عصام شيحة

«حقوق الإنسان».. رؤية أولية

السبت، 22 ديسمبر 2018 12:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى إطار الوظيفة الأخلاقية للدولة، تأتى القوانين المحلية، شأن القانون الدولى، مُنظمة لحقوق الإنسان، باعتبارها مبادئ أخلاقية ومعايير اجتماعية تشكل نموذجاً للسلوك الإنسانى، دون أدنى تمييز، جنسى أو دينى أو طبقى أو سياسى... إلخ.
 
ولا شك أن فكرة «حقوق الإنسان» قديمة قدم البشرية، إذ ترتبط بالحياة المشتركة، وما تنتجه من تفاعلات، وما يترتب عليها من حقوق وواجبات. وتطورت الفكرة مع نمو مفهوم «السلطة» وتشعب وظائفها فى المجتمع.
 
ولا يمكن إخراج «حقوق الإنسان» وما تلقاه من احترام وعناية من سياق العلاقات الدولية المعاصرة، وإن لم يمنع ذلك من محاولات «التسييس»، فنراها تنجح أحياناً فى خرق الأمن القومى لدولة ما بدعوى عدم احترامها حقوق الإنسان مع مواطنيها.
 
وهنا يأتى نموذج الولايات المتحدة مناسباً، إذ تتأسس الاستراتيجية الأمريكية على التدخل فى شؤون الدول الأخرى حماية لمصالحها وتحقيقاً لمتطلبات أمنها القومى، بالطبع من وجهة النظر الأمريكية، ويلتزم كل من الحزبين الرئيسيين، الديمقراطى والجمهورى، بهذه الاستراتيجية، مع اختلاف السياسات التى ترسم طريقة «التدخل»، فبينما تتدخل الإدارة الأمريكية «الديمقراطية» اقتصادياً، فتمنع معونات، وتحجب مساعدات، وتوقف كثيرا من التعاملات، وتضع قائمة من المحظورات تواجه بها الدول التى ترى أنها تهدد المصالح الأمريكية. فى حين يكون التهديد بـ«التدخل» عسكرياً إذا ما كان ساكن البيت الأبيض «جمهورياً». وفى الحالتين فإن تهمة إهدار حقوق الإنسان تمثل رأس الحربة الأمريكية الموجهة صوب أعدائها. إذ تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية نفسها حامية القيم والمبادئ الديمقراطية، وصولاً إلى اعتبار هذه القيم والمبادئ قيماً ومبادئ أمريكية بالأساس! وفى فلك تلك الاستراتيجية يدور الصراع الدولى المعاصر بكافة قواه الدولية والإقليمية.
 
ربما فى ذلك إشارة واضحة إلى أهمية «حقوق الإنسان»، ومركزيتها فى النظام العالمى المعاصر، وعليه لا يُعد التزام الدول باحترام «حقوق الإنسان» منحة أو تفضلاً، وليس كذلك من دواعى الرفاهية، بل هو أساس لا يمكن صمود الدولة أمام ما يواجهها من تحديات ومخاطر دون أن تستند إليه، وتتبنى مقتضياته، مهما كلفها ذلك من عناء أو صعوبات، إذ ليس من اليسير أن تخرج أى دولة عن السياق الجامع للأسرة الدولية، ما لم تكن قادرة على دفع الكُلفة»، وهى مرتفعة لا شك، لا يستطيعها إلا كل قوى.
 
والحال كذلك، يتوقف الأمر على ما تمتلكه كل دولة من قوة، ذلك أن نظرية القوة هى الحقيقة الأولى المؤكدة فى العلاقات الدولية المعاصرة. وبقدر ما تمتلك كل دولة من عناصر تدخل فى إطار مفهوم القوة الشاملة، تستطيع أن تواجه ما يعترض طريقها إذا ما تجاوزت فى مجال حقوق الإنسان، وهذه هى حالة الولايات المتحدة، صاحبة معتقل جوانتنامو الرهيب، وحليفة إسرائيل الأولى فيما تمارسه من إرهاب الدولة، ثم إنها فى الوقت نفسه، تتاجر بحقوق الإنسان مع كافة الدول متى ساورتها شكوك فى معاداتها للمصالح الأمريكية.
 
وعلى ذلك يتبين أن «حقوق الإنسان» لها وجه آخر فيما يخص العلاقات الدولية. فليس من شك أن من بين عناصر مفهوم القوة الشاملة للدولة، يأتى عنصر «القوة السياسية» للدولة، إلى جانب العناصر الأخرى مثل القوة الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية والمعنوية والكتلة الحيوية «الأرض والسكان»...إلخ. وتتمحور «القوة السياسية» للدولة حول مقدار ما تمارسه من الديمقراطية.
 
يظهر هنا الشق المحلى لـ«حقوق الإنسان»، إذ إن شرعية النظام الحاكم، سواء كانت شرعية دستورية، أو شرعية إنجازات، تتأسس على الإرادة الشعبية الحرة، باعتبارها جوهر ومنتهى «حقوق الإنسان»، وملائم هنا أن نذكر التجربة المصرية فى صورتها الراهنة، فيمكن القول إن ما انتهت إليه ثورة الخامس والعشرين من يناير، وموجتها التصحيحية فى الثلاثين من يونيو، إنما يأتى مؤكداً على المحتوى الهائل للقوة السياسية للدولة، إذ يأتى النظام الحاكم الحالى كنتاج فعلى للإرادة الشعبية الحرة التى خرجت تنادى على مستقبل أفضل، يهىء موقعاً أفضل للدولة المصرية بين مفردات المجتمع الدولى، ويلبى الطموحات الشعبية المشروعة فى حياة كريمة حرة.
 
ويمتد حديثنا عن «حقوق الإنسان» إلى الأسبوع المقبل بإذن الله.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة