اميره شحاته

اليوم السابع.. مكالمة منتصف الليل

السبت، 17 فبراير 2018 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى يوم ما بمطلع شهر مارس عام 2013، رن جرس الهاتف كثيرا دون انقطاع، لأفيق من النوم مذعورة على صوته، تتلاحق الأفكار على ذهنى خاصة مع رؤيتى لاسم أخى على الشاشة، بينما أجلس بمفردى فى المنزل بمحافظة أخرى بعيدا عن أهلى، وخلال لحظات لم أستجمع شتات أفكارى، ولم أتمكن من الرد بسبب الرعب الذى دب فى قلبى، ربما لحلمى السيئ الذى كان يؤرقنى خلال النوم، أو لأننى أخاف من سماع أى خبر سيئ بسبب إلحاح الهاتف.
 
أجبت أخيرا لأجد أخى يخبرنى أنه وجد لى فرصة جديدة فى الصحافة بعد أن مررت بتجربتين فاشلتين فى جرائد كانت وليدة فى عالم الصحافة، مثلما كنت أنا، فلم تعطنى مثلما أخذت منى جهدا وتعبا دون مقابل، وإن كان مجرد اتفاق أو وعد بالاستمرار بها، لذلك انتبهت لما يقوله، وقبل أن يتسنى لى أن أشعر بالأمل، استكمل الكابوس ملامحه بقوله فرصتك الجديدة فى "اليوم السابع".
 
أتذكر جيدا أننى قلت له إنها ليست فرصة أبدا، فكل ما أسمعه عن هذه المؤسسة أنها صعبة فى التعامل ولا أحد يتمكن من الوصول فيها، أخذ أخى فى الإلحاح مؤكدا لى أنها ستكون مجرد تجربة وإن فشلت سأعود لأجرب غيرها إنما إذا نجحت فسأتمكن من بدء الطريق الذى أحلم به منذ الطفولة وحققت جزءا منه بدخولى كلية الإعلام جامعة القاهرة وحصولى على البكالوريوس.
 
وبالفعل، وافقت وتعرفت على التفاصيل الخاصة بإعلان الجريدة عن احتياجها لمحررين يعملون فى موقع جديد ملحق بها، متخصص فى التعليم بكل مراحله، تحت اسم "كايرو دار"، وكانت تجربة مختلفة لى لأنها نقلت خبرات مكان أكبر، فما كان "كايرودار" إلا نموذجا مصغرا من "اليوم السابع".. وكان أول درس لى أن أطلب حقى مهما كان مركزى صغيرا ما دم لدى حق، عندما تقدمت بمذكرة ضد رئيس قسمى وأنا متدربة عمرها فى المؤسسة أقل من شهرين، وكانت خطوة رغم جرأتها إلا أننى كنت أعتبرها كتقديم الكفن لعائلة لا ترضى إلا بالثأر.
 
حاول مدير التحرير طمأنتى بعد تلقيه الشكوى وأقنعنى أننى أحتاج فقط لمزيد من الصبر والتحمل حتى أتعلم، ولم يكرهنى رئيس قسمى بسبب هذا الفعل بل تفهم وجهة نظرى، عندها بدأت ملامح الكابوس تصبح أقل رعبا.
 
وحان الوقت لأتعلم درسى الثانى أن لدى مؤسسة تهتم بأمرى وتقف بجانبى وقت الشدة ورئيس تحرير لديه جانب من الإنسانية لم أجده فى تجاربى القليلة ولا فى تجارب من حولى الكثيرة، وذلك عندما تعرضت لحادث خطف حقيبتى فى الشارع من لص على "موتوسكل"، بينما أنا عائدة من الجريدة للمنزل وقتها لم اتردد فى الاتصال برئيس قسمى الذى شكوته منذ أشهر قليلة لأطلب منه المساعدة، فيأتى ومعه سيارة تابعة للمؤسسة من أجل تحرير محضر فى أقرب قسم شرطة، والذهاب بى لأقرب مستشفى بعد سقوطى خلال شد حقيبتى بكل ما فيها.
 
كانت "الشنطة" تحتوى على كاميرا للجريدة ولاب توب لى غير نقودى وأغراضى الشخصية، وغلبت على حالة من الذعر لكل ما حدث لى، لأجد هاتفى يرن مع دخولى المنزل ولكن هذه المرة كان الرقم غريبا والصوت لم أسمعه من قبل، وأولى الكلمات التى سمعتها "أنا خالد صلاح يا أميرة" .. دقات قلبى زادت عند هذه اللحظة وصمت لعدة ثوانى قبل أن يستكمل قائلا " أنا أسف لو كنتى نمتى .. أنا عرفت باللى حصل ليكى النهاردة .. سلامتك ألف سلامة ارتاحى وأول ما تقدرى تيجى، اطلع لى المكتب أنا عايز أطمن عليكى".
 
وقتها زال الخوف الذى يمتلأنى بشكل لم أتوقعه وخفتت كل الأصوات التى تقلقنى بعد الحادث، ولكى لا أسترسل فى وصف هذا المشهد الذى لم أنسه أبدا حتى بعد مرور أكثر من 4 سنوات عليه، كان بالفعل هذا الشعور الذى تركته المكالمة هو الأهم وقتها من أمور أخرى مثل عدم محاسبتى على الكاميرا التى سرقت وكانت فى عهدتى، وصرف مكافأة لى فى كشف التميز بين أصدقائى لتعويضى بمبلغ مالى كبير عن أغراضى التى سرقت وبطريقة غير مباشرة لتجنب شعورى بأى إحراج.
 
فماذا بعد كل ذلك .. هل من شىء آخر يقال عن هذا الكيان الذى لم يغمرنى فقط بالإنسانية ولكن أيضا بتعليمى الصحافة وتشجيعى على تطوير ذاتى لأصبح بين أروقته من متدربة لمدربة صغيرة لكل زملائى الجدد الذين كنت أساعدهم بنفس مبدأ المساعدة التى تلقيتها، وأعلمهم بكل ما تعلمته من مهارات صحفية وشخصية، ففى بيتى "اليوم السابع" تعلمت أن الصحافة ليست فقط صياغة أخبار ولكن ابتكار أفكار وتعلم الصبر وسياسة التعامل مع كل أنواع البشر فيما يدعمنى ويدعم مصلحة العمل، تعلمت أن النجاح هو ألا تتوقف عن السعى، والأهم أننى مع الوقت تعلمت أن لا شىء فى هذه الدنيا كامل وأن لكل شىء وجهين وما نراه هو فقط ما لمسناه من الشىء، وعندما نقترب نلتمس الوجهين ولا يتبقى لنا إلا ما يؤثر فينا أكثر، فيتحول الكابوس إلى الحلم.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة