أرسل وديع حداد، القيادى بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من مقره فى العاصمة الصومالية «مقديشيو»، الفنزويلى «كارلوس» عضو الجبهة ومعه فتاة ألمانية إلى بيروت، حسب كتاب «أسرار الصندوق الأسود» للكاتب الصحفى اللبنانى غسان شربل، مؤكدا أن كارلوس نقل رسالة من «حداد» إلى مسؤول فى الجبهة، عن عملية لخطف وزراء منظمة دول «الأوبك» وهى المنظمة التى تضم كبار مصدرى النفط فى العالم، وذلك أثناء اجتماعهم فى مقر المنظمة بالعاصمة النمساوية «فيينا».
يكشف «شربل» فى كتابه، أسرار عمليات خطف الطائرات، وعمليات فدائية أخرى قادها وخطط لها «حداد» منذ ستينيات القرن الماضى وحتى منتصف السبعينيات، وذلك عبر حوارات أجراها مع رفاق «حداد» و«جورج حبش» مؤسسى «الجبهة الشعبية» دون الكشف عن أسماء أصحابها، لأنهم شاركوا فى عمليات الخطف، ويذكرأن المسؤول الذى تلقى رسالة «حداد» فى بيروت سأل كارلوس عن الهدف من عملية «أوبك»، فرد: «إصدار بيان عن النفط»، فقال له المسؤول: «هل يعقل القيام بعملية بهذا الحجم لإصدار بيان ننشر مثله دوريا فى مجلة «الهدف» الناطقة باسم الجبهة؟».. وأضاف المسؤول: «يمكن تبرير العملية مثلا، لو قلتم إنكم تستهدفون تصفية وزير معاد؟، أجاب كارلوس: «أنا أريد ذلك لكن أبو هانى» وديع «لا يريد».. يؤكد شربل: «أرسل المسؤول مبعوثا إلى مقديشيو للقاء وديع واستيضاحه، وعندما عاد أكد أن «حداد» مؤيد لإعدام وزيرين «وزير النفط السعودى»، و«وزير النفط الإيرانى»، فصارح المسؤول، كارلوس بالجواب وتم الاتفاق»، كان الاتفاق هو «إصدار بيان يؤكد أهمية النفط كسلاح فى يد العرب، وإعدام الوزيرين».
وقعت العملية يوم 21 ديسمبر عام 1975، وفيما يذكر «أنيس النقاش» أنه كان قائدها، وكارلوس شريكه، أكد مشاركون فيها لشربل، أن كارلوس هو قائدها، ونفذها بتعليمات من وديع حداد، وكانت التعليمات إليه بالايكشف عن هويته خلال العملية، ويروى كارلوس تفاصيلها فى كتاب عن قصة حياته، أعده الصحفى الفرنسى «لاسلوا لزكاى»، ونشرت «القدس العربى» محاور منه يوم 9 مايو 2017، بالتسنيق مع الكاتب السورى «فاروق مصارع» المشرف على النسخة العربية من الكتاب.
يكشف كارلوس فى سرده لقصة حياته: «بدأت العملية بطلب من الزعيم الليبى العقيد معمر القذافى انتقاما من السياسة السعودية النفطية التى اتهمها حين ذاك بالعمل على خفض أسعار النفط لمصلحة أمريكا، وتم الاتفاق من خلال أحد رفاق كارلوس بالجبهة الشعبية وهو الشاعر القومى السورى «كمال خير بيك»، الذى التقى مع مسؤولين بالمخابرات الليبية آنذاك وهما أبوبكر يونس، ويونس رمضان، واستلم «خير بيك» ثلاثين ألف دولار كمصاريف للسفر، ووعد القذافى بدفع خمسين مليون دولار كتبرع لهم حال اتمام العملية.. كان القذافى وحسب رواية كارلوس يستهدف تحديدا وزيرين هما السعودى «أحمد زكى اليمانى»، والإيرانى «جمشيت أمزغار» وزير الحكومة فى عهد شاه إيران محمد رضا بهلوى، ويذكر، أن «حداد» حذره قائلا: «الليبيون غير جديين، ولايمكن الاعتماد عليهم بالكلام، لكن سنقوم بالعملية على أى حال».. يروى «كارلوس» تفاصيل التنفيذ، مشيرا إلى أنه أدخل السلاح مع مجموعته لقاعة الاجتماع بصفتهم صحفيين ودبلوماسيين، وبعد مقتل أحد الحراس وسيدة نمساوية، تم احتجاز الوزراء فى القاعة.
دام الاحتجاز 24 ساعة، فشلت خلالها كل المفاوضات التى شارك فيها دول وقادة من أجل إطلاق سراح المحتجزين، حتى تم التوصل إلى نقل الوزراء وعددهم 13 وزيرا فى طائرة إلى الجزائر، وهناك قاد عبدالعزيز بوتفليقة وزير الخارجية وقتئذ، والرئيس الحالى، المفاوضات التى انتهت بالإفراج عن الوزراء، وقيل إن هناك فدية تم دفعها مقابل ذلك.
يكشف «شربل» أن هذه العملية تسببت فى الفراق بين حداد وكارلوس، وذلك بعد جلسات لتقييمها تمت بمقر حداد فى عدن «عاصمة اليمن الجنوبى وقتئذ».. يقول: «بعد نحو أسبوعين من العملية غادر كارلوس الجزائر إلى مقديشيو، وتوجه منها إلى عدن، حيث عقد اجتماع ثلاثى دام 12 ساعة، فيه القائد الفلسطينى «حداد»، والشاب الفنزويلى «كارلوس-مواليد 1949».. فى الجلسة الأولى طلب من كارلوس أن يروى ما فعل منذ أن انطلقت العملية، فحكى عن الأيام الأخيرة والاستطلاع والاقتحام ومارافقه، وفى الجلسة الثانية تركز الحديث على الطريقة التى انتهت بها العملية، وتطرقت إلى دور الجزائريين، خصوصا عبدالعزيز بوتفليقة فى الإفراج عن الرهائن».
سئل كارلوس، خلال الجلسات: «لماذا لم ينفذ التعليمات القاضية بإعدام الوزيرين السعودى والإيرانى؟، فأجاب، بأنه رأى أن العملية نجحت، وصدر بيان عن دور النفط العربى فى المعركة، وبالتالى فإنه لم يشعر بضرورة إعدام الوزيرين وتلويث سمعة العملية بالدم، كما سئل كارلوس :لماذا كشف هويته خلال العملية علما بأن التعليمات كانت تقضى عكس ذلك، فرد بأنه لم يكن أمامه أى مجال للإنكار، لأن الحاضرين عرفوه من صورته ولكنته، وسئل عما يتردد عن فدية طلبها، فقال إنه لم يكن هناك أى بحث فى فدية، ولا علم له بما تردد بعد العملية».. يؤكد شربل: «لم تقنع ردود كارلوس الرجل الذى تعهده وأطلقه، فقال له غاضبا: «نحن فى معركة ونخوض قتالا ولسنا فى فريق كشافة»، وطلب منه أن يذهب إلى المعسكر ليرتاح ففعل كارلوس.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة