وجهت «الأهرام»، وباسم مجلة «الطليعة» الصادرة عنها، الدعوة إلى الفيلسوف الفرنسى العالمى الشهير «سارتر»، والكاتبة الفرنسية سيمون دى بوفوار لزيارة مصر فى مارس 1967، وحسب محمد حسنين هيكل، رئيس تحرير «الأهرام» فى كتابه «الانفجار 1967»: «كان الزائران وقتها طليعة حركة التجدد الثورى فى فرنسا وأوروبا، فضلًا عن أن سارتر كان مؤسس المدرسة الوجودية فى الفلسفة، وكانت دى بوفوار حليفه الضخم فى معركة إعادة اكتشاف وتجديد حيوية المجتمعات الأوروبية فى فترة منتصف الستينيات وما حولها».
تمت الدعوة باسم توفيق الحكيم كأكبر مفكر سنًا وقدرًا، كما رأت «الأهرام»، وفقًا لتأكيد عايدة الشريف فى كتابها «شاهدة ربع قرن» عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب- القاهرة»، مضيفة أن الكاتب لطفى الخولى، رئيس تحرير «الطليعة»، أشرف على الزيارة، وصرح بأن لها هدفين، هما معايشة التجربة المصرية الثورية التى يقيم بها الشعب العربى المصرى تجربته الاشتراكية لأول مرة فى هذه المنطقة، وأن «سارتر» ورفاقه طلبوا أن يتعرفوا على المعلومات الدقيقة عن القضية الفلسطينية، فطلبوا زيارة غزة التابعة للإشراف المصرى، وتذكر «الشريف»: «كان معهما ضيف ثالث هو لانزمان، الكاتب اليهودى الشيوعى صديق إسرائيل»، وجاء الضيوف بطائرة خاصة، واستمرت الزيارة 16 يومًا، وفى 9 مارس «مثل هذا اليوم» 1967 تم اللقاء بالرئيس جمال عبدالناصر.
حضر «هيكل» اللقاء، ويأتى بمحضره فى كتابه «الانفجار 1967»، لكنه لا يشير إلى شخص «لانزمان»، وتذكر «الشريف» أنه كان من المفروض أن يقتصر اللقاء على «سارتر» و«دى بوفوار»، وفجأة أعلن «عبدالناصر» أنه لا ضير أن يكون معهم «لانزمان»، لكن تم التخلص من الصور التى كان فيها: «ذهب برداء غير رسمى «قميص مفتوح»، بل أنه طوال وقفتهم كان يضع يده فى جيبه يراقب الحوارات ولا يشارك فيها، وفى صور كان يجلس وساقه فوق الأخرى، ولم يأبه عبدالناصر إلى هذه التصرفات، لكنّ المشرفين على الزيارة رأوا أنه لا داعى لنشرها». وحسب محضر اللقاء، قال «سارتر» إنه لم يكن يعرف الكثير عن الثورة المصرية، وما كان يعرفه كان من مصادر إسرائيلية أو غربية قد تكون معادية لمصر، بل إنه يستطيع أن يشهد بهذا العداء بعد أن رأى ما رأى، لكنه يرى من واجبه أن يثير موضوعًا آخر يتعلق بحقوق الإنسان، فمنذ وصل تلقى فى فندقه خطابات يشكو أصحابها من ضغط واقع عليهم، فرد «عبدالناصر»: «أنت وأنا نستطيع أن نتصور نوع الناس الذين يعرفون فى مصر عنك وعن السيدة سيمون دى بوفوار، بالطبع إنهم الطبقة التى تقرأ الفرنسية أو تقرأ غيرها من اللغات الأجنبية وتتابع الأدب العالمى، وأنا لا ألومهم إذا وجدوا سببًا لأن يكتبوا إليك.. أستطيع وتستطيع معى أن تقطع أنهم من كبار الملاك السابقين، وقد حددنا ملكياتهم ولا أظنهم يحبون ذلك أو يقبلونه، وهم لا يستطيعون وقف حركة الثورة، وبالتالى فإنه لا مانع عندهم من أن يشتكوا إلى كل من يتصورون أنه قادر على سماع صوتهم وعلى إسماعه، فهذه هى الطبيعة الإنسانية وأنا أفهمها، ولكنى فى الوقت الذى أرى فيه دموع الأغنياء لابد أن أتذكر قهر الأغلبية التى كانت غريبة فى وطنها لا تملك فيه شيئًا».
وسألت «دى بوفوار» عن تعليم المرأة، وتعدد الزوجات، وتأثير الدين فى حياة المجتمع، ومشكلة زيادة السكان، فقال «عبدالناصر»: «لا أريدك أن تأخذى بمقولة أن الإسلام يمكن أن يكون عائقًا للتطور، فميزة الإسلام فى رأيى أنه دين مفتوح على كل العصور وكل مراحل التطور، وأنا دائمًا أنقل عن النبى محمد قوله داعيًا الناس إزاء مستجدات العصور «أنتم أعلم بشؤون دنياكم»، وبالنسبة لتعدد الزوجات، فأنا لا أرى أن الإسلام يتركها رخصة مفتوحة، وإنما مقيدة بشروط تجعل التعدد صعبًا بل تكاد تجعله مستحيلًا، والدليل على ذلك ما نراه عمليًا أمامنا، ومؤداه أن ظاهرة تعدد الزوجات تتلاشى تدريجيًا فى المجتمع المصرى».
قال «سارتر» إن هناك مجموعات فى إسرائيل، خصوصًا من اليسار، يتفهمون قضية الشعب الفلسطينى، فرد «عبدالناصر»: الموضوع ليس مشكلة تفهم، وإنما يتلخص فى مشكلتين، الأولى هى الهجرة لإسرائيل، فإسرائيل لن تتسع للقادمين إليها، وستلجأ للتوسع، وهذا يؤدى إلى الحرب، والمشكلة الثانية أنه إذا كان هناك من يتفهم مشكلة الشعب الفلسطينى كما تقول من اليسار الإسرائيلى، فلا أظن أن لديهم ما هو أكثر من الألفاظ والتعاطف بها، ببساطة لأن أهم حقوق الشعب الفلسطينى هى حق العودة، فإذا عادوا سيصبحون أغلبية، وعندئذ تذوب فكرة دولة إسرائيل، وتعرض اللقاء إلى قضايا أخرى.