دعا الرئيس الليبى العقيد معمر القذافى، إلى قمة عربية طارئة فى العاصمة الليبية«طرابلس»، لبحث أبعاد زيارة الرئيس السادات إلى القدس يوم 19 نوفمبر 1977.
انعقدت القمة من يوم 2 إلى 5 ديسمبر 1977، وحضرها الرئيس السورى حافظ الأسد، والجزائرى هوراى بومدين، وعبد الفتاح إسماعيل، الأمين العام للتنظيم السياسى الموحد فى اليمن الديمقراطية الشعبية «الجنوبية»، وطه ياسين رمضان، ممثلًا عن رئيس العراق«أحمد حسن البكر»، وياسرعرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية..كان«بسام أبوشريف»، المستشار السياسى لعرفات ضمن الوفد الفلسطينى بالمؤتمر، ويسجل شهادته فى كتابه «ياسر عرفات»، قائلًا: «هيمنت على تلك القمة التى حضرتها، ثلاثة مواضيع رئيسية هى، كيفية مواجهة خط السادات السياسى، وإعادة توحيد صفوف منظمة التحرير الفلسطينية التى كانت منقسمة ومتصارعة، ورأب الصدع فى العلاقة السورية العراقية».
أسفر المؤتمر على تكوين «جبهة الصمود والتصدى»، بعضوية الأطراف المشاركة باستثناء العراق، ويكشف «أبوشريف»: «فشلت كل الجهود لإقناع العراق بالانضمام، وكان واضحًا لى أن العراق الذى اتخذ موقفًا سياسيًا معارضًا لخط السادات لم يكن منطقيًا، أومنسجمًا مع نفسه عندما أبرز أسباب عدم موافقته على الانضمام للجبهة»..كان السبب هو رفض سوريا لطلب العراق باعترافها بقرار مجلس الأمن 242.
كان للحضور الفلسطينى أسرار يكشفها«أبوشريف»، قائلًا: «نجحت الجهود فى إعادة توحيد صفوف الفلسطينيين، وصدر بيان للرأى العام حول ذلك، وانضمت منظمة التحرير الفلسطينية لجبهة الصمود والتصدى».واتفق الجميع على مواجهة خط السادات السياسى.هذه النتائج لم تكن سهلة المنال.بل كانت صعبة جدًا.فقد دب خلاف حول من يحضر من الفلسطينيين جلسة القمة، ياسر عرفات أراد أن يكون الوفد الحاضر من منظمة التحرير، «لكن إصرار الدول مكن تنظيمات شكلت جبهة الرفض الفلسطينية المعارضة لخط عرفات من الحضور، وقررت أن يحضر جورج حبش، الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين«وأحمد جبريل»الأمين العام للجبهة الشعبية–القيادة العامة»، وعندما أيقن عرفات أن هذا سيتم أصر على دعوة نايف حواتمة«الأمين العام للجبهة الديمقراطية».وكانت الجبهة الديمقراطية رفضت الانضمام لجبهة الرفض، وبقيت فى الوسط بينها وبين عرفات».
يؤكد«أبوشريف»، أن جميع القادة الفلسطينيين تكلموا، لكنه يتذكر مفارقات شهدتها كلماتهم، قائلًا: «جورج حبش بدأ يطرح بهدوء الخط السياسى الذى يقترحه لمعارضة السادات.فقاطعه الرئيس حافظ الأسد«وكانت المرة الأولى التى يراه فيها»، قائلًا: أريد أن أسالك: «أنت دكتور طب أم سياسة»؟.فأجابه أكثر من شخص: «دكتور طب».فاستمع الجميع له وحرص «عرفات» على ترك المجال لحواتمة بالحديث قبله، فبدأ كلمة طال أمدها لدرجة أن الرئيس هوارى بومدين قاطعه: «قل لنا ماذا تريد بالضبط؟».وعلى هامش الجلسات، بدأت جهود وضغوط لتوحيد الصف الفلسطينى، ولعب صلاح خلف«أبو إياد» دورًا بارزًا فى ذلك، وتعاونت معه إلى أبعد الحدود، وطلب منى أن أصيغ بيانًا حول إعادة الوحدة لصفوف منظمة التحرير، فنظرت إليه متسائلا؟: «هذا لم يتم بعد»..ابتسم قائلا: «سيتم».
يؤكد «أبو شريف»: «صغت البيان، تدخل الليبيون والجزائريون ومورس الضغط فوافق الجميع، كان بيان إعادة التوحيد، خاليًا من أى إشارة لموافقة منظمة التحرير على قرارات 242 وإقامة دولة فلسطينية على الأراضى التى احتلتها إسرائيل عام 1967.كان يشير فقط لمعارضة منهج السادات.ولم يكن عرفات راضيًا، لكنه، وتحت ضغط موازين القوى الداخلية الفلسطينية والخارجية العربية رضخ، وجاء الرئيس القذافى إلى القاعة المطلة على شرفة قصر الشعب، وأمسك بذراع عرفات وخرج به إلى الشرفة.وخرجت مع جورج حبش للشرفة والتقينا..كان عرفات يقول للرئيس القذافى: ألم تقل لى يوما، عليك أن ترفع علم فلسطين المستقلة، حتى ولو على خيمة؟أجاب القذافى: نعم ولازلت عند رأيى.لكن أين الخيمة؟فأجاب عرفات: سأجدها وسأرفع العلم، وأفهم من كلامك أنك عند وعدك.فقال: «نعم»..يضيف«أبو شريف»: «تقدم القذافى، وأمسك بذراع حبش وذراعى، وتقدم الجميع نحو حافة الشرفة، حيث احتشد رجال الصحافة.ورفعنا الأيدى متشابكة، والتقطت الصور التى تعلن إعادة الوحدة لصفوف منظمة التحرير الفلسطينية وانضمامها لجبهة الصمود والتصدى».
انتهى المؤتمر يوم 5 ديسمبر - مثل هذا اليوم - 1977 وأصدر بيانا جاء فيه: «إدانة زيارة السادات للكيان الصهيونى لأنها تشكل خيانة عظمى لتضحيات ونضال شعبنا العربى فى مصر وقواته المسلحة ونضال وتضحيات الأمة العربية، والعمل على إسقاط زيارة الرئيس السادات ومباحثاته مع الصهيونى بيجين والإجراءات التالية، ويحذر المؤتمر كل من يحاول السير فى هذا الطريق والتعامل مع هذه النتائج، وتجميد العلاقات الدبلوماسية لأطراف المؤتمر مع مصر، ومقاطعة جميع الشركات والمؤسسات المصرية التى تتعامل مع إسرائيل، والامتناع عن حضور اجتماعات جامعة الدول العربية التى تعقد فى القاهرة، وإجراء اتصالات مع دول الجامعة لدراسة موضوع مقرها والمنظمات التابعة لها، وموضوع عضوية النظام المصرى.
فى نفس يوم انتهاء المؤتمر، رد السادات بقطع العلاقات مع سوريا وليبيا والجزائر والعراق واليمن الجنوبية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة