وائل السمرى

إبراهيم الدسوقى.. الوريث الشرعى لمحمود سعيد

الإثنين، 26 مارس 2018 03:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هو فنان «كبير» برغم تمتعه بكامل شبابه وكامل عنفوانه الفنى، لكن قدرته على تبنى المشاريع الحقيقية ومقدرته على تنفيذها بدقة ورهافة، توكدان لك أنك أمام رجل يعرف ما الذى يفعله وكيف يفعل ما يريده.
 
درس الفن وعشقه فى كلية الفنون الجميلة وتخرج منها عام 1992 ومنذ ذلك الحين، وربما من قبل ذلك كان الدسوقى منشغلا باختياراته، منفعلا بألوانه، مقنعا لكل من يطلع على فنه، وفى الحقيقية فإن الدهشة واجبة السيطرة هنا، إذا ما علمت أنه ابن فنان كبير هو الفنان الدسوقى فهمى ووالدته الفنانة التشكيلية عطيات سيد، بما يعنى أنه نشأ فى بيئة فنية متكاملة وزاخرة بكل أدوات الثقافة الفنية وبما يضمن، أيضا، أنه اطلع على كل المدارس الفنية، وكل التيارات الفكرية، لكنه اختار أن يبدأ «تجسيديا» وأن يستمر «تجسيديا» بامتياز، لم تبهره تيارات الحداثة الفنية، ولم يلهث أمام الأفكار الجديدة والموضات الفنية المتقلبة، اختار أن يرقص طليقا بعد أن كبل نفسه بكل شروط الفن الكلاسيكية، والأكثر من هذا أنه فرض على نفسه قيودا إضافية بتنفيذه للعديد من المشاريع التى تتطلب دقة فائقة، فأجاد فيها أيضا، وكأنه يريد أن يثبت للجميع أنه الوريث الشرعى للفنان الرائد محمود سعيد قيمة وقامة.
 
هذا فنان يحركه وعيه، هذا فنان تدعمه موهبته، وتدعمه مقدرته، كل لوحة يرسمها تشعر وكأنها «أيقونة» متكاملة، من اختياراته اللونية تبرز نصاعة موهبته، واضح تمام الوضوح، وعميق غاية العمق، يستفيد من كل مدارس الفن التشكيلى فى لوحاته التى يمكن أن نصنفها باعتبارها «كلاسيكية» لكنه فى الوقت ذاته يستفيد من كل جماليات المدرسة السريالية، فى رسوم نسائه الهائمات فى أحلامهن العميقة، والسابحات فى أشواقهن الدفينة، والموجوعات بالوحدة والفقد والشهوة الكامنة.
 
يستفيد أيضا من كل حمولة الفن التجريدى، فى رسومه للبرارى المفزعة، التى يرسمها تارة بالأبيض والأسود، وتارة بالألوان، وكأنه يريد أن يقول إن التجريد أيضا ليس اختراعا حديثا، وإنما اختراعات كونيا، وأن الإنسان حينما تمرد على فكرة محاكاة الطبيعة فى اختراع مدارس فنية تكسر المألوف، وقع فى محاكاة أخرى، لكنها غير معتادة على عالم الفن التشكيلى، ومن البرارى والصحارى والنباتات البرية، ينتقل الدسوقى إلى رسم مشروع البناء، فيرسم السقالات والأعمدة الأسمنتية، وكأنك أيضا تشاهد لوحة تجريدية حادة، فيستفيد من حمولات اللون كما يستفيد من حمولة المعنى الكامن فى قسوة الأجواء المصاحبة.
 
فى لوحته الأخيرة التى اشترك بها الدسوقى فى أحد معارض «دبى» رسم «إبراهيم الدسوقى» أم كلثوم وسط فرقتها الموسيقية المهيبة، على يسارها محمد القصبجى، وعلى يمينها عازف القانون الكبير «محمد عبده صالح» ثم عازفى الكمان الشهيرين كريم حلمى وأحمد الحفناوى، غير أن تلك اللوحة هنا لا توحى لك بأن الفنان أراد أن يجسد مشهدا عاديا معتادا لسيدة الغناء العربى وفرقتها بما يثير هذا من شجون مدمنى النوستالجيا وعشاق الطرب الأصيل، لكنه أعطى لهم مسحة سرمدية أبدية حزينة وساكنة ربما تناسب ما يحظون به من خلود، أو ربما تصاحب ما يتمتعون به من يقين.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة