أحمد إبراهيم الشريف

مرثية لاعب سيرك.. الحياة فى الخطر

الجمعة، 23 مارس 2018 02:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

يعيش الإنسان حياته كلها فى خطر ، تحدق به الأشياء طوال الوقت تطارده متجهة به ناحية النهاية المحتومة ، لكن ليس هناك أخطر من حياة لاعب سيرك ، كل مساء يكون على موعد مع الموت ، يتواجهان فينتصر أحدهما فى نهاية الليلة ، ويتفقان على موعد فى الغد، على لعبة جديدة ينتصر فيها أحدهما، الحبل المشدود وحده يعرف السر .

أصابنى الحزن بعد خبر وفاة يان أرنود لاعب سيرك دو سوليه الشهير إثر سقوطه من ارتفاع أثناء أحد عروضه فى مدينة فلوريدا الأمريكية، لذا سوف أرثيه بقصيدة أحمد عبد المعطى حجازى " مرثية لاعب سيرك " التى يقول فيها :

فى العالم المملوءِ أخطاءَ / مطالبٌ وحدكَ ألا تخطِئا/ لأن جسمكَ النحيلْ/لو مَرة أسرعَ أو أبطأَ/ هوى، وغطى الأرضَ أشلاءَ/ فى أى ليلةٍ ترى يقبع ذلك الخطأ/ فى هذه الليلة! أو فى غيرها من الليالْ/ حين يغيض فى مصابيح المكان نورها وتنطفئْ/ ويسحب الناس صياحَهم/ على مقدمِك المفروش أضواءَ/ حين تلوح مثلَ فارس يجيل الطرْفَ فى مدينتهْ/ مودعا. يطلب وجد الناسِ، فى صمت نبيلْ/ ثم تسير نحو أوٌلِ الحبال/ مستقيماً مؤمِئا/ وهم يدقون على إيقاع خطوِك الطبولْ/ ويملأون الملعبَ الواسعَ ضوضاءَ/ ثم يقولون: ابتديءْ.

فى أى ليلةٍ ترى يقبع ذلك الخطأ / حين يصير الجسم نهبَ الخوفِ والمغامرة / وتصبح الأقدام والأذرع أحياءَ تمتد وحدها / وتستعيد من قاع المنون نفسَهَا/ كأنَّ حيّاتِ تلوتْ / قططا توحَّشت ، سوداءَ بيضاءَ / تعاركتْ وافترقتْ على محيطِ الدائرة / وأنت تبدى فنَّك المرعبَ آلاءَ وآلاءَ / تستوقف الناسَ أمامَ اللحظة المدمرة / وأنت فى منازل الموت تَلجّ عابثا مجترئا / وأنت تفلت الحبالَ للحيال/ تركتَ ملجأ، وما أدركتَ بعد ملجأَ/ فيجمد الرعب على الوجوه لذة، وإشفاقا وإصغاءَ/ حتى تعود مستقرا هادئا/ ترفع كفيك على رأس الملأ.

 

فى أى ليلة ترى يقبع ذلك الخطأ/ ممددا تحتك فى الظلمةِ/ يجترٌ انتظارَه الثقيلْ/ كأنه الوحش الخرافى الذى ما روضتْ كفّ بشرْ/ فهو جميلْ/ كأنَه الطاووسُ/ جذابٌ كأفعي/ ورشيقٌ كالنِمرْ/ وهو جليلْ/ كالأسد الهادئ/ ساعةَ الخطرْ/ وهو مخاتل، فيبدو نائما/ بينا يعدّ نفسه لوثبة مستعرة/ وهو خفى لا يرى/ لكنه تحتك يعلك الحجرْ/ منتظرا سقطتكَ المنتظرة/ فى لحظةٍ تغفل فيها عن حساب الخطوِ/ أو تفقد فيها حكمةَ المبادرة.

 إذ تعرض الذكرى/ تغطى عريَها المفاجئا/ وحيدة معتذرة/ أو يقف الزهو على رأسكَ طيراً/ شارباً ممتلئا/ منتشيا بالصمتِ، مذهولا عن الأرجوحةِ المنحدرة/ حين تدور الدائرة/ تنبض تحتك الحبال مثلما أنبض رامى وترَه/ تنغرس الصرخة فى الليل/ كما طوح لصّ خنجره/ حين تدور الدائرة/ يرتبك الضوء على الجسمِ المهيضِ المرتطم/ على الذراع المتهدل الكسيرِ والقدم/ وتبتسم/ كأنَّما عرفتَ أشياء/ وصدقتَ النبأْ .










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة