نستقبل فى هذه الأيام ثانى أهم الأعياد المسيحية بعد عيد القيامة، وهو عيد الميلاد المجيد، الذى تحتفل به كافة الكنائس والطوائف المسيحية حول العالم، ولكن السؤال الذى نردده كثيرا مع قدوم احتفالات أعياد الميلاد هو .. لماذا يختلف موعد عيد الميلاد بين الشرق والغرب ؟
وللرد على هذا السؤال فقد ذكر الراهب كاراس المحرقى فى كتابة (عيد الميلاد)، عن أصل عيد الميلاد، وأوضح إن أصل عيد الميلاد الغرب ثم انتقل إلى الشرق، أما عيد الغطاس فأصل نشأته كنيسة الإسكندرية، وعن طريقها انتقل إلى الغرب فى النصف الثانى من (ق4)، وقد أصبح عيداً رسمياً فى كل الكنائس منذ بداية (ق5)، وعلى إثر هذا التبادل فى الأعياد أصبحت جميع الكنائس في الشرق والغرب تحتفل بعيد ميلاد المسيح يوم (25 ديسمبر)، وبعيد الغطاس فى 6يناير.
ولفت كاراس إلى أن الكنائس فى مصر الآن تحتفل بعيد الميلاد فى (7 يناير)، واضعا تساؤل عن سبب الانتقال من (25 ديسمبر) إلى (7 يناير)؟، مفسرا ذلك بأن الأسباب فلكية محضة، ولا علاقة لها بالعقيدة أو اللاهوت أو الروحيات، فكنيسة الإسكندرية تسير على التقويم المصرى القديم الذى يبدأ بشهر توت، وقد حددوا رأس السنة (1 توت) فى يوم قران الشمس مع ظهور نجم الشعرى اليمانية، وهو ألمع النجوم فى السماء ويُسمى باليونانية "سيروس وبالمصرية سبدت وبموجب هذا التقويم يبلغ طول السنة: (365 يوم + 6 ساعات)
وتابع : فلما أراد الأقباط بعد دخول المسيحية مصر، عمل تقويم خاص بهم ابتدأوا من سنة (284م)، وهى السنة التى اعتلى فيها "دقلديانوس" العرش، وقد عرف تقويمهم بتقويم الشهداء، أما الغرب فكان يسير حتى عام (1582م) على التقويم اليولياني، الذي يحسب طول السنة مثلنا تماماً، فمن المعروف أنَّ يوليوس قيصر قد كلّف العالم الفلكي السكندريّ (سوزيجين)، بضبط التقويم الرومانيّ القديم، فوضع تقويماً جديداً في عام (45 ق.م)، عُرف باسم التقويم اليولياني نسبة إلى يوليوس قيصر.
واستطرد فى كتابه : إذن فالشرق والغرب كانوا يسيرون على تقويم واحد من حيث طول السنة، فما الذى حدث وأدى إلى هذا الاختلاف؟، وولتفسير ذلك كشف فى كتابه أن مجمع نيقية (325م)، قد قرر وقوع الاعتدال الربيعي في (21مارس)، ففي هذا اليوم تتساوى عدد ساعات النهار والليل وتكون كل منهما (12) ساعة في كل أنحاء العالم.
ولكن في عام (1582م) لاحظ البابا غريغوريوس بابا روما (1572 – 1585م) وقوع الاعتدال الربيعي في (11) مارس بدلاً من (21) مارس، إذن هناك فرق قدره (10) أيام، فلمّا لجأ إلى علماء اللاهوت ليعرف منهم السبب، أجابوه بأنه ليس لديهم سبب من الناحية الكنسية أو اللاهوتية، فالأمر مرجعه إلى الفلك، فرجع البابا إلى علماء الفلك، فأعلموه بأن السبب يرجع لحساب السنة، فبحسب التقويم اليوليانيّ يبلغ طول السنة: (365 يوم+6 ساعات) بينما السنة في حقيقتها التي يقرّها علماء الفلك هى: (365 يوم + 5 ساعات + 48 دقيقة + 46 ثانية).
إذن هناك فرق قدره: (11دقيقة + 14 ثانية)، وهذا الفرق يكون تقريبا (يوم) كل (128 سنة)، و (3 أيام) كل (400 سنة)، ومنذ انعقاد مجمع نيقية سنة (325م) حتى البابا جريجوريوس (1582م) كون فرقا قدره (10 أيام) ، فأصدر أمراً بأن ينام الناس يوم (4 أكتوبر) سنة (1582م)، ليستيقظوا يوم (15 أكتوبر) بدلاً من (5 أكتوبر)، أي بدل أن يقطعوا ورقة من النتيجة قطعوا 11 ورقة (ورقة اليوم + 10 ورقات فرق الأيام )، ولضمان فروق المستقبل، وضع قاعدة بموجبها يتم حذف (3) أيام كل (400) سنة، وبعد إتباع الكنيسة الغربية التقويم الجريجورى سنة (1582 م)، صار ميعاد عيد الميلاد فى الشرق يختلف عنه فى الغرب، وقد بلغ الفرق إلى الآن (13 يوماً)
ولتفسير ذلك أكثر ، يحتفل الأقباط بعيد الميلاد يوم 29 كيهك حسب التقويم القبطي، وكان هذا اليوم يوافق 25 ديسمبر من كل عام حسب التقويم الرومانى الذي سمى بعد ذلك بالميلادي، ولقد تحدد عيد ميلاد المسيح يوم 29 كيهك الموافق 25 ديسمبر وذلك في مجمع نيقية عام 325م، حيث يكون عيد ميلاد المسيح في أطول ليلة وأقصر نهار (فلكياً).
ولكن فى عام 1582م أيام البابا جريجورى بابا روما ، لاحظ العلماء أن يوم 25 ديسمبر (عيد الميلاد) ليس في موضعه أي أنه لا يقع في أطول ليلة وأقصر نهار، بل وجدوا الفرق عشرة أيام، أي يجب تقديم 25 ديسمبر بمقدار عشرة أيام حتى يقع في أطول ليل وأقصر نهار، وعرف العلماء أن سبب ذلك هو الخطأ في حساب طول السنة (السنة= دورة كاملة للأرض حول الشمس)، إذ كانت السنة في التقويم اليوناني تحسب على أنها 365 يومًا و 6 ساعات، ولكن العلماء لاحظوا أن الأرض تكمل دورتها حول الشمس مرة كل 365 يومًا و5 ساعات و48 دقيقة و46 ثانية أي أقل من طول السنة السابق حسابها (حسب التقويم اليولياني) بفارق 11 دقيقة و14 ثانية ومجموع هذا الفرق منذ مجمع نيقية عام 325م حتى عام 1582 كان حوالي عشرة أيام.
أمر البابا جريجورى بحذف عشرة أيام من التقويم الميلادي (اليولياني) حتى يقع 25 ديسمبر في موقعه كما كان أيام مجمع نيقية، وسمى هذا التعديل بالتقويم الغريغوري ، إذ أصبح يوم 5 أكتوبر 1582 هو يوم 15 أكتوبر في جميع أنحاء إيطاليا.
ووضع البابا جريجوريوس قاعدة تضمن وقوع عيد الميلاد (25 ديسمبر) في موقعه الفلكي (أطول ليلة و أقصر نهار) وذلك بحذف ثلاثة أيام كل 400 سنة (لأن تجميع فرق ال11 دقيقة و 14 ثانية يساوي ثلاثة أيام كل حوالي 400 سنة)، ثم بدأت بعد ذلك بقية دول أوروبا تعمل بهذا التعديل الذي وصل إلى حوالي 13 يومًا.
ولكن لم يعمل بهذا التعديل في مصر إلا بعد دخول الإنجليز إليها في أوائل هذا القرن العشرين (13 يوماً من التقويم الميلادي) فأصبح 11 أغسطس هو 24 أغسطس، وفى تلك السنة أصبح 29 كيهك (عيد الميلاد) يوافق يوم 7 يناير (بدلاً من 25 ديسمبر كما كان قبل دخول الإنجليز إلى مصر أي قبل طرح هذا الفرق) لأن هذا الفرق 13 يوماً لم يطرح من التقويم القبطى.
احتفالات الكنائس بعيد الميلاد
وبعض الكنائس كالكنيسة الأرمنيّة قد جمعت الميلاد مع الغطاس فى عيد واحد، ما دفع إلى إقامتها الميلاد مع الغطاس فى 6 يناير، ومع إصلاح التقويم اليولياني ونشوء التقويم الجريجورى المتبع فى أغلب دول العالم اليوم، غدت الكنائس التى تتبع التقويم اليوليانى الشرقى تقيم العيد فى 7 أو 8 يناير فى حين تقيمه الكنائس التى جمعته مع عيد الغطاس على التقويم الشرقي فى 19 يناير رغم قلّة عددها وأبرزها بطريركية الأرمن الأرثوذكس فى القدس، في حين أن بطريركية كيلكيا اعتمدت التقويم الغربى وباتت تقيم عيد الميلاد مع عيد الغطاس فى 6 يناير، المألوف.
الكنائس الأرثوذكسية
وتقيم عدد من الكنائس الأرثوذكسية عيد الميلاد والغطاس بحسب التقويم الجريجورى منها بطريركية انطاكية، القسطنطينية، الإسكندرية، اليونان، قبرص، رومانيا وبلغاريا أما كنائس روسيا، أوكرانيا، القدس، صربيا، مقدونيا، مولدوفا وجورجيا فضلًا عن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وكنيسة التوحيد الأرثوذكسية الإثيوبية فتعتمد التقويم اليولياني في تحديد هذه الأعياد.
وللحديث عن التقويمات السنوية والتعرف أكثر على التقويمات المختلفة واحتفالات أعياد الميلاد، أكد الدكتور محمد غريب أستاذ الشمس بالمعهد القومى للبحوث الفلكية، أنه من خلال متابعة حركة هذا الأجرام السماوية وحسابها اتخذ الانسان منذ القدم هذه الحسابات لتحديد التقويم، موضحا أن التقويم هى الترجمة العربية لكلمة "calendar" أى أول يوم من الشهر.
وأضاف أستاذ الشمس بالمعهد القومى للبحوث الفلكية، فى تصريحات خاصة لليوم السابع ، أن شعوب كثيرة اتخذت تقاويم خاصة بها ومن أمثلة هذه التقاويم "التقويم المصرى الفرعونى "القبطى" - التقويم الميلادى اليوليانى "الجريجورى" – التقويم العبرى – التقويم السريانى – التقويم الرومانى – التقويم الفارسى – التقويم الإغريقى – التقويم البابلى – التقويم الهجرى"، لافتا إلى أن هذا التقاويم وإن اختلفت فى خصائصها الدقيقة عن بعضها البعض إلا أنه يمكن إجمالها عموما فى نوعين رئيسيين أحدهما شمسى أساسه دوران الأرض حول الشمس، والآخر قمرى أساسة دوران القمر حول الأرض، وثالث مختلط يجمع بين التقويمين الشمسى والقمرى.
التقويم القبطى
ومن بين التقاويم التى عرفناها فى مصر وفقا للحسابات التى أعدها معمل أبحاث الشمس بالمعهد القومى للبحوث الفلكية حول التقاويم وتاريخها، التقويم القبطى وهو التقويم الرسمى لطائفة الأقباط الأرثوذكس المعتمد فى عبادتهم ومناسباتهم الدينية وكذلك لاستخدام فلاحى مصر له فى الزراعة ، والثانى هو التقويم الميلادى الجريجورى نظرا لشيوعه فى الحياة المدنية والاقتصادية فى معظم دول العالم ، والتقويم الهجرى وهو تقويم قمرى وله أهمية خاصة فى حياة المسلمين بالنسبة لعبادتهم ومناسباتهم الدينية .
وللحديث عن التقويم القبطى يجب الإشارة أن لقب الأقباط أو القبط فى الأصل كان يطلق على سكان مصر بوجه عام منذ العصور الفرعونية ، واحتفظ الأقباط بالنظام الفرعونى للتقويم المصرى على أساس السنة الشمسية ذات الـ 12 شهرا كل منها 30 يوما ، ولم يأخذ التقويم القبطى بتصحيح التقويم الجريجورى للتقويم الميلادى مما جعل ميلاد المسيح يوافق 7 يناير فى التقويم القبطى 25 ديسمبر فى التقويم الجريجورى.
كما احتفظ التقويم القبطى بأسماء الشهور القديمة التى عرف بها التقويم الفرعونى منذ الأسرة الخامسة والعشرين فى عهد الاحتلال الفارسى لمصر وهذه الأشهر هى " 1 توت – 2 بابه – 3 هاتور – 4 كهيك – 5 طوبة – 6 أمشير – 7 برمهات – 8 برمودة – 9 بشنس – 10 بوؤنة – 11 أبيب – 12 مسرى ".
التقويم الميلادى "الجريجورى"
أما التقويم الميلادى "الجريجورى" فيعتبر هذا التقويم فى الحقيقة تعديلا للتقويم اليوليانى ، ففى سنة 1582 ميلاديا لاحظ البابا جريجورى الثالث عشر بابا الفاتيكان أن الاعتدال الربيعى الحقيقى وقع يوم 11 مارس وليس 21 مارس حسب النتيجة اليوليانية أى أن هناك خطأ بلغ 10 أيام فى الفترة بيت سنتى 325 م و 1582 م .
وكشف الدكتور محمد غريب أستاذ الشمس بالمعهد القومى للبحوث الفلكية، لليوم السابع، أن البابا جريجورى الثالث استدعى الراهب كريستوفر وعهد إليه مهمة تصحيح هذا الخطأ فقام الراهب وقت ذاك بإجراء التعديلات لتصحيح موقع الاعتدال الربيعى وجعله يوم 21 مارس بدلا من 11 مارس، لافتا إلى أنه فى عصرنا الحالى أصبح التقويم الجريجورى هو التقويم الشمسى الشائع فى معظم دول العالم ولكن بعض الكنائس الشرقية مازالت تستخدم التقويم اليوليانى فى حساب تواريخ أعيادها رغبة منها فى الاحتفاظ بالقديم واحتراما لما اتبعه السلف من رجال الدين .
والسنة فى التقويم الجريجورى 12 شهرا وأسماء الأشهر فى هذا التقويم رومانية وهذه الأشهر وما يقابلها باللغة السريانية هى "1 يناير كانون ثان – 2 فبراير شباط – 3 مارس أذار – 4 أبريل نيسان – 5 مايو أيار – 6 يونيه حزيران – 7 يوليه تموز – 8 أغسطس آب – 9 سبتمبر أيلول – 10 أكتوبر تشرين أول – 11 نوفمبر تشرين ثان – ديسمبر كانون أول ".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة