لم يكن المتهمون الثلاثة فى القضية الذين حصلوا على البراءة أشخاص عاديون، فأولهم هو مصطفى النحاس زعيم حزب الوفد ورئيس الوزراء، والثانى هو «ويصا واصف» من قيادات حزب الوفد ورئيس مجلس النواب، والثالث هو «جعفر بك فخرى» النائب الوفدى.
كانت القضية تتعلق بالبرنس «أحمد سيف الدين» المولود عام 1878، وهو حفيد إبراهيم باشا ابن «محمد على باشا» الذى «قضى أكثر من ربع قرن فى مستشفى للأمراض العقلية بقرية «تايسيهرست» الإنجليزية، بدأت عام 1900 بقرار من «مجلس حسبى مصر» يقضى بالحجر عليه، ومنعه من التصرف فى أمواله وممتلكاته، حسب تأكيد صلاح عيسى فى كتابه «حكايات من دفتر الوطن» عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة».
جاء قرار الحجر بعد تنفيذ «سيف الدين» عقوبة السجن فى اتهامه بمحاولة قتل البرنس أحمد فؤاد الملك فيما بعد «يوم 7 مايو 1898»، نتيجة خلافات حادة بين شقيقته الأميرة شويكار مع زوجها «فؤاد»، وحسب أحمد شفيق باشا، رئيس ديوان الخديو عباس حلمى الثانى فى مذكراته، عن الهيئة العامة لقصور الثقافة - القاهرة، فإن شويكار كتبت لأخيها قبل أيام من محاولة القتل: «خلصنى من قسوة هذا الرجل المتسلط علىّ»، وينقل «شفيق» قول «سيف الدين»، أن شقيقته كانت تشكو من طمع زوجها «فؤاد» فى مالها، ووقع الطلاق بين الاثنين يوم 21 مايو 1898، وقضت المحكمة بمعاقبة «سيف الدين» بالسجن سبع سنوات، خففت إلى خمس، ورفضت دعوى الحجر عليه.
يؤكد عيسى أنه فى سنة 1900 بذلت مساعى حميدة، للإفراج عن «سيف الدين»، فتحركت دعوى الحجر من جديد، وقيل صراحة أن الخديو «عباس الثانى» يستصوب ذلك، وأنه اختار بنفسه وصيا على الأمير المحجور عليه، وكان لابد من إثبات جنونه أولا، فاتفقت السلطات على إبعاده إلى قرية «تايسهرست» بإنجلترا لتكون مقرا لإقامته تحت ستار المعالجة، ويضيف عيسى: «ظل الأمير فى المستشفى ربع قرن كامل، تدهورت أحواله خلالها»، و«القيم» على ثورته لا ينفق عليها، رغم أن دائرته دجاجة تبيض ذهبا للقيم، وللجالس على العرش، وكان الخديو يختار القيم على الأمير من أصدقائه، وبعد سنوات يعزله، بعد أن يتضح أنه سلب الدائرة، وبنى القصور واشترى العزب والأطيان من قوامته على الأمير المتهم بالجنون، وأصبحت «الدائرة» من المراكز المؤثرة فى السياسة المصرية».
يؤكد «عيسى» أن هذا الأمر استفز شقيقته «شويكار»، فرفعت قضية عام 1920 ضد «القيم» ولم تسفر على شىء، فلجأت إلى مغامرة تهريبه من المستشفى إلى الأستانة، ورفعت وأمها الأميرة «نوجوان هانم» «دعوى أمام» مجلس البلاط كمؤسسة تنظر فى خلافات الأسرة المالكة، وتم توكيل ثلاثة محامين هم، مصطفى النحاس، ويصا واصف، وجعفر فخرى، مقابل 117 ألف جنيه، أتعاب فى حالة الحصول على قرار رفع الحجر، وعشرة آلاف جنيه فى حالة تقدير نفقة تصل إلى 22 ألف جنيه، وبدأت أولى الجولات أمام مجلس البلاط يوم 30 مارس 1927.
فى 22 سبتمبر 1927 انتخب الوفد مصطفى النحاس رئيسا للوفد خلفا لسعد زغلول، وفى17 مارس 1928 شكل وزارته الأولى، وفى يوم 22 يونيو 1928 خرجت الصحف التى تصدر فى المساء، وفى اليوم التالى ظهرت صحف «الاتحاد» و«الأخبار» و«السياسة» بمانشيتات عريضة هى «فضائح برلمانية خطيرة.. رئيس الوزراء» «النحاس» ورئيس مجلس النواب «ويصا واصف» يستخدمان السلطتين التنفيذية والتشريعية لمصالحهما الذاتية، وتحت هذه المانشيتات نشرت صورة لعقد أتعاب المحامين بعد سرقته من منزل «جعفر فخرى بك» بالإسكندرية قبل ثلاثة أشهر ونصف.
يؤكد عيسى، أن النحاس تقدم ببلاغ يتهم هذه الصحف بقذفه لأنها وصفته هو وزميليه بالمجرمين بالفطرة والنذالة، ورغم ذلك حفظت التحقيق، وأحالت المحامين الثلاثة إلى مجلس تأديب المحامين، لارتكابهم عشرة اتهامات، من بينها، المبالغة فى الأتعاب، وعدم قطع «النحاس» صلته بالقضية بعد رئاسته للحكومة، ومواصلة ويصا، مرافعته فيها وحدها رغم تركه الأشتغال بالمحاماة بعد انتخابه رئيسا للنواب.
وأمام مجلس تأديب المحامين وفقا لعيسى دارت «واحدة من أكثر المعارك القانونية ضراوة»، فند فيها خمسة من ألمع المحامين هم «نجيب الغرابلى» و«محمود بسيونى» و«كامل صدقى» و«حسين صبرى» و«مكرم عبيد» كل الاتهامات، ويؤكد «صبرى أبوالمجد» فى كتابه «سنوات ما قبل الثورة 1930-1952»، أن دفاع مكرم عبيد كان فى 156 صفحة بالغة الروعة، وجاء فيها: «ليس للسياسة ضمير فى أى بلد من بلاد الله، أما فى مصر فليس للسياسة عقل أيضا»، وأنهى مرافعته قائلا: «اجتمعت فى هذه القضية كل عناصر الظلام بل وعناصر الإجرام، فمن سرقة إلى تزوير إلى شهادة الزور إلى شراء الذمم، إلى الدس والتلفيق وكنا فى كل ذلك مجنيا علينا لا جناة، فقولوا كلمتكم حاسمة فاصلة فإن شعاعا واحدا من نوركم يكفى لتبديد كثيف الظلام وكلمة واحدة من عدالتكم أنفذ إلى الباطل من حد السهام»، ويؤكد «أبوالمجد»: «فى7 فبراير» مثل هذا اليوم «1929 قضى مجلس التأديب بأن التهم التى أسندت إلى، النحاس، ويصا، فخرى، خالية من كل أساس».