- مؤسس أول قسم للنساء والتوليد فى أفريقيا والشرق الأوسط وصاحب أكبر متحف طبى
- طه حسين أهداه مقدمة كتابه "حياة طبيب" وأم كلثوم غنت فى فرح ابنته واصطحبته فى رحلاتها
اسمه بمثابة ثروة قومية، فهذا الاسم الذى سمى به أعظم أدباء مصر، الحاصل على جائزة نوبل بعد إنقاذه من ولادة متعسرة، وأطلق على جائزة أفضل بحث فى طب النساء بجامعة القاهرة، وكذلك أصبح عنوانًا لأكبر وأقدم متحف للنساء والتوليد فى الشرق الأوسط، وهذا بالإضافة لعدد من الجراحات والكتب ومجموعة مجلدات أطلس عالمية، إنه الدكتور نجيب محفوظ الذى أسس أول قسم وعيادة نساء وتوليد فى مجتمعات لم تكن تعرف غير "الداية".
دخل عالم النساء والتوليد من باب الإنسانية، عندما شارك فى ولادة بدوره كطبيب تخدير ورأى بعينيه حادث هز وجدانه مع خروج جسد الجنين وانفصال رأسه داخل الرحم، وكانت لحظة تحوله من التخدير للنساء والتوليد لكى يدرس هذا التخصص أكثر ويساعد فى نجاة عدد أكبر من الأجنة ويحصد فرحة الأمهات، وبدأت الرحلة الحقيقية مع الإنجازات من هذه النقطة، التى يحدثنا عنها "الدكتور نجيب محفوظ أبادير الحفيد" فى محطات وأسرار يكشفها لأول مرة ما بين الجانب المهنى الذى يعرف عنه الكثيرون والجانب الإنسانى الخفى الذى خلق أسطورة هذا الطبيب المصرى.
وإلى نص الحوار:
حوار نجيب أبادير مع محررة اليوم السابع
كيف أثر الدكتور نجيب محفوظ الجد فى "الحفيد"؟
سمونى نجيب محفوظ على اسمه، وهذا أكثر ما جعلنى أشعر أننى امتداد له، ولعل إعجابى به هو ما دفعنى للالتحاق بكلية الطب، كانت نشأتى فى بيت العائلة فأمضيت أول 7 سنوات من عمرى معه، ولأننى كنت ابن ابنته الصغرى فتعرفت عليه فى فترة السبعينيات من عمره، وعندما توفى كان لدى 17 سنة مكنتنى من التعرف عليه عن قرب.
وما هو أكثر ما تتذكره عنه؟
أتذكر جيدًا عندما كان يجلس معنا ويقرأ لنا من كتاب "كليلة ودمنة"، فقد كان محبًا للأدب ويحاول غرسه فينا منذ الصغر، ولعل أكثر ما تعلمت منه هو الابتسام فكانت طبيعته مرحة وهادئة، وكان يجمعنى مع باقى الأحفاد ويحنو علينا كثيرًا، خاصة أنه توقف عن العمل عندما بلغ الـ80 من عمره وأصبح يجلس معنا كثيرًا فى منزله، بعد أن كان يقضى معظم وقته فى المستشفى أو المتحف لتدريب الطلاب وجمع العينات.
د نجيب أبادير
وماذا عن ولادة الأديب نجيب محفوظ؟
جدى كان يحفظ تفاصيل عمله عن أهل بيته، وأول مرة عرفنا فيها عن ولادة نجيب محفوظ الأديب كانت من الأديب نجيب محفوظ نفسه، الذى تحدث عنها فى برنامج إذاعى فى ذلك الوقت مؤكدًا امتنانه لمن سمى على اسمه، بسبب ولادته المتعسرة التى كانت من الممكن ألا تجرى بنجاح ولا يخرج للنور.
لكن كيف أخفى سرًا مثل هذا؟
كان يرى أنها من أخلاقيات المهنة وأسرار المريضة، وليس من حقه التحدث عن ذلك إلا عندما توجهت له الأسئلة مع كشف الأديب لهذه الحقيقة.
د نجيب محفوظ مع زوجته وابنه سامى
وكيف كانت تفاصيل الولادة حسب ما قال عند سؤاله؟
عندما تحدث عن ذلك كان فخورًا بأنه ساهم فى ولادة الأديب نجيب محفوظ، مؤكدًا أن أسعد لحظة لديه هى الخاصة بولادة عضو جديد فى الأسرة، وكانت ولادة هذا الطفل فى نهاية عام 1911، وهو نفس العام الذى تزوج فيه وكان يعتبره "فاتحة خير"، لأنه كان يحب زوجته كثيرًا، وعندما تم استدعاؤه كانت والدة الأديب نجيب محفوظ تواجه ولادة متعسرة وفى ذلك الوقت فكانت القابلات هن من يقمن بالولادات، ولكن مع مخاوف فقدان الجنين ذهب بنفسه لمنزل عبد العزيز إبراهيم والد نجيب محفوظ بحى الجمالية بالقرب من شارع المعز، وكانت توقيت الولادة فى منتصف الليل، وبعد وقت طويل من المحاولات تمت الولادة بسلام، وعند هذه اللحظة اتفق أهل الطفل على تسمية المولود باسمه لفرحتهم بهذا الحدث ليصبح نجيب محفوظ عبد العزيز.
وهل كان اسم جدك مركب؟
لا.. كان اسم جدى نجيب ميخائيل محفوظ ولم يكن اسمًا مركبًا.
ماذا كان رد فعله وهو الطبيب المسيحى الذى سمى على اسمه طفل مسلم!
ربما يبدو ذلك غريبًا هذه الأيام، ولكن مصر فى النصف الأول من القرن السابق لم تكن مثل هذه الأيام، فلم يكن هناك مسلم أو مسيحى أو يهودى بل كان هناك كيان واحد وهو "مصرى"، ولعل ما حدث من تسمية نجيب محفوظ على اسم طبيب مسيحى كان دليلاً قويًا على ذلك.
د نجيب محفوظ مع العاملين بمستشفى قصر العينى عام 1943
وهل كان هناك أى اتصال بين نجيب محفوظ الطبيب والأديب؟
لا.. لم يكن غير ذكره للحادثة فقط، ولكن جدى كان له علاقة وطيدة بطه حسين، فكما ذكرت من قبل أنه كان محبا للأدب والأدباء، وقد أهداه طه حسين مقدمة كتابه "حياة طبيب" الذى جمع فيه مواقف كثيرة تعرض لها طوال حياته الطبية، وكان لجدى صلات أخرى مع فنانين هذا العصر أيضًا، فقد كانت تربطه بأم كلثوم علاقة جيدة وكان يسافر معها فى رحلاتها أحيانًا كما أنها أقبلت على الغناء فى فرح والدتى شهيرة على الرغم من أنها كانت لا تفضل الغناء فى الأفراح.
علاقات الدكتور نجيب محفوظ تعدت مجال الفن والأدب لتصل للبلاط الملكى.. فكيف كانت صلته بالملوك والأمراء؟
كان طبيب النساء والتوليد للقصر الملكى فهو من ساهم فى ولادة بعض أبناء الملك فؤاد والملك فاروق، فقد تعامل مع تفاصيل الحمل الخاصة بكل من الملكة نازلى والملكة فريدة وتابع معهما حتى الإشراف على فريق طبى لولادتهما بشكل صحى بعيدًا عن أى مشاكل أو مضاعفات.
ومنحه الملك فؤاد لقب البكاوية وحصل على الباشوية خلال حكم الملك فاروق بسبب تاريخه الطبي واكتشافاته.
د نجيب محفوظ مع مصطفى النحاس رئيس وزاء مصر وجورج الثانى ملك اليونان 1942
ومع ذلك علاقته بالحكم استمرت حتى بعد انتهاء الملكية
لأن جدى كان يربطه بأصحاب الحكم عمله فقط وليس اتجاهات سياسية، لذلك استمرت علاقته فيما بعد مع الرؤساء بدءا من الرئيس محمد نجيب عند افتتاح المستشفى القبطى حيث كان جدى أحد مؤسسيها، إلى الرئيس جمال عبد الناصر حيث أشرف على ولادة بناته، ومنحه وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى بالإضافة إلى جائزة الدولة التقديرية في العلوم.
وسام الاستحقاق
وما أساس مقولته أنه ساهم فى ولادة 25 ألف طفل؟
ذلك يعود لولاداته الكثيرة وتعليم القابلات فن الولادة بشكل صحيح فذلك ساهم أيضًا فى إنجاب أطفال أصحاء خاصة أن "الدايات" كن يجرين الولادة بالملايات والماء وكانت حرفة تورث من "داية" لأخرى أكثر منها عملية على أساس علمى.
بجانب الإنجازات العملية ماذا عن جهود الدكتور نجيب محفوظ العلمية؟
جهوده العلمية كثيرة فهو من أسس أول قسم للنساء والتوليد من نوعه فى أفريقيا والشرق الأوسط، وكان لديه عملية اشتهر بها وهى الناسور المهبلى الذى كان ينتج من الولادة الطبيعية، حيث كانت تضغط على الأغشية الفاصلة بين المهبل والشرج، ونتيجة لذلك كانت الأنسجة تموت، وتنتج قناة بين الاثنين، فكان له طريقته فى التعامل مع الناسور المهبلى وكانت من العمليات اللى استحدثها وسميت باسمه عمليتين من عمليات علاج النواسير في النساء.
وأنشأ متحف نجيب محفوظ فى العشرينيات من القرن الماضى، وضم فيه كل خبراته مع العمليات التى أجراها، وذلك فى عينات ليدرس عليها طلاب الطب.
د نجيب محفوظ يستلم وسام الاستحقاق من الرئيس جمال عبد الناصر
كيف تكون هذه العينات الطبية؟
العينات الطبية عبارة عن حالات مرضية للأجنة كانت بها تشوهات وغيرها من المشكلات، أو حالات مرضية للرحم محفوظة بمادة الفورمالين، وكذلك يوجد كتب ومجلدات أطلس وعينات مقتنيات للطبيب.
أجريت حاليًا أعمال تطوير وإعادة افتتاح لهذا المتحف.. فمن كان صاحب الفكرة؟
المتحف كان فى قصر العيني القديم وبعدها تم نقل أجزاؤه إلى غرفة فى مستشفى النساء والتوليد، وعندما تولى الدكتور محمد ممتاز رئاسة القسم تحدث معى من 6 أشهر حول إعادة افتتاحه بشكل يليق به خاصة أنه يجب أن يليق بالعينات التى بداخله فوافقت وليس أنا وحدى من تحمست بل جميع أفراد العائلة وساهمنا بالجزء المادى للمتحف.
متحف نجيب محفوظ
وهل قدم قصر العينى أى تسهيلات؟
نعم، فهى من قامت بكل الخطوات على أرض الواقع وهى أيضًا صاحبة الفكرة وإن تكفلنا بالمصروفات، ويكفى أن الدكتور فتحى خضير عميد الكلية والدكتور خالد مكين وكيل الكلية استقبلونا ورحبوا جدًا بالفكرة، وكانا باحثان فى الطب بشكل جيد، وكذلك أشرف على عمليات التطوير كل من الدكتور أحمد محمود مدير مستشفى النساء والتوليد، والدكتور أحمد المناوى أستاذ النساء والتوليد حيث تولى كل ما يخص المتحف، والدكتور مصطفى الصادق كان لديه مجلدات وصور لأنه يهوى التاريخ الطبى، ولا أنسى مصمم الفكرة الدكتور كريم الشابورى الذى ساهم من قبل فى متحف جمال عبد الناصر والمتحف القبطى، وكذلك دعمتنا الإدارة الهندسية، فاعتمدت المنظومة على روح جميلة من أجل الوصول لهذا المشروع.
وكم من الوقت تحولت خلالها فكرة إعادة الافتتاح لحقيقة؟
بدأنا فى تنفيذ الفكرة منذ 6 أسابيع فقط حيث تم تجديد المتحف بالكامل من نهاية يناير إلى يوم 20 مارس.
أطباء قسم النساء والتوليد برئاسة د نجيب محفوظ
وكيف ستتابع العائلة أعمال المتحف؟
سننظم لجنة لمتحف دكتور نجيب محفوظ تكون مسئولة عن تحديثه وترميمه بشكل مستمر ومسئولة عن جانب الإعلام الرقمى لسيرة وإنجازات الطبيب حتى يكون علمه متاحا ومقتنياته للجميع ليكون نواة لما بعد وأداة للبحث والتطوير، وسننشأ موقعا إلكترونيا كاملا لكل ما يخص الدكتور نجيب محفوظ وما أنتجه حتى يكون متوفرا للجميع.
هل سيشمل الموقع الإلكترونى على أبحاث الدكتور نجيب محفوظ؟
بالطبع سننشر كل ما قدمه للعلم من أبحاث ومؤلفات منها مبادئ أمراض النساء وفن الولادة، والثقافة الطبية، والطب النسوي عند العرب، وتاريخ التعليم الطبي في مصر، والموسوعة العلمية في أمراض النساء والولادة، وكذلك كتاب حياة طبيب، وغيرها من مجلدات الأطلس العالمية.
د نجيب محفوظ فى كل مراحل عمره
سيرة الدكتور نجيب محفوظ مليئة بالانجازات، فكيف كانت أصعب أوقاته وكيف انتصر عليها؟
لكل إنسان مهما كان نجاحه كبوات فى حياته ولحظات صعبة بالتأكيد، وربما جانب الإنجازات ما هو إلا نتاج للصبر والإرادة، فكانت أصعب الأوقات فى حياة الدكتور نجيب محفوظ هى وفاة ابنه الوحيد سامى بعد سن الـ17 سنة، وذلك فى حادث طريق، فقد أنجب 5 أبناء منهم 4 فتيات وولد واحد لم يتبق له، ولكنه مع ذلك تمكن من تخطى الأمر بالصبر والاستمرار فى العمل.
فلم يكن هذا هو التحدى الوحيد فى حياته وإن كان الأصعب، فقد واجه فى شبابه موقفا صعبا أيضا كاد أن يودى بحياته عندما سافر طواعية إلى أسيوط حيث قرية موشا التى انتشر بها مرض الكوليرا وفتك بالكثيرين وانسحب منها الأطباء خوفا من تلقى نفس مصير الأهالى، ولكنه ظل إلى أن اكتشف مكان انتشار الوباء بعد إحصاء الأماكن الأكثر إصابة والتوصل لحقيقة أن بهذا المكان بئر ملوث ينشر المرض بين أفراد القرية.
الرئيس محمد نجيب فى زيارته للمستشفى القبطى برفقة د نجيب محفوظ
الطبيب نجيب محفوظ مع طلابه بقصر العينى
د نجيب محفوظ فى شبابه
د نجيب محفوظ مع السير سيسيل ويكلى رئيس الكلية الملكية للجراحين بلندن
د نجيب محفوظ مع الملف سعود بن عبد العزيز
د نجيب محفوظ مع الدكتور على باشا ابراهيم
د نجيب باشا محفوظ
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة