لا يخلو بيت قبطى من صورته وهو يردد عبارته الشهيرة "دع الأمر لمن بيده الأمر"، يرتدى شاله الأسود الرهبانى البسيط، متحررًا من كل شئ، من تاج البطريرك وصولجان الكراسى مكتفيًا بتلك الابتسامة الهادئة على وجهه وأمله فى أن يستجيب الله لصلواته، ليسمى برجل الصلاة، البابا كيرلس السادس الذى تحل ذكرى وفاته الـ46 اليوم، مازال حاضرًا بصلواته فى قلوب محبيه من الأقباط ومريديه من المسلمين الذين يذكرون له مواقفه الوطنية أيام هزيمة 1967، وتلك الأيام البعيدة التى أطلت فيها العذراء عليهم فوق كنيستها بالزيتون لتعزيهم فى الهزيمة الفاجعة.
طاحونة البابا كيرلس بمصر القديمة مقصد المرضى والمتألمين
فى طاحونته بمصر القديمة، التى سكنها متعبدًا، مازالت رائحته تفوح فى كل مكان، وتمجيد محبيه يرتفع بأصوات عالية "السلام لرجل الصلاة، ومحب الإله" السلام للبابا كيرلس.
الطاحونة صارت كنيسة عانقت صلبانها السماء فالتحمت بها، وتحتها صورة القديس البابا كيرلس يحمل صليبه فى يده، فيصل إلى صليب آخر فوق المنارة، وتحته الكشافة الكنسية بزيها الأزرق تنظم دخول وخروج الزوار فى ليلة البابا الكبيرة.
فى الدور الأول من الطاحونة تقابل مقصورة زجاجية امتلأت برفات قديسين كثر تعذبوا لأجل المسيحية رفضوا ذهب الملك "دقلديانوس" فماتوا بسيفه ومن بين الرفات "القديسة دميانة" والقديسة رفقة وأطفال بيت لحم وشهداء أخميم والقديس سمعان الخراز والأنبا موسى الأسود وغيرهم كثيرين.
على يسار الباب ترى صورة البابا كيرلس مرسومة على الحائط كبيرة وشاسعة وتحتها عبارته الأثيرة "لا تفكر فى الأمر كثيرا ودع الأمر لمن بيده الأمر" وفى منتصف ساحة الطاحونة أو الكنيسة، طوابير ممتدة لآلاف قصدوا البابا من كل حدب وصوب، حبا وأملا ورجاء، فتقسم الكشافة الطريق إلى نصفين الأول للرجال والثانى للنساء، يعبرون بسرعة لزيارة الطاحونة التى تقع فى مبنى صخرى من دورين، أمام الأول تزغرد سيدة "جيتلك يا أبويا.. جيتلك يا شفيعى"، وتردد ثانية السلام لك يا بابا كيرلس ويتردد فى السماء تمجيد القديس.
نصعد سلالم خشبية ضيقة داخل الطاحونة تصل بنا إلى مزار البابا كيرلس كنيسته ومقر عبادته، على أستار الهيكل تعلق صورته، وقد نسجت باليد على ستارة حمراء تغطى هيكلا يعلوه قربانا وشمعتين مضاءتين بنور قداسته، كما كتب أعلى الهيكل أسماء الرسل "توما الرسول وسمعان الرسول وتداوس الرسول ويوحنا وفيلبى".
وأمام مزاره تصيح سيدة عجوز "خلى بالك منى يا حبيبى، ولادك غلابة يا سيدنا وتعبانين" وتبكى بخشوع وتركع أمام مزاره وتقبله.
تخرج من المزار، فترى الحائط يحمل صورة أخرى له كتب عليها "لا يوجد شىء تحت السماء يكدرنى لأنى محتمى فى ذلك الحصن الحصين، داخل الملجأ الأمين، مطمئن فى أحضان المراحم، وحائز على ينبوع من التعزية" فتعرف أن البابا كيرلس قد طلب الآخرة وذهب إليها كما أراد.
الأنبا يوليوس: مستشفى مارمينا تعالج المسلمين والأقباط
أما الأنبا يوليوس أسقف الخدمات العامة والاجتماعية ومصر القديمة، فهو أحد رهبان دير مارمينا الذى أسسه البابا كيرلس إذ يعتبر نفسه ابنًا للبابا القديس، وها هو يرعى تلك الإيبراشية ليكمل مسيرته، يقول أن البابا كيرلس السادس توفى عام 1971 فتحتفل الكنيسة اليوم بالذكرى الـ45 لوفاته، والعيد الثالث لتقديسه بعدما اعترف به المجمع المقدس للكنيسة القبطية منذ ثلاث سنوات بالبابا كيرلس ضمن قديسيها رسميا، مؤكدا أن البابا كيرلس سكن الطاحونة عام 1936 وظل بها حتى عام 1941 وكان يسمى الراهب مينا المتوحد، وفى عام 1941 خرج منها وظل يخدم بكنائس منطقة مصر القديمة يقيم القداسات اليومية حتى أسند له عام 1941 رئاسة دير الأنبا صموئيل المعترف فى جبل القلمون بمغاغة فعمره وجدده.
يضيف الأنبا يوليوس عام 1947 عاد إلى مصر القديمة وبنى كنيسة مارمينا بالنذور القليلة والتبرعات التى كانت تصله حيث كان يبنى الكنيسة بيديه مع العمال حتى جاء عام 1949 فألحق بها سكنا للطلاب المغتربين وكان يصلى للمرضى فتشفى الناس على يده من الأمراض.
"ببركة البابا كيرلس أسسنا مستشفى خيرى فى المنطقة يخدم المسلمون والأقباط بنفس التكلفة البسيطة، وهو أحد أهم عوامل المحبة والوحدة بين الناس هنا" يقول الأنبا يوليوس وهو يشير بيده، ويؤكد أن المستشفى له دور اجتماعى وخيرى كبير فى المنطقة التى يشرف عليها باعتباره اسقفا لمصر القديمة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة