عصام شيحة

إلى هذا الحد؟!

السبت، 08 ديسمبر 2018 12:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
المتابع لما يشغل الرأى العام من «قضايا»، يدرك حجم الفجوة بين أهدافنا كدولة طامحة إلى إنجاز خطوات واسعة على طريق التنمية وبناء دولة مدنية حديثة، وبين ما ننفقه من وقت ومال وجهد فيما لا طائل منه، بل لا أبالغ إن قلت فيما يخصم من رصيد ما نحوزه من مسؤولية وطنية تجاه ما تتطلبه الرحلة الراهنة من جدية والتزام بدروس أنتجتها تجارب الدول التى يطيب لنا أن نتحسر على تفوقها الواضح علينا، بعد أن كانت خلفنا فى سلم التنمية منذ عقود قليلة، منها على سبيل المثال كوريا الجنوبية.
 
راجع معى كم شغلتنا توافه الأمور وصغائرها فى الفترة القليلة الماضية، وانشقت الفضائيات عن وجوه امتهنت الإعلام دون مبرر منطقى، فأغرقتنا فى دوائر لا نهائية من السطحية والابتزال، اعتماداً على ما تفرزه مواقع التواصل الاجتماعى من شتائم وشائعات وسفه، فكان أن تفوق حجاب «حلا»، وفستان «رانيا»، وحموبيكا... إلخ، على متابعات كانت واجبة لحقيقة قضايانا فى الداخل والخارج على السواء.
 
ويبدو جلياً أن العديد من برامج التوك شو تفتقر إلى المهنية، فنراها تستسهل الأمور إذ تعتمد فى إعدادها على ما يدور فى مواقع التواصل الاجتماعى طلباً للإثارة وما تتيحه من فرص كبيرة لنيل الشهرة وجذب الإعلانات، ومن هنا فإن حاجتها دائماً ملحة لكل ما يشذ عن طبيعة الأمور، كما أن تطاول «فلان» يجعل منه ضيفاً مرغوباً وبالفعل يحظى بمتابعة كثيفة انتظاراً لما سيصدر عنه من فضائح للأعراض والذمم.
 
وطبيعى جداً أن نلقى على الإعلام مسؤولية ما يشغل الرأى العام من توافه الأمور، فسطوة الإعلام على الرأى العام، تكوينه وتشكيله وتوجيهه، لا يضاهيها عامل آخر، بعد أن تراجع دور الأسرة والمدرسة والمؤسسات الدينية كافة أمام ما يقدمه الإعلام من مُشهيات وتسلية، وما يحققه للفرد من شعور بالحرية والقدرة على التنقل بين جنبات العالم فى لحظات، يخرج فيها عن قيود العادات والتقاليد بل والقوانين.
 
فى هذه الأثناء تبرز أهمية إعلام الدولة، وتتبلور وظيفته الكبرى فى صياغة الرأى العام وجمعه حول قضاياه الحقيقية، دون استعلاء أو تجهم أو توجيه مباشر، غير أن حال ماسبيرو لا يؤهله لهذا الدور، خاصة بعد أن انفلت زمام الأمور بفعل الثورة التكنولوجية الهائلة التى لم يستطع ماسبيرو مواكبتها، بعد أن اكتفى ببناء مدينة الإنتاج الإعلامى دون اهتمام جاد بالكوادر البشرية، وأى حديث عن تطوير تم لا أظنه يلقى مصداقية لدى المشاهدين والمتخصصين على السواء. حتى إن ما وصل إليه ماسبيرو من تأخر كان هو أحد الأسباب التى فتحت الباب واسعاً أمام فئات أقل ثقافة من أن تجلس أمام الكاميرات، وتعبث فى عقول الناس وتشغلهم بكل مثير، وإن كان تافهاً، مستعينة فى ذلك بما أُتيح لها من عوامل جذب وقدرة على «مداعبة» الغرائز.
 
أتصور أن روح القانون الذى أُنشىء بموجبه المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، إن لم تكن نصوص القانون تتيح للمجلس دوراً أكبر من منع أحد مقدمى البرامج هنا أو هناك، أو حتى غلق قناة لفترة محددة، أو توقيع غرامة مالية، فكل ذلك حقيقة لا يؤثر فى حقيقة المشكلة الكامنة فى جريمة مجتمعية واضحة المعالم تتمثل فى إلهاء الناس عن حقيقة قضايا وطنهم، إما عن جهل، وعدم مهنية، أو عن عمد بغرض جذب الشهرة والمال.
 
وللتدليل على أهمية الأمر، وبياناً لأثره فى مسيرة دولة نحو أهدافها، أُخبرك بأن كاتباً معروفاً فى الداخل والخارج، عُرف بعدائه للنظام الذى اختارته ثورة 30 يونيو، كتب كلاماً مُضحكاً، وهو الروائى الشهير، إذ قال إن «توجيهات صدرت لوسائل الإعلام بشغل الرأى العام حتى يمرر مجلس النواب تعديلاً جوهرياً فى الدستور! فتم «اختراع» حكاية فستان رانيا!
إلى هذا الحد من السفه وصلنا؟! أعتقد ذلك، وإلى الأسبوع المقبل بإذن الله.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة