يوسف أيوب

البلطجة التركية ضد قبرص

الثلاثاء، 27 فبراير 2018 12:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هناك تفسير مختلف للبلطجة التى تمارسها تركيا فى البحر المتوسط، وتهديدها ضد قبرص لمنعها من التنقيب عن الغاز قبالة سواحلها على البحر المتوسط، هذا التفسير يقول: إن رئيس تركيا رجب طيب أردوغان يواجه مأزقا فى سوريا، وأنه لم يستطع تحقيق النصر الذى وعد به الأتراك، حتى حينما دخل منطقة عفرين فشل فى مبتغاه، فلم يجد أمامه من مفر فى مواجهة الانتقادات الداخلية سوى البحث عن خلق انتصار شخصى حتى ولو كان بإطلاق مجموعة من التهديدات، فاتجه إلى قبرص، واصطنع أزمة التنقيب فى مياه المتوسط.
 
ما يؤيد هذا التفسير ويجعله أقرب للواقع أن اتفاقات ترسيم الحدود البحرية التى تستند لها قبرص فى منح الشركات الأجنبية حق التنقيب ليست وليدة اليوم، وأن أنقرة على علم بها منذ فترة، فما الذى جعلها تتحرك اليوم، علماً بأن شركة إينى الإيطالية الحاصلة على حقوق التنقيب بدأت تتحرك منذ أكثر من شهر، الإجابة بالطبع مرتبطة بسوريا، وكل التجارب السابقة تشير إلى أن أردوغان دائما ما يلجأ إلى هذا الأسلوب الذى يقوم على خلق أزمة خارجية لمواجهة موقف داخلى متأزم، تماماً كما يفعل الإسرائيلين، ممن يعتبرهم أردوغان القدوة فى التعامل مع الملفات الخارجية، ودائما ما يلجأ إلى استشارتهم، فالمعروف عن أى حكومة إسرائيلية أنها حينما تواجه أزمة سياسية فى الداخل تلجأ إلى توتير المنطقة بشن هجمات عسكرية ضد قطاع غزة أو جنوب لبنان لجذب الأنظار إلى منطقة أخرى، بما يعطى الحكومة متنفسا جديدا يبقيها على قيد الحياة، وهو ما يفعله أردوغان الآن، لكن مع الفارق، فإسرائيل تستخدم ترسانتها العسكرية، لكن أردوغان يهدد قبرص فقط ولن يجرؤ على أى تحرك عسكرى.
 
وأغلب الظن أن قبرص ومن خلفها الاتحاد الأوروبى، وإيطاليا لن ينخرطوا فى صدام عسكرى مع تركيا، كما أن أردوغان سيفكر كثيراً قبل أن يلجأ للصدام العسكرى الذى لا يسعى له من الأساس، وأن كل ما يفعله هو مجرد التهديد لإثبات الوجود والذات أمام المواطنين الأتراك، وأن الأمر سيقتصر على تهديدات وسجالات دبلوماسية وسياسية، منها على سبيل المثال تهديد الأوربيين الواضح لأنقرة بغلق أى أمل فى فتح التفاوض مرة أخرى حول إمكانية انضمام تركيا للإتحاد الأوربى، فقد كان مقرراً عقد اجتماع الشهر المقبل حول مسار العلاقات الأوروبية التركية، وهو الاجتماع المقرر إلغاؤه عقاباً لتركيا على تهديداتها لقبرص، العضو فى الاتحاد الأوربى.
 
التحرش التركى بقبرص بدأ الأسبوع الماضى حينما حاولت سفينة الحفر التابعة لشركة «إينى» الإيطالية للطاقة التقدم للتنقيب عن الغاز فى منطقة «بلوك 3» قبالة الساحل الجنوبى للجزيرة المتوسطية، رغم الحصار الذى تفرضه السفن الحربية التركية على هذه المنطقة منذ التاسع من فبراير، وأثناء توجه سفينة شركة «إينى» للحفر نحو «بلوك 3» «اعترضتها خمس بوارج حربية تركية فاضطرت إلى التراجع بعدما هددت «البوارج» باستخدام القوة ومواجهتها، وفى مواجهة هذه التهديدات قال رئيس مجموعة «إينى» كلاوديو ديسكالزى: إن شركته لن تتخلى عن عمليات التنقيب التى تجريها قبالة قبرص، لكنها ستنتظر التوصل إلى حل دبلوماسى لبدء عملياتها.
 
البلطجة التركية واجهتها قبرص بالتنسيق مع جارتها وحليفتها الاستراتيجية اليونان التى أكد رئيس وزراءها ألكسيس تسيبراس خلال اجتماع قبل أيام مع الرئيس القبرصى نيكوس أناستسيادس فى العاصمة البلجيكية بروكسل، إنه سيدعم موقف قبرص من مسألة تدخل تركيا فى المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص، حيث جرى التنسيق بين الدولتين فيما يتعلق بالحجج التى سيقدمها الجانبان اليونانى والقبرصى اليونانى بالتنسيق مع الجانب الإيطالى، والاتحاد الأوروبى، بهدف دفع الاتحاد الأوروبى إلى اتخاذ موقف واضح بشأن التدخل التركى فى المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص.
 
ما سبق يشير إلى وجود فارق كبير فى العقلية المسيطرة على نظام الحكم فى تركيا، والحكومة القبرصية، فأنقرة تعمل بنظام المكايدة السياسية، وخلط الأوراق، بينما قبرص تتعامل مع الموضوع باعتباره مشكلة أوروبية، وليست فقط مشكلة لجمهورية قبرص، وهو ما زاد من المأزق التركى، وأدى إلى أن الضغوط تتزايد على أنقرة، فبدلاً من أن تحاول إلهاء الجميع عن جرائمها فى عفرين، تجد نفسها الآن أمام أزمة جديدة مع قبرص، لكنها هذه المرة ليست فقط مع الداخل التركى، وإنما مع الاتحاد الأوربى الذى فاض به الكيل من التصرفات التركية الصبيانية التى لا تنم إلا عن غباء يتطلب وقفة دولية.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة