من المغول إلى "داعش".. سرقة التراث أعظم من دمار الحروب.. كاهن عراقى ينقذ كنوزا ثقافية من قبضة مسلحى التنظيم بالموصل.. وينقل المقتنيات لكردستان ويدرب نازحين على حفظها.. ويؤكد: الكلمة الأخيرة للسلام وليست للسيف

الجمعة، 09 مارس 2018 09:00 م
من المغول إلى "داعش".. سرقة التراث أعظم من دمار الحروب.. كاهن عراقى ينقذ كنوزا ثقافية من قبضة مسلحى التنظيم بالموصل.. وينقل المقتنيات لكردستان ويدرب نازحين على حفظها.. ويؤكد: الكلمة الأخيرة للسلام وليست للسيف كاهن عراقى ينقذ كتب تراثية من خراب "داعش"
كتب: محمد الأحمدى - وكالات الأنباء

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

فى جريمة تعيد إلى الأذهان استهداف المغول منذ آلاف السنين الكتب التراثية وحرق معظمها فى مكتبة بغداد منذ أكثر من 600 عام، يعيد التاريخ نفسه من جديد، حيث حاول تنظيم داعش الإرهابى منذ 3 أعوام، سرقة آلاف كتب التراث المسيحى بالعراق وقت سيطرتهم على الكثير من المدن والبلدات العراقية، إلا أن مجموعة من الكهنة سارعت لإنقاذ ما بقى فى المنطقة من تراث مسيحى، وقد استطاع بعض الكهنة أن ينقلوا بأمان العديد من التحف والمخطوطات الثمينة إلى إربيل فى إقليم كردستان.

الكاهن العراقى
الكاهن العراقى

الأب نجيب ميخائيل ينقذ التراث من قبضة التنظيم الإرهابى

وفى هذا الصدد، تمكن الأب نجيب ميخائيل، من رهبنة الدومينيكان العراقية، قبل 3 أعوام، من إنقاذ كنوز ثقافية كانت على وشك الوقوع فى أيدى الإرهابيين، شمال البلاد، فيما يعمل اليوم على تدريب عشرات النازحين العراقيين على حماية هذا التراث الإنسانى.

ويروى الكاهن، البالغ من العمر 55 عاما، أنه عند حلول الظلام ليل 6 أغسطس 2014، وفيما كان المسلحون على أبواب مدينة قرقوش المسيحية فى شمال العراق، حرص هو تكديس مخطوطات نادرة وكتب تعود للقرن السادس عشر ووثائق غير منشورة فى سيارته، وتوجه بها إلى اقليم كردستان المجاور، وقال ميخائيل، لوكالة "فرانس برس"، "من واجبى إنقاذ التراث الذى نملكه وهو كنز كبير"، مضيفا "لا يمكن انقاذ شجرة دون أن تنقذ جذورها، وأن الانسان بدون ثقافة إنسان ميت".

وبالتعاون مع اثنين آخرين من رهبنة الدومينيكان، تمكن الأب ميخائيل - الذى اختص بداية حياته فى الحفر فى قطاع النفط قبل أن يصبح رجل دين فى سن الـ24 - من نقل مركز ترقيم المخطوطات الشرقية إلى أربيل، ويعمل مركز ترقيم المخطوطات الذى أنشىء عام 1990 بالتعاون مع الرهبان البندكتين على استعادة وحماية المخطوطات، وتمكن من ترقيم 8 آلاف مخطوطة بينها كلدانية وأشورية وأرمينية الموجودة فى الكنائس وقرى فى شمال البلاد التى تعرضت للرطوبة ولضرر.

نقل الكتب التراثية إلى إقليم كردستان بعيدًا عن أيدى "داعش"

ويقول الأب ميخائيل، إن "موقع المركز اليوم فى أربيل يضم 10 عاملين هم نازحون أصبحوا مهنيين يستقبلون باحثين من فرنسا وإيطاليا أو كندا للتشاور حول الوثائق"، مضيفًا أن "جميع هؤلاء يحملون شهادات جامعية وفقدوا وظائفهم عند نزوحهم من مناطقهم، لكنهم أصبحوا بسرعة يعملون من أجل المستقبل ويعرفون ذلك، لذا قدموا كل ما فى قلوبهم لأجله" كما يقول الأب ميخائيل مشيرا إلى وجود "مسلمين بينهم يقومون بدورهم بحماية تراثهم".

ويوضح الأب ميخائيل، أنه يضطر فى بعض الأحيان للبدء من جديد مع فرق أخرى، قائلا "دربت قبل ذلك 4 أو 5 فرق مختلفة، لأن بعض النازحين عادوا إلى ديارهم بعد تقدم القوات الأمنية وتراجع الإرهابيين"، حيث بدأت عودة النازحين عقب ديسمبر 2017، حيث أعلن العراق الانتصار على تنظيم داعش الإرهابى الذى استولى على مساحات شاسعة فى البلاد فى 2014 وقام بعمليات "تطهير ثقافى" عبر تدمير مواقع أثرية ورموز دينية مسيحية ومسلمة.

وحرصًا على حفظ الكتب التراثية من الفقد أو الحرق، عمد الأب ميخائيل، إلى مضاعفة النسخ، فهناك نسخ أصلية أعيدت إلى أصحابها، ونسخ رقمت ضوئيا، وأخرى ثبتت لدى الرهبان البنديكتين، وفيما يتعلق بانتهاء التنظيم الإرهابى، قال الأب ميخائيل، إن تنظيم "داعش" الإرهابى، لم يختف، مضيفًا أن "داعش فى العقول وليس فى الملابس، لذلك يجب ألا نعرض ما حفظناه للخطر".

 
الكاهن العراقى نجيب ميخائيل
الكاهن العراقى نجيب ميخائيل

وبالانتقال التاريخى، نجد أنه حتى عام 2007، كان هذا الكنز الثقافى محفوظا فى دير وكنيسة الساعة التى شيدت عام 1866، فى الجانب الغربى من الموصل، وبينه 850 مخطوطة قديمة باللغات الآرامية والآرامية الشرقية الحديثة والعربية والأرمنية واليزيدية والمندائية، وأرشيف ومراسلات بينها ما يعود للثلاث قرون خلت، إضافة لحوالى 50 ألف كتاب، بينها باللغة اللاتينية والإيطالية تعود للقرن السادس عشر الميلادى.

وأطلق اسم الساعة على الكنيسة لأن أجراسها تقرع كل ربع ساعة، وهى هدية قُدمت للآباء الدومينيكان عام 1880 من الإمبراطورة الفرنسية أوجينى دى مونيتو زوجة نابليون الثالث، مقابل خدماتهم للمدينة، وافتتح الدومينيكان 25 مدرسة للتعليم العام فى محافظة نينوى، وجلبوا مطبعة على ظهر جمل عبر صحراء سوريا ، كانت الأولى التى تدخل البلاد عام 1857، ولعبت هذه المطبعة دورا فى نشر كتب تعليم باللغة الأرامية المتداولة بين سكان المنطقة، إضافة إلى طباعة كتب لطقوس وتقاليد كلدانية وسريانية.

بعض الكتب التى تم حفظها من السرقة

بعض الكتب التى تم حفظها من السرقة

وضع الكاهن العراقى على قائمة المستهدفين لدى التنظيم

ومنذ عام 2004، تزايدت الهجمات ضد الكنائس فى الموصل ما أدى إلى مقتل أسقف و5 من الكهنة، وهنا يقول ميخائيل، "كنت على قائمة رجال دين مستهدفين للقتل"، ومن جديد، قرر الأب ميخائيل، عام 2007 للانتقال إلى قرقوش البلدة المسيحية الكبيرة الواقعة على بعد 30 كيلومترا عن الموصل، ويسكنها حوالى 50 ألف نسمة.

وفى 25 يوليو، دفعت "الهواجس" هؤلاء الدومينيكان إلى الانتقال بالكامل إلى كردستان، ولم يتركوا وراءهم حينها سوى المكتبة التى انتهى بها المصير حرقًا على يد الإرهابيين"، وجاءت اللحظة المصيرية فى السادس من أغسطس 2014 عندما اقترب تنظيم داعش وفر سكان قرقوش إلى كردستان، واستذكر ميخائيل، قائلا "بمجرد أن أرى شخصا لا يحمل بيده شئ، كنت أطلب منه إيصال بعض هذه الكنوز الثقافية إلى كردستان، وقد استعدتها كلها".

وفى 25 ديسمبر الماضى، عاد هذا الكاهن من جديد إلى الموصل لحضور أول قداس عيد ميلاد بعد رحيل الإرهابيين عن المدينة، لكنه لم يجد هناك سوى الخراب، واختفت الساعة وقطع البرج الذى كان يحملها، وتحول الدير إلى سجن ومركز للتعذيب ومعتقلات وورش لصناعة قنابل وأحزمة ناسفة وكان هناك مشنقة معلقة فى مكان المذبح، ولكن الأب ميخائيل - الذى يتقن العزف على آلة الأورجن والقيثار الكهربائى - يواصل تمسكه بالأمل، قائلا "أنا متفائل لأن الكلمة الأخيرة ستعود للسلام وليس للسيف".

بعض الكتب التراثية
بعض الكتب التراثية
 
 بعض المخطوطات
بعض المخطوطات
 
الكتب التراثية
الكتب التراثية

 

جانب من المخطوطات
جانب من المخطوطات 

 

مخطوطات منذ قرن
مخطوطات منذ القرن 

 










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة