملكة الأردنية على ما بذلته من جهد مُقدر خلال عام رئاستها في الدورة المُنتهية.