طارق الخولى

سحر بلاد الساموراى

الثلاثاء، 27 فبراير 2018 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الساموراى هو اللقب الذى يطلق على المحاربين القدماء فى اليابان، ففى اللغة اليابانية يعنى «الذى يضع نفسه فى الخدمة العامة»، وكان يطلق فى العهود القديمة لتمييز الرجال الذين كانوا يسهرون على حفظ الأمن، إلا أنه قد تم تعميمه لاحقا على كل الرجال المحاربين فى اليابان، فأصبح يشير لكل الطبقة العسكرية اليابانية قديما، أما عن بلاد الساموراى فهى تحمل الكثير والكثير من عبق الماضى وآلامه، وسحر الحاضر ورونقه، فالتجربة اليابانية هى تجسيد لتحدى الأمم فى سرعة التحول من ويلات الهزيمة إلى بهاء النجاح والتقدم، فكيف استطاعت هذه الجماعة البشرية أن تحقق هذه المعجزة وأن تبنى دولة من جديد فى بضع عقود حتى تصبح من أقوى الاقتصاديات فى العالم، ونموذجا يُحتذى به فى تحويل آلام الهزيمة إلى وقود دافع نحو العمل والبناء والتحضر؟
 
فقد كان لى موعد مع كوكب اليابان، فرغم مشقة السفر لحوالى 13 ساعة وبرودة الطقس هناك، فإننى وددت لو ذهبت كل يوم، فمنذ عدة أيام قد غادرت القاهرة متوجها إلى العاصمة اليابانية طوكيو فى إطار دعوة موجهة لى من وزارة الخارجية اليابانية ضمن عشرة شباب واعدين من عشر دول بالشرق الأوسط لزيارة اليابان، حيث كنت ممثلا لمصر، بالإضافة إلى وجود ممثلين شباب من دول الإمارات والكويت واليمن وتونس والجزائر والمغرب وقطر وتركيا وأفغانستان، ما بين أعضاء برلمان ودبلوماسيين ومجتمع مدنى.
 
وقد وصلت إلى مطار «ناريتا» الذى يبعد عن العاصمة بحوالى ساعة ونصف، لألتقى بعدها مع سفير مصر بطوكيو السفير أيمن كامل فى مقر السفارة المصرية فى قلب العاصمة اليابانية، حيث تقع فى وسط المدينة، تميزها من الخارج التماثيل الفرعونية العظيمة والتى يحرص كل زوار السفارة من مختلف الجنسيات فى التقاط صور بجانبها، كما أخبرنى المستشار تامر ممدوح، عضو البعثة الدبلوماسية المصرية، وقد تناول مع سفيرنا بطوكيو أوجه العلاقات المصرية اليابانية وسبل تعزيزها فى كل المجالات، بالإضافة إلى جهود السفارة المصرية فى تدعيم مكانة مصر لدى المجتمع اليابانى، والتأكيد على التنسيق المستمر بين الدبلوماسية الحكومية والبرلمانية بما ينعكس بالإيجاب على المصالح المصرية فى الخارج.
 
 لأبدأ فى اليوم التالى سلسة من الأنشطة والفعاليات، حيث عقد اجتماع للمجموعة فى مقر وزارة الخارجية اليابانية مع «يوتاكا كاشيوابارا» رئيس قسم الشرق الأوسط وأفريقيا، حيث تناول الاجتماع إطلاع الحضور على السياسة الخارجية اليابانية وأوجه السياسة اليابانية فى الشرق الأوسط وما تمثله من أهمية قصوى تمثلت فى زيارة وزير خارجية اليابان للمنطقة أربع مرات متتالية خلال فترة قصيرة، كما أن اليابان تسعى لتحريك عملية السلام فى المنطقة من خلال الحوار، وأكد المسؤول اليابانى على التصويت لصالح مشروع القرار المصرى فيما يتعلق بالقدس من منطلق أن وضع القدس يجب أن يكون جزءا من مفاوضات الحل النهائى والشامل.
 
كما عُقد عدد من اللقاءات فى وكالة التعاون الدولى اليابانية، ومعهد اقتصاد الطاقة، حيث تناول الجانب اليابانى سبل التعاون الدولى فى مختلف المجالات، حيث تطرق الجانب اليابانى بمجالات التعاون مع مصر فى خطوط مترو الانفاق والمتحف المصرى الكبير وغيرها من المشروعات الاقتصادية والثقافية.
 
أما عن الزيارات الميدانية فكانت هناك جولة لمعالم طوكيو، من بينها متحف الساموراى التاريخى، ومتحف التكنولوجيا اليابانية، للوقوف على آخر ما وصلت إليه اليابان فى مجالات التكنولوجيا وانعكاساتها على المجتمع اليابانى، بالإضافة لزيارة لوكالة «كيودو» اليابانية للأنباء، حيث تم الاطلاع على مجريات العمل الصحفى والإعلامى فى اليابان وما تمثله من تأثير كبير فى الداخل اليابانى وفى المنطقة المحيطة خارجيا.
 
ثم استقلت المجموعة من محطة «كيوتو» بطوكيو القطار فائق السرعة لزيارة معالم مدينة «نارا» اليابانية، ومنها إلى مدينة «هيروشيما» اليابانية حيث كانت الزيارة لمعالم جزيرة «مياجيما» واللقاء مع عائلة يابانية مضيفة والمبيت لديهم فى جبال هيروشيما، بالإضافة إلى حضور محاضرة عن محنة القصف الذرى من قبل أحد الناجين، وزيارة لموقع إلقاء القنبلة الذرية فى هيروشيما، والقيام بجولة فى المتحف التذكارى للسلام.
 
فعلى هامش كل اللقاءات والزيارات سجلت ذاكرتى الكثير من الملاحظات حول بلاد الساموراى، أولها.. هى أنك أمام شعب يذكرك مرارا وتكرارا بمقولة الإمام محمد عبده «ذهبت للغرب فوجدت إسلامًا ولم أجد مسلمين.. ولما عدت للشرق وجدت مسلمين ولكننى لم أجد إسلامًا»، فأنت أمام تجسيد واقعى لخلق القرآن وتعاليمه، فقد سافرت شرقا وغربا ولم أجد فى سماحة وأدب الشعب اليابانى، فلا أدرى هل مرارة الحروب هى السبب أم تجربة التحضر؟
 
أما ثانى الملحوظات.. فهى قيمة التعليم والعمل، فأنت أمام شعب يعمل لساعات طويلة بديناميكية مستمتعا بعمله مهما كان، لا يعرف الغش ولا الخداع، فالصراحة جزء من تكوينه وتعليمه مهما خسرته، وهذا ما يفسر كيف استطاعت اليابان أن تقدم معجزة فى التحول من الهزيمة إلى أن تصبح فى مصاف الدول الكبرى فى بضع عقود قليلة، وعن الملحوظة الثالثة.. فكل شىء هناك منظم إلى أقصى ما يمكن أن تتصور، فكل شىء يتحرك كتروس الساعة، فلا مجال للخطأ أو الإهمال، ففى الوجدان اليابانى الموت أرحم من الخطأ أو الفشل.
 
أما بالنسبة للملحوظة الرابعة فهى التى داعبت بها أحد المسؤولين اليابانيين عندما عزمنى على الشاى، فقلت له أريد سكر فاليابان بلا سكر، فهذا الشعب يهتم بصحته بشدة، فلا يعرف الأبيضين السكر والملح فى مأكله ومشربه، وهو ما يعكس ارتفاع معدلات الصحة العامة وانعكاساتها على قدرات العمل والإبداع، وعن الملحوظة الأخيرة فقد انتابتنى آلام شديدة مع زيارة مدينة هيروشيما والوقوف على حجم الإجرام الأمريكى فى الحرب العالمية الثانية، فرؤيا العين تختلف بكثير عن مجرد الاطلاع، لكن هذه الآلام قد جعلت اليابان تولد من جديد دولة عظيمة وشعبا عظيما.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة