لف الصمت مطار تونس، وكل من فيه يترقب كيف سترد المجموعة التى اختطفت طائرة بوينغ تابعة للخطوط الجوية البريطانية، على كلام الزعيم الفلسطينى صلاح خلف «أبوإياد» الذى وجهه لهم عبر جهاز الإرسال فى المطار يوم 22 نوفمبر 1974.. كان «أبوإياد» هو من يقوم بالمفاوضات مع الخاطفين بطلب من الرئيس أنور السادات، وسافر على طائرة خاصة من القاهرة لهذا الغرض، وكان معه فى المطار وزير الداخلية التونسى «طاهر بلخوجة».. «راجع– ذات يوم 22 نوفمبر 2018».
يتذكر «أبوإياد» فى مذكراته «فلسطينى بلا هوية»، أنه فى صباح يوم 23 نوفمبر «مثل هذا اليوم 1974» دوى صوت رئيس المجموعة ويدعى «مروان» قائلا: «أريد الكلام مع الأخ أبوإياد».. يوضح «أبوإياد» مشاعره وقتئذ: «تنهدت تنهيدة ارتياح، فقد ربحنا نصف المعركة طالما أنهم يدعوننى وللمرة الأولى باسم الأخ»، ويؤكد أنه بدون تضييع الوقت اتصل بالحكومتين المصرية والهولندية ليطلب منهما أن يرسلوا له فى اليوم ذاته الخمسة الفدائيين المعتقلين فى مصر، والفدائييْن المعتقلين فى هولندا.. وهم الذين طلب الخاطفون الإفراج عنهم ضمن 15 فدائيا معتقلا، لكن أبوإياد أكد لهم فى بداية تفاوضه أن ثمانية من الفدائيين لايريدون أن يبادلوا برهائن الطائرة.
يؤكد أبوإياد، أن الطائرة التى أقلت الفدائيين من هولندا هى التى وصلت أولا، إلا أن القنصل الهولندى أبلغه أن الفدائييْن لن يغادرا الطائرة إلا بعد تحرير ركاب الطائرة البريطانية، «أما الخاطفون فظنوا أننا ننصب لهم فى الواقع شَرَكًا فهددوا فى البدء بإعدام الرهائن واحدا واحدا».. يضيف «أبوإياد»: «دعوتهم إلى الصبر، وشرعت فى مفاوضات مملة لأكسب الوقت، إلى أن يصل الفدائيون الخمسة الآخرون من القاهرة».
وصل الفدائيون الخمسة من القاهرة فتشجع أبوإياد على عرض صيغة تسوية يمكن أن تنجح، وكانت: «تذهب المجموعة القادمة من مصر لتلتحق بمجموعة أحمد عبدالغفور، لتطلق بدورها سراح كل ركاب الطائرة، وبعد ذلك يغادر الفدائيان الموجودان تحت رقابة البوليس الهولندى طائرتهما ليصعدا إلى الطائرة البريطانية، ثم يقوم طاقم الطائرة وهم سبعة يحملون جميعا الجنيسة البريطانية بإيصال الخاطفين وصحابتهم إلى البلد الذى يختاورنه بعد استعادة حريتهم».. يكشف أبوإياد، أنه تأكد من تواطؤ الفدائيين الخمسة القادمين من القاهرة معه، «فهم يعرفوننى بالشهرة، ويقدرون المعركة التى أخوضها، كما أنهم فوق ذلك مدينون لى لأننى تدخلت لصالحهم لدى توقيفهم»، ويذكر أنه استثمر هذا الأمر فطلب منهم قبل صعودهم الطائرة أن يقوموا بكل ما فى وسعهم بإقناع الخاطفين بقبول اقتراحه، خاصة أنهم لم يعد لديهم فرصة لفرض وجهة نظرهم، فهم معزولون على الصعيد الدولى، كما تؤكد الإذاعات التى لابد أنهم استمعوا إليها، وأن كل البلدان العربية بما فيها ليبيا والعراق واليمن الجنوبية أدانت المحاولة إدانة قاطعة، ومن جهة أخرى فإن ابتزازهم لن يفضى إلى شىء، لأن جميع الرهائن تقريبا ليسوا بأردنيين ولا بأمريكيين، ولن يقلق أحد لأجل هنود أو باكستانيين أو أى آسيويين آخرين.. يعلق أبوإياد: «ملاحظة ذلك أمر محزن، لكن الأوروبيين لا يهتمون إلا بحياة رعاياهم هم، أما رعايا العالم الثالث فإنهم غالبا ما يعتبرونهم، بل يعاملونهم كما لو كانوا كيانات أدنى من البشر».
يكشف «أبوإياد» أن الخمسة الفدائيين أدوا مهتمهم، واقتضت ساعات.. وأخيرا خرج الركاب وكانوا سبعة وعشرين مسافرا بينهم ثلاثة أوروبيين وأفرج عنهم سالمين معافين، ثم سلم الفدائيان اللذان أفرجت عنهما الحكومة الهولندية إلى مجموعة «أحمد عبدالغفور» دون حوادث، فأصبح هناك ثلاثة عشر فلسطينيا «بينهم الخاطفون الستة» على متن طائرة الخطوط الجوية البريطانية، ومعهم أفراد طاقم الطائرة السبعة، وباتوا مستعدين للإقلاع والذهاب إلى البلد المعين لاستقبالهم.
وقعت مفاجأة لم تكن فى الحسبان، حيث طلب رئيس المجموعة الخاطفة «مروان» أن يتحدث إلى أبوإياد على انفراد، وبالفعل تم تدبير مكان اختير بدقة فى مهبط الطائرات، وبالضبط فى منتصف الطريق بين الطائرة وبرج المراقبة، ووفقا لأبوإياد: «أبلغنى مروان أنه يريد هو ورفاقه الحصول على حق اللجوء السياسى إلى تونس مع ضمانة عدم تسليمهم إلى منظمة التحرير الفلسطينية، ولم يكن بإمكانى أن أقبل دون الرجوع إلى الرئيس بورقيبة الذى رفض رفضا قاطعا، فهدد الخاطفون بتفجير الطائرة بكل من فيها، طاقمها من البريطانيين السبعة، والفدائيون».
كان على أبوإياد التصرف، فاقترح عليه أن يتركوا البريطانيين السبعة، ويصعد بدلا منهم سبعة من معاونيه إلى الطائرة، حتى يصبح هذا الانتحار الجماعى من الفلسطينيين فقط.. يتذكر أبوإياد: «قلت لهم وفروا علينا عار إعدام أبرياء إنجليز»، ويضيف: «كما توقعت فإن الرئيس بورقيبة تأثر لاقتراحى، ولما كان لا يريد أن يكون مسؤولا عن مثل هذه الخاتمة المأسوية، تعهد بتلبية مطالب الخاطفين، وهكذا نجحت».