إن جوهر الإسلام يأتى من مصدرين رئيسيين هما القرآن الكريم، الذى هو الوحى الإلهى، والسنة النبوية، التى هى تعاليم وأفعال وسمات النبى محمد صلى الله عليه وسلم، لكن طبائع المسلمين تأتى من العديد من الشعوب والقبائل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}. لذلك فإن إيمان المسلمين متنوع بتنوع طبائعهم وخلفياتهم القومية والقبلية؛ وبالتالى يجب الاعتراف بالطبائع التى وهبها الله لخلقه من المسلمين والخبرة الاجتماعية لهم على حد سواء، وتقديرهما فى الحضارة الإسلامية العالمية، طالما أن مبدأ التوحيد (وحدانية الله)، كما هو معبر عنه فى لا إله إلا الله، ومبدأ نبوة الخاتم (نبوة محمد صلى الله عليه وسلم) يدعمان هذا التنوع فى الوحدة الإسلامية ويعتبرانها من نعم الله على أمتنا. ومن ثم يجب على المسلمين أن ينظروا إلى مختلف طبائع وخبرات إخوانهم المسلمين على أنها نعمة من الله تثرى ثقافة وحضارة الإسلام فى العالم.
واقتباسا من حقيقة هذه النعمة، أود أن أطلعكم على طبيعتى التى وهبنى الله إياها وخبرتى فى الحرب والسلم كأحد المسلمين فى البوسنة وأحد الناجين من الإبادة الجماعية فى أوروبا، وكيف أرى نفسى كذلك منتميا إلى مجتمعات العالم الإسلامى اليوم. بل إننى فى الواقع أود أن أخبركم لماذا أعتقد أن نهج منتدى تعزيز السلم فى المجتمعات المسلمة، الذى يرأسه العلامة الموقر الشيخ عبدالله بن بيه، والذى مقره فى أبو ظبى، الإمارات العربية المتحدة، هو نهج صحيح فى الإسلام وبرنامج سليم لنشر توعية السلام بين المسلمين فى جميع أنحاء العالم.
تستند شهادتى على طبيعتى الشخصية وتجربتى فى الحرب والسلام فى البوسنة دون الحاجة إلى اعتذار لأحد، إنها تبدأ من حقيقة أنه خلال الحرب وفترة ما بعد الحرب فى البوسنة، كان من الصعب العثور على مبادرة سلم من جماعة أو مؤسسة إسلامية ذات مصداقية لمساعدتى فى الدخول فى حوار وبناء الثقة مع الآخرين، كانت جميع مبادرات السلم قادمة من الجماعات أو المؤسسات المسيحية التى كانت لها فى الحقيقة ميزة فى عرض قضيتها؛ لذا عندما تم تقديم مبادرة سلام إسلامية رئيسية من قبل الشيخ بن بيه فى عام 2014 فى أبو ظبى، سررت بدعوتى للانضمام إليها. وفى الواقع كنت أدع الله من أجل نجاحها واستمراريتها لأنه نادراً ما تنجو الأفكار المسلمة الحقيقية من الضغط الهائل للمعارضين المخالفين الذين يعارضون مثل هذه المبادرات إن لم يكونوا فيها، إن لم تكن فكرتهم. لحسن الحظ بدا أن منتدى تعزيز السلم فى أبوظبى نجا من هذا المصير - وخاصةً المنتدى الأخير الذى فى رأيى هو أفضل المنتديات كلها حتى الآن - المنتدى الخامس لعام 2018. نعلم من القرآن والسنة أن النقد الصحيح والبنَّاء هو طبيعة الإسلام ، لكن خطاب الكراهية الجديد والاتهامات الباطلة ضد المنتدى لا تتفق مع طبيعة الإسلام، وليست ذات أدب إسلامى ولا أخلاق.
اسمحوا لى أن أقول إن شيخ عبد الله بن بيه والشيخ حمزة يوسف ليسوا بحاجة إلى دفاعى، إنهم أناس قادرون ومستقيمون، كما أن تفانيهم الدائم فى العمل الإسلامى يتكلم عن نفسه. أحتاج إلى أن أرفع صوتى بوضوح وبصوت عالٍ دفاعاً عن أهمية تعزيز السلم، وعمل الباحثين الموقرين تجاه هذا الهدف. أقول بتواضع أن يكون الانحياز معهم فى هذا الغرض. وسنكون ممتنين لحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة لدعمها هذا المشروع الذى شارك فيه بالفعل قادة دينيون وأكاديميون وثقافيون وسياسيون بارزون من جميع أنحاء العالم ولهم جزيل الشكر باحترامهم والتزامهم بقضية السلم هذه.
أولا: لا يوجد أحد يحتكر السلام، لكن على الجميع واجب تعزيز السلام بطريقته الخاصة لأن تعريف "الإسلام" هو السلام، وبالتالى فإن "المسلم" هو أيضًا فى تعريفه سلمى رجلا كان أو امرأة؛ ولذلك فإن منتدى تعزيز السلم هو تنزيل للمفهوم الفريد والقوى للإسلام، ألا وهو مفهوم السلام.
ثانياً: لا أحد لديه تظاهرة حول التسامح، لكن على الجميع التزاماً بالتعلم وتعليم التسامح فى حيه أو محيطه لأن الإسلام هو إيمان التسامح بحقيقة كما جاء فى القرآن الكريم أن "لا إكراه فى الدين".
ثالثًا: لا أحد يحتكر الكرامة، ولكن يحق للجميع التمتع بحق الحياة (النفس)، والإيمان (الدين)، وحرية الفكر (العقل)، والملكية (المال)، والكرامة (العرض) لأن العلماء المسلمين حددوا هذه المبادئ الموجهة للسلام منذ فترة طويلة قبل "الإعلان العالمى لحقوق الإنسان". هذه المبادئ مبنية على نص وروح القرآن والسنة باعتبارها أمانة (ثقة) للأمة الإسلامية بأكملها، وليس فقط جزء منها.
رابعاً: لا أحد يملك احتكار للتحالف، لكن لكل شخص الحق فى السعى إلى التحالف مع أشخاص وشعوب محبة للسلام استناداً إلى مثال النبى محمد صلى الله عليه وسلم، الذى شارك فى تحالف قبل الإسلام، والمعروف باسم ”حلف الفضول“ الذى وافق عليه فى الإسلام أيضًا.
خامسًا: لا أحد لديه احتكار للديمقراطية، لكن لكل شخص الحق فى التحدث عن الديمقراطية، حتى لو كان يعتقد أنه يمكن أن يؤدى أحيانًا إلى الاستبداد. الفيلسوف اليونانى سقراط كان له هذا الحق كذلك، كان يقول إن الأوليغارشية أصبحت ديمقراطيات لأسباب يمكن التنبؤ بها: "إن الديمقراطية تأتى إلى السلطة"، يقول سقراط: "عندما يكون الفقراء هم المنتصرون يقتلون البعض وينفون البعض ويعطيون أسهمًا متساوية فى الحكومة لكل البقية". "شكلاً مقبولاً من الفوضى"، كما يخبرنا سقراط ويضيف أن "الرغبة النكّهة للحرية تستدعى الطلب على الاستبداد".
سادساً: لا يوجد أحد يحتكر الوعظ الأخلاقى، لكن على الجميع واجب تحسين أخلاقه قبل التبشير بالآخرين. يعلمنا الإسلام أن الممارسة الأخلاقية الصحيحة أفضل من الوعظ الفارغ.
وأخيرًا: لا يوجد أحد يحتكر الإسلام، لكن على كل فرد فرض عين (مسؤولية شخصية) وفرض كفاية (مسؤولية جماعية) التصرف بطريقة لا تفسد التعاليم الأخلاقية للإسلام، ولا تمس بالصورة الصحيحة للإسلام والمسلمين فى العالم من أجل المكاسب الشخصية. يعود الفضل فى أعمال الشيخ عبد الله بن بيه والشيخ حمزة يوسف إلى تنزيلهم الفروض المذكورة لإصلاح الصورة المدمرة للإسلام والمسلمين فى العالم، بسبب بعض الجماعات غير المسئولة والمتشددة التى ادعت أنها تعمل باسم الإسلام. أولئك الذين لا يفهمون أهمية رسالة هؤلاء العلماء غير متصلين بالواقع، وبالتالى لا يمكنهم أن يدّعوا أنهم المرشدون الصحيحون للمسلمين لاسيما فى الغرب. أولئك المسلمين أينما كانوا الذين ما زالوا يدعمون قتلًا كارثيًا حدث فى الآونة الأخيرة فى بعض البلدان الإسلامية الكبرى، يجب أن يُنصَحوا بأن الانتحار فرديًا أو جماعيًا ليس جزءًا من طبيعة الإسلام. بل لم يكن الإسلام يومًا دينًا للتدمير. بل كان دوما دين الأخلاق والثقافة والحضارة البناءة والشاملة.
وملاحظتى الأخيرة إلى إخوانى وأخواتى المسلمين فى الغرب لا تتمثل فى إصدار حكم متسرع يحرض عليه بعض الناس والمؤسسات الذين لا يتعاطفون مع المسلمين الذين يعانون. إذا كنت لا تستطيع مساعدة محنة المسلمين اليوم فعلى الأقل لا تجعل الوضع الإسلامى أسوأ مما هو عليه. أولئك الذين لم يذوقوا مرارة الحرب لا يمكنهم تقدير طعم السلام الحلو وأنا قد ذقت كليهما. أيها الإخوة المسلمون أيها الأخوات والأصدقاء أينما كنتم ادعوا للسلام وادعموا أولئك الذين يعملون من أجل السلام أياً كانوا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة