محمود عبدالراضى

أمى ثم أمى ولآخر لحظة فى عمرى

الجمعة، 16 مارس 2018 11:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ما أصعب أن تكتب عن "الأم"، فأنت تكتب عن نفسك، تتحدث عن روحك، تصف ذاتك، تحكى عن كل شىء بالنسبة لك ، لا أعتقد أن مفردات اللغة كافية للحديث عنها، فهى مصدر السعادة والخير والبركة.
 
أمهاتنا عظيمات فى قلوبنا، وعظمتهن لم تأت من فراغ ، فقد أثبتت التجارب الحياتية ، أنها الملاذ الآمن فى وقت الأزمات ، والسعادة الحقيقة فى وقت الفرح ، هى فقط من تريد وتتمنى أن تراك أفضل الجميع ، هى فقط دون غيرها مازالت تراك صغيراً فى عيونها ، ترعاك وتسأل وتلح فى السؤال ، لا يهدأ لها بالاً حتى يطمئن قلبها عليك ، فمهما كبرت وأصبحت أب ، فأنت بالنسبة لها مازالت نفس الطفل ، الذى يلقى منها كل رعاية.
 
"الأم " تحب جميع أولادها على حداً سواء ، لكن هناك ثلاثة حالات تجعل بعض الأبناء الأكثر حباً والأقرب لقلوب أمهاتهم، الطفل حتى يكبر والمريض حتى يمثل للشفاء ، والغائب حتى يعود ، وقد كنت الأخير.
 
بحصولى على الشهادة الثانوية ، واستلامى خطاب من الجامعة يفيد ترشيحى لكلية التربية بالقاهرة، بدأت أُحزم أمتعتى فى منزلنا بالقرية الجميلة "شطورة" شمال سوهاج، وعندها بدأ قلب الأم يتحرك، فلم أنسى جملتها التى تأخرت عن دموعها قليلاً، عندما قالت لي: "خايفة الغربة تسرقك يا ابنى".
 
نعم يا أمى.. سرقتنى الغربة ، فلم أعد من وقتها لقريتى، فقد أنهيت دراستى وعملت فى الصحافة، وتزوجت وأنجبت ، وعشت فى القاهرة كرهاً عنى ، عشت هنا سنوات طويلة وسط قسوة القاهرة ومرارة الغربة ، يومنا ينتهى كما يبدأ لا جديد ، هنا الحياة سريعة تصيب بالملل والتوتر، وتزيد من أوجاعنا، تجعلنا نخلد بالذاكرة لسنوات مضت ، عشنا خلالها أجمل أيام حياتنا فى الصعيد ، حيث الوجوه الطيبة المتسامحة، وجمال الطبيعة ، و"لمة الحبايب ".
 
سرقتنى يا أمى الغربة، ومازالت تسرق.. اعترف بأننى مقصر فى حقك، فلا الاتصالات كفاية، ولا الرسائل مُجدية ، أعلم أنه لا يهدأ لك بالاً حتى تطمئنى على الابن الغائب ، تسألنى عنى زوجتى متخوفة أن تزعجنى فى عملى، أعلم ان اتصالاتك لا تنقطع ، وأعرف أنك مازلتى ترددى عبارتك عند كل زيارة لك : اتاخرت المرة دى" ، فلتسامحينى .                   
 






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة