أكرم القصاص

«ساركوزى» و«ترامب».. ديمقراطية يمكن شراؤها بالمال

الخميس، 29 مارس 2018 07:35 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لم يكن الرئيس الفرنسى نيكولاى ساركوزى هو أول نموذج لتدخلات المال فى السلطة، وتشكيل الديمقراطيات أحيانًا من خلال توجيه أو سرقة إرادة الناخبين، لكن الشرط هو ألا تعلن التفاصيل وتبقى الصفقات سرية، أما إذا خرجت للعلن فهى تنتقل إلى شكل آخر.
 
نيكولاى ساركوزى الذى تولى رئاسة الجمهورية الفرنسية منذ 2007 حتى 2012، وخسر أمام فرانسوا هولاند، تم توقيفه من القضاء الفرنسى على خلفية اتهامه بعقد صفقة سرية مع الرئيس الليبى السابق معمر القذافى، تعهد بمقتضاها «ساركوزى» بدعم السياسة الليبية مقابل تمويل حملته الانتخابية بـ50 مليون يورو من «القذافى»، واعترف رجل الأعمال الفرنسى من أصل لبنانى زياد تقى الدين بأنه ساعد فى نقل خمسة ملايين يورو من رئيس مخابرات «القذافى» إلى مدير حملة «ساركوزى» قبل انتخابات 2007 ضمن الصفقة. 
 
لم يكن هذا هو أول اتهام لـ«ساركوزى» بالحصول على تمويل غير مشروع لحملته الانتخابية، ففى يوليو 2012 تم اتهامه رسميًا بالحصول على تمويل غير قانونى لحملته الانتخابية الرئاسية 2007 من ليليان بيتنكور، وريثة شركة مستحضرات التجميل العالمية «لوريال»، وتمت تبرئته منها لغياب الأدلة.
 
اللافت للنظر أن الرئيس الفرنسى نيكولاى ساركوزى كان أحد أهم أطراف هجوم حلف الأطلسى على «القذافى» وإسقاطه وقتله، قبل أن ترحل قوات الناتو وتترك ليبيا فى مهب الفوضى، فلم تشفع الصفقة الفاسدة لـ«القذافى» لدى «ساركوزى» ضمن لعبة سياسية تقوم على مبادئ مكيافيللى. 
 
نموذج «ساركوزى» أحد نماذج تدخلات المال فى السياسة، بشكل يجعل الديمقراطية جزءًا من تشكيل متعمد يتجاوز التصويت فى الانتخابات.. الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة نموذج، فما تزال قضية «فيس بوك» وبيع 50 مليون حساب لصالح شركات دعاية سياسية لصالح الرئيس ترامب، فيما شهدت الحملة الانتخابية اتهامات مشابهة لحملة «هيلارى»، وتلقى 50 مليون دولار كدفعة لصالح مركز أبحاث «كلينتون» وهو تمويل غير مباشر . 
 
قبل 14 عامًا أصدر الصحفى جريج بالاست كتابه «أفضل ديمقراطية يمكن شراؤها بالمال»، وخصصه لكشف آليات تزييف الانتخابات، والتلاعب فى نتائجها، لضمان تحقيق ما يريده السياسيون والفاعلون، ويتحدث كذلك عن السياسة الخارجية لأمريكا، وممارساتها ضد الدول النامية، واستنزافها موارد هذه الدول.. الكتاب يتحدث عن «أمريكا الشركاتية» التى تحرك السياسة والديمقراطية والحروب والإعلام فيها شركات استثمارية تنهب مليارات الدولارات لصالح فئة قليلة، ويركز على الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2000، والتى فاز بها جورج دبليو بوش، وكيف أسهمت شركات النفط والسلاح فى إنجاح جورج دبليو بوش، لينفذ مطالبها باجتياح وغزو العراق 2003، ويتولى قادة هذه الشركات المناصب الأعلى فى الإدارة، وتحصل الشركات على أهم عقود الهدم والبناء والنفط والسلاح للعراق بعد تدميره.
 
وبالرغم من هذه التفاصيل التى عرضها «بالاست»، فلم يتم توجيه اتهامات لـ«بوش» أو أعضاء إدارته، لأن الأمر جرى ضمن ما هو متفق عليه من الديمقراطية الأمريكية، وهى نوع من السلطة تفرض إرادتها وتغير إرادات الجمهور طبقًا لتصورات ومصالح الكبار، سواء الشركات الكبرى أو أصحاب النفوذ، ضمن صيغ متفق عليها، تغيب عنها أى ديمقراطية أو عدالة على المستوى الدولى.. يطاح بالدول الصغيرة لصالح الكبار. 
 
وبالتالى فإن التحقيقات بشأن بيع حسابات 50 مليون لصالح الدعاية السياسية لـ«ترامب» هى أيضًا ضمن «النظام» سوف تنتهى، لأن هناك فى الطرف الآخر ملايين أخرى تم دفعها، لشراء أو بيع إرادة ناخبين يشاركون من دون أن يعرفوا أنهم أدوات يمكن تعديل آرائها طبقًا لمصالح مختفية.
 
الأمر نفسه فيما يتعلق بالاتهامات الأمريكية للروس بالتدخل والتأثير على إرادة الناخبين الأمريكيين من خلال عمليات قرصنة وتآمر، وفى الوقت الذى ارتفعت فيه أصوات تشير إلى المؤامرة الروسية للتدخل فى انتخابات الرئاسة الأمريكية، ردت روسيا بنشر تقرير أعده أندريه مانويلو، عضو مجلس الأمن القومى، أن واشنطن اتبعت طرقًا مختلفة للتأثير على نتائج الحملات الرئاسية الروسية منذ  1996 حتى 2012، ونشرت وثيقة تشير إلى أن الولايات المتحدة تملك شبكة واسعة من الجهات الحكومية وغير الحكومية تتعمد التأثير على العمليات السياسية فى البلدان الأخرى . 
 
الواقع أن روسيا تتدخل، وأمريكا وأوروبا والغرب يتدخلون فى الانتخابات، وهناك عشرات الأمثلة لتدخلات أمريكية فى الانتخابات بأوروبا الغربية أثناء الحرب الباردة، فى إيطاليا وألمانيا وبريطانيا، لضمان فوز من يريدونه، وضمان منع خصومهم من اليسار، بل إن الولايات المتحدة كثيرًا ما دعمت أنظمة متسلطة ودموية فى أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا، وأطاحت بأنظمة لا تناسب مصالحها. وكل هذا يتم تسويقه، من خلال شركات ومراكز أبحاث ومنظمات مدنية شكلًا، لكنها تمول من أبواب خلفية للسياسة، ومن هنا فإن اتهامات لـ«ساركوزى»، أو فضيحة «فيس بوك» لصالح «ترامب»، أو تمويلات «هيلارى» تبدو ضمن عملية صنع السياسة المعلنة والمختفية، فى عالم تحكمه مصالح الأقوى.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة