تثير الأزمة الحالية بين بريطانيا وروسيا جراء محاولة اغتيال ضابط مخابرات روسى منشق تداعيات سياسية بقدر ما تلفت لما يعرف "بأدب الجاسوسية" والذى قد يجرى توظيفه سياسيا فى الغرب على وجه الخصوص لخلق صور وانطباعات معينة وخدمة مصالح اطراف بعينها.
وباتت الصحافة ووسائل الإعلام عبر العالم تردد مصطلح "حرب الجواسيس" على إيقاع الأزمة المتصاعدة بين بريطانيا وروسيا جراء الاتهام البريطانى لموسكو بالتورط فى محاولة اغتيال "الجاسوس الروسى المنشق سيرجى سكريبل وابنته يوليا بغاز الأعصاب القاتل" فى مدينة "ساليزبيرى" ببريطانيا.
وكان سيرجى سكريبل البالغ من العمر 66 عاما قد وصل الى بريطانيا عام 2010 فى سياق "عملية تبادل جواسيس كانت الولايات المتحدة طرفا فيها" بعد أن أدين وسجن فى روسيا عام 2006 لقيامه بتسريب معلومات لجهاز الاستخبارات الخارجية البريطانية المعروف بالاختصار "ام اى 6".
وبقدر ما أفضت هذه الأزمة التى اندلعت بين بريطانيا وروسيا وانخرطت فيها واشنطن ودول الاتحاد الأوروبى وحلف شمال الأطلنطى مصطفة إلى جانب لندن لتحليلات وتعليقات ذات طابع سياسى، فإنها تثير الخيال العام بشأن ما يعرف بحرب الجواسيس وقد تحفز الكتاب المتخصصون فيما يعرف "بأدب الجاسوسية" لكتابة أعمال جديدة سرعان ما تتلقفها السينما لتعرض كأفلام على الشاشة الكبيرة.
ومع أن العديد من المعلقين حتى داخل بريطانيا أشاروا لعدم توافر "أدلة دامغة تعزز الاتهام البريطانى لروسيا بالتورط فى محاولة اغتيال الجاسوس سيرجى سكريبل وابنته البالغة من العمر 33 عاما" فإن كتاب الجاسوسية فى الغرب يخدمون مواقف دولهم والرؤى الغربية حيال الصراعات فى العالم وإن قاموا بذلك بصورة تتميز غالبا بالقوالب الأدبية المشوقة والمبهرة أحيانا.
ومن الدال أن "صفقة تبادل الجواسيس" التى أفرج بمقتضاها عن سيرجى سكريبل تضمنت إطلاق سراح جاسوسة روسية تدعى آنا تشابمان كانت قد اعتقلت فى الولايات المتحدة ووصفتها وسائل الإعلام "بالجاسوسة الأكثر سحرا".
كما أن من الدال فى هذا السياق أن رواية "العصفور الأحمر" التى تحتل فى الأسابيع الأخيرة مكانة متقدمة بقوائم أعلى مبيعات الكتب فى الولايات المتحدة والغرب هى رواية تدخل فى "أدب الجاسوسية" وبقلم الكاتب وضابط المخابرات الأمريكية السابق جاسون ماثيوس.
وهذه الرواية التى كتبها هذا الضابط الكبير السابق فى قسم العمليات السرية بوكالة المخابرات الأمريكية تتناول أجواء الحرب السرية بين الأمريكيين والروس وتتمحور حول جاسوسة روسية تجيد فنون الإغراء والغواية، فيما تحولت لفيلم سينمائى أنتجته هوليوود بالعنوان ذاته ومنحت بطولته للنجمة جينيفر لورانس ليعرض حاليا فى دور السينما بشتى أنحاء العالم.
وإذا كان ضابط المخابرات الأمريكية السابق جاسون ماثيوس قد أمسى من أهم كتاب "أدب الجاسوسية" فى الغرب فإن النقاد يؤكدون وجود فارق أساسى بين الروائى وبين رجل المخابرات.
فالروائى يتابع على الورق انفعالات وعواطف وأعمال أشخاص وهميين ومن صنع الخيال أحيانا أما رجل المخابرات الذى يبنى شبكة الجاسوسية، فإنه يتعامل دوما مع أشخاص حقيقيين ويوجه أحاسيسهم وأعمالهم.
فإذا جعل الروائى أبطال قصته يسلكون سلوكا يتنافى مع العقل والحكمة أى سلوك مخالف لكيانهم السيكولوجى فإن الناقد الأدبى سرعان ما يضع أصبعه على هذا العيب ويهاجم الروائى الذى خلق موقفا لا يمكن تصديقه أما رجل المخابرات الذى يبنى شبكة التجسس، فإنه إذا وضع خطة ما وأدخل فيها ارتباطات متناقضة غير منطقية ولايمكن تصديقها فإن خطته ستنتهى بالفشل وسوف يجد أبطاله الأحياء أنفسهم وراء القضبان كما حدث مع سيرجى سكريبل عندما سجن فى روسيا قبل أن يطلق سراحه فى "صفقة تبادل الجواسيس".
ولئن تحولت رواية "العصفور الأحمر" إلى فيلم ينتصر للولايات المتحدة والغرب عموما فى مواجهة روسيا، فلن يكون من المثير للدهشة أن تتحول الأزمة الحالية بشأن ضابط المخابرات الروسى الذى خان بلاده وقدم معلومات سرية للبريطانيين إلى رواية وفيلم سينمائى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة