محمد شومان

الإعلام والتنمية فى عصر العولمة

السبت، 03 فبراير 2018 03:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لسنوات طويلة حفلت أدبيات الإعلام والتنمية بنظريات ومفاهيم عديدة حول أهمية دور الإعلام فى تحفيز ورعاية جهود التنمية، ونشر الوعى التنموى بين المواطنين، بل وتطرقت بعض أدبيات الإعلام التنموى إلى قضايا تنمية وسائل الإعلام ذاتها كشرط موضوعى لتحقيق التنمية.
 
لكن زلزال العولمة، واتفاقية الجات، وهيمنة الرأسمالية على العالم بعد اختفاء النماذج الاشتراكية فى التنمية.. كل ذلك أدى إلى أزمة شديدة لكل النظريات والمقولات التقليدية الخاصة بالتنمية، إضافة إلى الشك والغموض فى قدرات الدولة على الاعتماد على الذات، والسيطرة على أسواقها الداخلية، وعلى فيض الإعلام والمعلومات والاتصالات العابرة للحدود القومية، والتى تؤثر فى مواطنيها وتدفعهم أحياناً إلى الانبهار بالعولمة وقيم وسلوكيات الاستهلاك الترفى.
 
من هنا طفت على السطح فى بحوث الإعلام الحاجة إلى إعادة تعريف الإعلام نفسه كعلم، أو كمجال يرتبط بحقل معرفى يجمع بين المعلومات والاتصالات والمواد والرموز الإعلامية، لاسيما وأن هذا الحقل لم يعد مجرد مصدر للمعرفة، بل أصبح مصدرًا متجددًا لتوليد الثروة والقوة.
من جهة أخرى، ظهر ما يُعرف بالإعلام المعولم، باعتباره عملية تهدف إلى التعظيم المتسارع والمستمر فى قدرات وسائل الإعلام والمعلومات على تجاوز الحدود السياسية والثقافية بين المجتمعات بفضل ما توفره التكنولوجيا الحديثة والتكامل والاندماج بين وسائل الإعلام والاتصال والمعلومات، وذلك لدعم عملية توحيد ودمج أسواق العالم، وتحقيق مكاسب لشركات الإعلام والاتصال والمعلومات العملاقة متعددة الجنسية على حساب تقليص سلطة ودور الدولة فى المجالين الإعلامى والثقافى.
 
وفى ظل الإعلام المعولم، انتهت من الناحية العملية قدرة الدولة، خاصة فى عالم الجنوب، على احتكار الإعلام والاتصالات والمعلومات، وتراجعت كثيرًا سلطة الدولة على المنع والرقابة، وبالتالى انهارت الفرضية الرئيسية التى اعتمدت عليها نظريات الإعلام التنموى والتى تنطلق من قدرة الدولة على استخدام وتوظيف وسائل الإعلام الوطنية أو على الأقل توجيهها لخدمة أهداف التنمية.
 
أكثر من ذلك فإن التطور السريع والمتلاحق فى تكنولوجيا الاتصال والمعلومات والإعلام، والذى تدفعه باستمرار آلية الاندماج والتكتل بين الشركات العملاقة والشركات متعدية الجنسية، قد قلص من قدرات دول الجنوب على تطوير إمكانياتها الإعلامية والمعلوماتية والاتصالية، وهو ما يخلق مزيدا من الأعباء والتحديات التنموية، ويعمق الفجوة بين دول الشمال والجنوب، كما يعمق من التبعية الإعلامية والاتصالية والمعلوماتية، ويحول مجتمعات الجنوب إلى مجرد سوق للاستهلاك غير المنتج للمعرفة والمعلومات. وفى الوقت نفسه أدت هذه التحولات إلى توسيع الفجوة بين الطبقات المحلية فيما يتعلق باستخدام وسائل الإعلام التقليدية والجديدة للحصول على المعرفة والقوة.
 
إن هيمنة أيديولوجية السوق الرأسمالى والتجارة الحرة وعولمة الأسواق قد بدد الثقة فى ترسانة النظريات والمفاهيم الخاصة بالتنمية الاشتراكية، أو التنمية القائمة على رأسمالية الدولة، أو التنمية التى تعتمد على الذات والاستقلال بالسوق الداخلى، ولم يتم فى المقابل طرح نظريات أو أطر نظرية متماسكة يمكن استخدامها أو العمل على هديها لإنجاز مهام التنمية فى ظل العولمة، أى أننا إزاء مرحلة تحول فى نظريات ونماذج التنمية، إذ انهارت المفاهيم والنماذج التقليدية المعروفة، والتى أثبتت درجات مختلفة من النجاح فى مراحل تاريخية مختلفة، ولم تُطرح فى المقابل نظريات أو نماذج بديلة سبق تجربتها وأثبتت قدرًا من النجاح لدول الجنوب فى ضوء الأوضاع الحالية والظروف المحيطة بها فى ظل العولمة.
 
أعتقد أن هذه الوضعية أدت إلى أزمة فى الفكر والعمل التنموى، انعكست بدورها على أداء وتوجيهات الإعلام، فالإعلام الوطنى لدول الجنوب يفتقر إلى الاستراتيجيات التنموية الواضحة ومحددة الملامح، والتى يجب أن تقود توجه السياسة الإعلامية وتتفاعل معها، وبالتالى بات الإعلام الوطنى عاجزاً وغير قادر على التفاعل الإيجابى مع أيديولوجية الاقتصاد الحر وعولمة الأسواق، والتى تبثها وتروج لها وسائل الإعلام المعولمة القادرة على مخاطبة مواطنى تلك الدول، وخلق ما أصبح يُعرف بالمواطن العالمى.
 
والمفارقة أن هذه الأزمة تزامنت مع استقرار وتطور المؤشرات العالمية للتنمية البشرية باعتبارها عملية توسيع الخيارات، ففى كل يوم يمارس الإنسان خيارات متعددة، بعضها اقتصادى وبعضها اجتماعى وبعضها سياسى وبعضها ثقافى وإعلامى، وبالتالى ينبغى أن توجه التنمية، وتعمل من أجل توسيع نطاق خيارات كل إنسان فى جميع الميادين، وتعتمد عملية توسيع الخيارات الإنسانية على القدرات والفعاليات من جانب، والفرص المتاحة من جانب آخر، أى أن التنمية البشرية تتكون من معادلة يتكون طرفها الأيمن من القدرات الإنسانية، بينما يتكون طرفها الأيسر من الفرص الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التى تُمكّن الإنسان من إعمال قدراته الإنسانية.
 
فى هذا السياق، من المهم التوقف عند بعض تجليات تلك الأزمة وانعكاساتها على حالة الإعلام المصرى، مُمثلة فى استمرار الفوضى وغياب التنظيم والضبط الذاتى، وضعف التنوع، لذلك فحتى الآن- ورغم الأموال الهائلة التى يستهلكها- يبدو إعلامًا تقليدياً وخارج فضاء عولمة الإعلام، سواء بالنسبة للدمج بين الإعلام والاتصال والمعلومات، أو توسيع حرية الإعلام والعمل نحو إيجاد إعلام مجتمعى أكثر حرية والتزاماً بالتنمية واهتمامات أغلبية المواطنين.
 
والمفارقة أن الأداء الإعلامى يعتمد على أهداف ومفاهيم تقليدية سقطت من قاموس الإعلام المعولم والإعلام التنموى من سنوات طويلة، وبالتالى فإن كثيرًا من الجهود والممارسات الفعلية تحتاج إلى مراجعة وتقييم، وربما تكون البداية بوضع سياسة إعلامية شاملة تتبنى استراتيجيات جديدة تقوم على احترام حرية الرأى والتعبير والتنوع، وتوعية المواطنين بضرورات التنمية وأهمية دعم الجهود التنموية التى تقودها الدولة فى هذه المرحلة، إضافة إلى سرعة الدمج بين قطاع الاتصال والمعلومات بعيدًا عن الإعلام.
 
باختصار.. نحن فى حاجة إلى نوعية جديدة من التفكير والعمل الذى يدمج بين الإعلام والاتصال والمعلومات والتنمية. التنمية التى تعتمد على مفاهيم جديدة ومُدخلات وموارد تتفق مع ثورة تكنولوجيا الاتصال والمعلوماتية ووسائل الإعلام الجديد، ومثل هذه النوعية الجديدة من التنمية تستفيد من تجارب ودروس الماضى ومن الآثار السلبية للعولمة، وأيضًا من المعطيات والفرص الاتصالية والتكنولوجية التى تتيحها العولمة.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة