نشبت معركة بين الطلبة الذين تجمعوا فى حرم جامعة القاهرة، والشرطة التى حضرت بالمئات تقفل أبواب الجامعة لمنع حضور الطلبة، وذلك يوم 25 فبراير «مثل هذا اليوم» 1968 وفقا لشهادة أحمد شرف فى كتابه «براءة سياسية» عن «مركز الحضارة العربية- القاهرة».
كانت المظاهرات تتواصل لليوم التالى رغم قرار وزير الداخلية «شعراوى جمعة» بمنعها، احتجاجا على الأحكام الضعيفة التى أصدرتها المحكمة العسكرية يوم 20 فبراير ضد قادة الطيران فى نكسة 5 يونيو 1967، وفقا لتأكيد عصام حسونة، وزير العدل، فى مذكراته «شهادتى.. ثورة 23 يوليو وعبدالناصر» عن «مركز الأهرام للترجمة والنشر- القاهرة».
يذكر «شرف» أن قوات الشرطة احتلت شارعى «نهضة مصر» و«الجامعة»، وميدان الجامعة، واعتلى طلبة كلية الهندسة، أسطح مبنى كليتهم العتيقة، وأخذوا ينزعون ألواح القرميد من السقف، ويكسرونها إلى قطع من الحجارة، ودارت رحى المعركة، الطلبة يتسلحون بالحجارة، والشرطة بالقنابل المسيلة للدموع والأسلحة التى تطلق فى الهواء، ويؤكد أنه وزملاءه فشلوا فى تهدئة الموقف بشعارات توافقية مثل: «الشرطة ويا الشعب لضمان الاستمرار.. الشرطة ويا الشعب لتأمين الانتصار..الشرطة هى الشعب.. والشعب هو الثورة».
ويضيف وائل عثمان، فى كتابه «أسرار الحركة الطلابية- هندسة القاهرة 1968-1975»، أن المظاهرات خرجت من «هندسة القاهرة»، وتصدت قوات الأمن بكل قوة لها، ولم تتمكن من التقدم أبعد من نهاية شارع نهضة مصر من ناحية كوبرى الجامعة، أما فى «هندسة عين شمس» فكان الأمر أسهل نظرا لموقع الكلية بين المساكن، وخرج الطلبة منها لتلتقى بمجموعات انطلقت من مبنى الجامعة مستهدفة ميدان العباسية.
وفيما قرر طلاب هندسة القاهرة الاعتصام، عقد مجلس الوزراء اجتماعه فى المساء «25 فبراير» برئاسة جمال عبدالناصر، ووفقا لتقدير عصام حسونة، كانت جلسته من أخطر جلسات المجلس، وفتح عبدالناصر باب المناقشات، داعيا وزير الحربية الفريق أول محمد فوزى للكلام، فقال: ثبت الإهمال ضد قائد الطيران، وحكم المحكمة سليم ووقع الحكم طيب فى القوات المسلحة، ولهذا صدقت عليه، وقال لبيب شقير، وزير التعليم العالى: مظاهرات الطلبة عقب صدور الحكم والذين حركوها عناصر يمينية رجعية، وتتبعنا زعماءهم ووجدناهم من الجمعية الشرعية ومن الإخوان المسلمين، وكان موقف الشرطة عظيما، ورأى إعادة محاكمة صدقى محمود أمام محكمة ثورة أو محكمة شعبية، لأن العقوبة الصادرة «15 سنة» لا تكفى، وقال الدكتور النبوى المهندس، وزير الصحة: يجب تعليق صدقى محمود وزملائه على المشنقة فى ميدان عام، الطلبة المصابون فى المظاهرات أعربوا لى عن ولائهم للرئيس، وحملونى رسالة أنهم يقبلون يد الرئيس، وقد زرتهم فى المستشفى مع الأخ سامى شرف.
أما حسونة، فقال: لا يجوز لمجلس الوزراء أن يناقش قضية صدر فيها حكم من محكمة مختصة قانونا بإصداره، وأسأل الذين تحدثوا عن الحكم، هل ألموا بالتحقيقات؟ هل عرفوا ظروف الاتهامات؟ هل قدروا مسؤولية صدقى محمود ومن هم فوقه ومن هم دونه؟ أما من حيث وقع العقوبة على الرأى العام، فإنه لن يرضيه إلا الدم، الجمهور يريد الدم، دم النظام كله، إننى مندهش من أن يطالب دكتور لبيب شقير بنقل القضية إلى محكمة ثورة أو محكمة شعبية لتحكم بأشد العقوبة، فهو يعرف كأستاذ قانون أن المحكمة الجديدة أيا كان اسمها لا يمكنها قانونا أن تحكم بأكثر مما يحكم به القانون.
يؤكد حسونة، أن عبدالمجيد فريد، سكرتير مجلس الوزراء، دخل بورقة إلى عبدالناصر، وكانت منشورا لطلبة هندسة القاهرة المعتصمين بالكلية، ويتضمن إعلانهم، أنهم لن يفضوا اعتصامهم حتى تتحقق مطالبهم وهى، الإفراج الفورى عن الطلاب المعتقلين، وحرية الرأى والصحافة، ومجلس أمة حر يمارس حياة نيابية سليمة، وإبعاد المخابرات والمباحث عن الطلاب والجامعة، وإلغاء القوانين المقيدة للحريات ووقف العمل بها، والتحقيق الجدى فى حادث العمال فى حلوان «اعتداء الشرطة على مظاهرات عمال مصانع الطائرات»، وتوضيح حقيقة المسألة فى قضية الطيران «الأحكام الصادرة بحق قادة السلاح»، والتحقيق فى انتهاك حرمة الجامعات واعتداء الشرطة على الطلبة.
قرأ الرئيس المنشور ثم علق: «يبدو أن حكم صدقى محمود «سجنه 15 عاما» ليس له أولوية لدى الطلبة، إنهم يطلبون حل الاتحاد الاشتراكى وإطلاق الحريات وإعادة تحقيق مع المسؤولين عن النكسة، أظن هذا يكفينا الليلة، ونهض بعد أن فض الاجتماع، الذى أعقبه فى نفس الليلة الخضوع لمطالب المتظاهرين، ففى صباح 26 فبراير خرجت صحيفة الأهرام بمانشيت رئيسى يقول: «إعادة محاكمة الطيران»، وفى التفاصيل: «وقعت تطورات بالغة عند منتصف هذه الليلة، فقد صرح الفريق محمد فوزى وزير الحربية، أنه لم يصدق على الحكم فى قضية الطيران، وأمر بإلغاء المحاكمة وإحالة القضية إلى محكمة عسكرية أخرى».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة