عصام شيحة

جولة فى المنطقة!

السبت، 01 ديسمبر 2018 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
اليوم أخرج بك عزيزى القارئ إلى محيطنا الإقليمى، نرى كيف يُدار الإقليم، وما تشغله من هموم، وما يضمه من تحالفات ومحاور، ولك أن تنتبه أننا سنواجه هناك سياستنا الخارجية، وما تنهض به من أدوار تخدم المصلحة الوطنية، ولست فى ذلك أبتعد بك عن الداخل، ذلك أن السياسة الخارجية تُصنع بالداخل، وهى بالفعل وليدة ظروفنا الداخلية، وما يعرضه المسرح الداخلى من أحداث، وبإيجاز ننظر فى منطقتنا ونقول: 
 
• النظرة الأولى أجدر بها المملكة العربية السعودية، تملأ عيوننا وقلوبنا ما تتمتع به من قوة اقتصادية وروحانية، تتيح لها تصدر المشهد العربى، لتقاسم مصر ريادتها بثقلها التاريخى المتفرد، وقد زارنا مؤخراً فى طريقه إلى قمة العشرين بالأرجنتين ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان، ذلك الرجل القوى المتطلع إلى تحديث شامل للملكة يتبناه طموح كبير يدرك مفردات الدولة العصرية، سواء من حيث تنوع اقتصادها، وصولاً إلى ما يُعرف باقتصاد المعرفة من خلال استراتيجية سعودية محددة، إلى اهتمام بالغ برأس المال البشرى باعتبار الإنسان بانى الحضارة، وليس العكس، وسياسياً، تحمل المملكة عبء قيادة مجابهة الأطماع الإيرانية فى الخليج، وهو ما تواجهه بالفعل فى اليمن، فليس الحوثى إلا ذراع إيرانية. وهو صراع تأسس على «قسمة» تحمل «قسمات» وروح وفكر الاستعمار، مفادها سُنة وشيعة، ودولة وطنية مقابل خلافة، ومن ثم صراع لا يمكن تفكيكه، خاصة فى منطقة هى مهد الديانات السماوية!
 
• لو خصصت النظرة الثانية للبحث عن أزمة فى المنطقة تحمل آثار غياب مفهوم الدولة بمعناه الصحيح، لخطفتك ليبيا بمجرد لمحة!. ستجدها مكفهرة ممزقة، لكنها حبلى بفرص هائلة، مُثقلة بثرواتها النفطية الضخمة، ونوعية زيتها المفضلة فى أوروبا، وسهولة وسرعة نقله إلى زبائنه فى القارة العجوز، غير أنها ثروة لم تُستثمر يوماً فى تحديث ليبيا، وبنائها على أسس مؤسسية حديثة، وعليه فقد رحل القذافى، وقد كان هو الدولة، والدولة هو!، وغاب الرجل وبقيت فرص الأطماع تنمو وتمتد حتى استطالت فجذبت دولاً أوروبية، وتقزمت إلى حد جماعات مسلحة، وفى الوسط منهما دول تلعب فى «المنطقة» بذيلها القطرى الصغير!. ولا شك أن مصر تعانى الآن جراء قصور نظرتنا إلى ليبيا على مدى عشرات السنين، لم نفلح فيها فى بناء شراكة استراتيجية أراها غاية فى الأهمية لأمننا القومى، والموضوعية تفرض علينا الإقرار بصعوبة الأمر فى ظل حكم القذافى غريب الأطوار، المتقلب سريع الانفعال، إلا أن مصر بالفعل تنتهج الآن نهجاً واثقاً أتمنى أن يُسفر عن تمكين وترسيخ نظام ليبى وطنى يسعى بجدية إلى بناء دولة حديثة، ساعتها يمكن بناء شراكة إستراتيجية مصرية/ليبية، تتجاوز حدود اعتبار ليبيا مجرد دولة يذهب إليها المصريون للعمل.!
 
• وجه نظرتك الثالثة نحو سويسرا الشرق، لبنان، ذلك البلد العربى الذى يحمل قسمات أوروبية، لكن سحره الجغرافى تخذله شؤونه السياسية. فلبنان المُصنف تقليدياً فى الأدبيات السياسية على قمة النظم العربية ديمقراطياً، ما زال يعانى آثار بناء نظامه السياسى على أسس طائفية، ما أنتج حرباً أهلية مزقته فى السبعينيات، ولم تفلح جهود لملمته بعد!. ولطالما عاشت لبنان دون رئيس!، والآن بها رئيس وليس بها حكومة!، منذ انتهاء ولاية حكومة الحريرى الصغير منذ نحو ستة أشهر، وتحولها إلى حكومة تصريف أعمال، بعد إجراء أول انتخابات برلمانية فى لبنان منذ تسع سنوات فى مطلع مايو الماضى!. وفى لبنان ستلتقى فى وضوح بالنفوذ الإيرانى مُمثلاً فى حزب الله الذى اخترق قواعد الدولة المدنية الحديثة طويلاً، ويُصر الآن على الاشتراك فى الحكومة الجديدة، ويناوئ دائماً بسط سيطرة الجيش اللبنانى على كامل الأراضى اللبنانية، فيما يهدد مفهوم الدولة الوطنية، ويحرك الأمور دائماً باتجاه مخاطر حرب أهلية جديدة. والواقع أن الملف اللبنانى جزء من الصراع السنى/الشيعى، شأنه كسوريا منذ «الأسد الكبير»، وكالعراق منذ سقوط نظام صدام حسين، وكاليمن منذ مقتل الرئيس اليمنى السابق على عبدالله صالح. وفى لبنان لن تجد حضوراً سياسياً قوياً لمصر، ربما كان ضعف الروابط الاقتصادية أحد مبرراتها. لا يمنع ذلك من اتخاذ الدبلوماسية المصرية موقفاً يؤكد أهمية استقلال القرار السيادى اللبنانى، وحتمية حماية «الدولة الوطنية» بشكل مبدئى للسياسة الخارجية المصرية.
 
نعود من جولتنا فى منطقتنا، ولنا عودة قريبة، ربما نخرج فيها عن الدول العربية، إذ لا تتوقف الحركة على الساحة الإقليمية، فى استجابة واضحة لمحاولات إعادة ترتيب موازين القوى الإقليمية، لتتسق مع مصالح القوى الكبرى المُحركة لأدواتها وآلياتها بحثاً عن بقاء ونمو مصالحها فى المنطقة، وإلى الأسبوع المقبل بإذن الله.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة