سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 20 مارس 1932.. قوات الهجانة فى شوارع وطرقات «البدارى» والقبض على شباب البلدة فى حادث قتل «المأمور»

الثلاثاء، 20 مارس 2018 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 20 مارس 1932.. قوات الهجانة فى شوارع وطرقات «البدارى» والقبض على شباب البلدة فى حادث قتل «المأمور» عبد العزيز فهمى باشا

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بعد ساعات من نقل جثة مأمور البدارى بأسيوط البكباشى يوسف الشافعى الذى سقط قتيلا مساء 19 مارس 1932 «راجع: ذات يوم 19 مارس 2018»، بدأت حملة القبض على عدد من شبان «البدارى»، واستمرت الحملة يوم 20 مارس «مثل هذا اليوم 1932»، ونزلت قوات من الهجانة إلى البلدة، وانتشرت فى الشوارع والطرقات يزيحون من يعترض سبيلهم، حسبما يؤكد صبرى أبو المجد فى الجزء الأول من كتابه، ما قبل الثورة عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب-القاهرة»، ووفقا لصلاح عيسى فى كتابه «حكايات من دفتر الوطن عن الهيئة المصرية العامة للكتاب-القاهرة»: «كان على رأس المقبوض عليهم الـ36 المقيدين فى قائمة المشبوهين، وبينهم «أحمد جعيدى» و «حسونة»، كما تم استدعاء بعض الأعيان».
 
ويؤكد عيسى، أن تحقيقات النيابة بدأت هادئة، وأنكر الجميع علاقتهم بالحادث، وحددوا أماكن وجودهم ساعة وقوعه، وقالوا: «المرحوم كان ماهرا فى اكتساب العداوات، ولابد أن أحد «أولاد الحرام» من غير أهل البدارى هو الذى أطلق الرصاص انتقاما منه، ولم يجد المحقق مبررا قانونيا لاحتجازهم، فأطلق سراحهم، وأوشك أن يغلق الملف».
 
وصلت أنباء إغلاق ملف التحقيقات إلى القاهرة، وحسب«عيسى»: «ثار رئيس الوزراء ووزير الداخلية إسماعيل صدقى، وأصدر تعليماته إلى حكمدار أسيوط بأن يتولى بنفسه العثور على القاتل والإشراف على جمع الأدلة ضده، وأصدر على ماهر باشا تعليماته إلى رئيس نيابة أسيوط بالإشراف على التحقيق.. كان ذلك يعنى أنه لابد من الوصول إلى القاتل بأى طريقة، فأطلق «الحكمدار» العنان لنفسه فى استخدام كل الوسائل لتحقيق هدفه، ووزع قوات الهجانة الذين ينتمون إلى جنوب السودان فى البلدة، تحاصرها، وتنفذ قرار حظر التجوال بالسياط، وتحقق على الطريقة الصدقية «إسماعيل صدقى» وهى، الضرب بالسياط، ومقابض البنادق، وشرب بول الخيل وأكل التبن».
 
يضيف عيسى: «وجه العمدة همام شبهات الحكمدار حول «أحمد جعيدى» و «حسون»، فحاصرت قوات الهجانة منزلهما، وأعادت إلقاء القبض عليهما، وعلى بقية المشبوهين، وربطتهم بالحبال على ذيول الخيل فسحبتهم إلى أرض الشوارع الواقعة بين منازلهم ومبنى المركز، وهم يضربون بالسياط لإحاطة أهل «البدارى» علما بالطريقة التى سيجرى بها التحقيق القانونى».
 
أصر «جعيدى» و «حسونة» على أنهما لا يعرفان شيئا، فحاصرت الهجانة بيت «آل جعيدى»، ويذكر عيسى: «ألقت القبض على كل من يعيش بين جدرانه: «الجد-الذى كان عمره أيامها قد ناهز المائة عام-والأب والأم وشقيقة أحمد الصغرى، والأعمام والعمات، وساقوا الجميع فى موكب علنى، شق شوارع المدينة الصغيرة من بيتهم إلى مركز الشرطة، ليجدوا «آل عاشور» قد سبقوهم إلى المركز فى موكب مشابه، بينما كان المنادى يصاحب الموكب ليعلن فى الشوارع، أن نساء «آل عبد الحق» و «عاشور» سيخرجن من مركز الشرطة عاريات، ملطخات الوجوه، مربوطات بالحبال إلى ذيول الخيول كالسبايا».
 
استدعى الحكمدار المتهمين، وطبقا لعيسى: «طالبهما لآخر مرة بأن يعترفا بما ارتكبا، ولما أصر على الانكار، أمر بعض الجنود فبدأوا فى طلاء وجوه النساء باللون الأبيض، وأمر آخرين بنزع ملابسهن، وقبل أن تنزع الأيادى ملابس الأمهات والشقيقات، صرخ  أحمد  معلنا أنه سيتكلم، بشرط أن تغادر النساء مبنى المركز، ويسمح لهن بمغادرة المدينة كلها»، يضيف عيسى: «وافق الحكمدار، واعترف «جعيدى» بأنه الذى أطلق النار على المأمور، وقال، إنه لم يقصد قتله، ولكنه أراد فقط تخويفه ليكف عن تعذيب أهالى المدينة وإهانة كرامتهم.. هدأ الموقف، وخف توتر الحكمدار، فخفف من الإجراءات الصارمة على «البدارى»، وفور اطمئنان «جعيدى» لانصراف النساء حتى عدل عن اعترافاته وقال للمحقق: «لقد عذبتمونى، وكنت مستعدا أن اعترف بأننى الذى ارتكبت جرائم القتل فى مصر كلها لتتوقفوا عن تعذيبى، وفى هذه المرة انهال الجميع على «جعيدى».
 
كان التعذيب هذه المرة أكثر وحشية، ويصفه عيسى: «يركلونه بالأقدام، ويضربونه بالسياط ويحشون فمه بالتبن، ويدفعون رأسه فى آنية مليئة ببول الخيل، ويضعوا العصى فى دبره، ويجبرونه أن يصيح: أنا مرة، وهو يواصل إنكاره للاعتراف، وحسونة يسانده فى الإنكار، واشتد التعذيب بعد أن تقدم أحد الأعيان، بإحدى البندقيتين اللتين ارتكبا بهما الحادث، وذكر أن خادمة لديه شاهدت «جعيدى» وهو يخفيها فى أحد أكوام القش ليلة الحادث، وهكذا انتهى التحقيق، واعترف القاتلان، وضبطت أداة الجريمة، ونقل المتهمين إلى سجن أسيوط».
 
فى 10 أبريل 1932 أحيل المتهمين إلى محكمة جنايات أسيوط، وفى 21 يونيو 1932 قضت المحكمة بإعدام  «أحمد جعيدى»، وبمعاقبة حسن أحمد عاشور، بالأشغال الشاقة المؤبدة، وفى 5 ديسمبر وحسب عيسى، رفضت محكمة النقض برئاسة عبدالعزيز فهمى باشا الطعن فى الحكم «على مضض»، لكنها عبرت عن دهشتها لأن «جنايات أسيوط» اعتبرت أن كل ما يفعله المأمور القتيل بالمتهمين هو من قبيل أداء الواجب، وتستند إلى هذا فى تشديد العقوبة عليهما، وكان ذلك استئنافا لجولة سياسية وقضائية استمرت فيما بعد، وانتهت بتخفيف الحكم على «جعيدى» إلى الأشغال الشاقة المؤبدة، قضى منها 18 عاما فى ليمان أبو زعبل، وغادره عام 1950.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة