فى حجرة أسمنتية لا تتجاوز مساحتها بضعة أمتار، داخل دولاب خشبى يتوسط أثاثا محطما ورائحة تزكم الأنوف، جلس أحمد ومحمود ذوا الخامسة عشر عاما يحركان رأسهما يمينا ويسارا بشكل مستمر، يسليان نفسيهما ويكتفيان بالنظر حولهما للتعرف على الوجوه التى تتردد عليهما يوميا فى محبسهما، يحاولا القفز خارج حدود هذا الحاجز المهترئ، ولكن الرباط الذى تحرص أمهما على تقييدهما به ليل نهار يحول دون ذلك، فينخرطان فى البكاء كلما أدركا إعاقتهما، وعرفا أنهما لن يقويا على الوقوف أو اللعب مثل بقية الأطفال فى مثل عمرهما.
.jpg)
معاناة أم محمود وأحمد التوأم المصاب بشلل دماغى، بدأت عندما رزقها الله بهما معاقين بسبب حدوث مشاكل أثناء عملية الولادة كغيرها من غالبية سيدات القرى فى ريف مصر، اللاتى يعتمدن إما على جيرانهن لتوليدهن أو ممرضات غير متخصصات فى هذا المجال، فتكون النتيجة دائما إعاقة مواليدهن إما لنقص الأكسجين أو نتيجة زنقة «تعسر ولادة» مثلما تقول أم أحمد ومحمود ذات الخمسة والأربعين عاما ابنة قرية كفر حكيم بمحافظة الجيزة عندما تسألها عن سبب اعاقة طفليها ، تقول الأم وهى تسرد تفاصيل يومها: كنت أستيقظ يوميا فى السابعة صباحا وأحمل واحدا تلو الآخر، وأذهب بهما إلى مركز رعاية الأطفال المعاقين لتأهيلهما حركيا، وبعد أن كنت أتابع حالتهما فى معهد شلل الأطفال وعدد من المستشفيات توقفت عن ذلك لضيق الحال واكتفيت فى البداية بالثلاث ساعات التى يستغرقانها فى المركز 3 مرات أسبوعيا لتأهيلهما للحركة والكلام وذلك قبل أن أتوقف تماما عن تأهيلهم فى الوقت الحالى ونكتفى جميعا بالمكوث فى المنزل .
تحطم أثاث الحجرة التى تسكنها الأم يرجع إلى طفليها اللذين تنتابهما حالة هياج عندما يجدان أى مفروشات أو قطع خشب قائلة: أكثر المشاكل التى تواجهنى معهما هى التبول اللاإرادى وتحطيمهما لأثاث البيت، إضافة إلى أنهما لديهما استعداد لتناول أى شىء أمامهما من حشرات، فئران، أو حتى فضلاتهما.
.jpg)
تتابع أم محمود وهى لا تقوى على تجميع كلماتها بسبب بكائها المتواصل: عندما بلغ أحمد ومحمود بضعة أشهر لاحظت أنهما لا يقويان على الحركة وبدأ كلاهما فى الجلوس فى السنة الرابعة وواصلا الحبو فى السابعة وهى سن متأخرة جدا، ومنذ فترة قصيرة عندما بدأ محمود فى الحركة بعد متابعته وتدريبه فى المركز سقط من على كرسيه المتحرك وحدث له كسر فى الفخذ تطلب تركيب شرائح ومسامير يتم تغييرها كل عشرة أيام بسبب تبوله اللاإرادى على الجبيرة.
توقفت أم محمود عن الذهاب بأطفالها لمركز تأهيل ورعاية المعاقين بسبب توبيخ اهلها المستمر لها ومحاولات إحباطها بحجة أن كل ما تفعله مع طفليها لن يجدى بسبب سوء حالتهما الصحية قائلة : طلب اهلى عدم الخروج بأولادى من باب المنزل وتوفير النقود التى يتم انفاقها عليهما فى جلسات التخاطب والعلاج الطبيعى بحجة ان المحاولات تلك غير مجدية بالإضافة إلى ان خروجهما من باب المنزل لن يجلب لنا سوى نظرات الشفقة .