سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 18 نوفمبر 1869.. «أوجينى» إمبراطورة فرنسا تسرق الأنظار فى ليلة افتتاح القناة.. والخديو إسماعيل يتفنن فى جمع اللذات لآلاف المدعوين الأجانب

الأحد، 18 نوفمبر 2018 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 18 نوفمبر 1869.. «أوجينى» إمبراطورة فرنسا تسرق الأنظار فى ليلة افتتاح القناة.. والخديو إسماعيل يتفنن فى جمع اللذات لآلاف المدعوين الأجانب الإمبراطورة أوجينى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
«كانت ليلة لم تر القرون لها مثيلا، ولن ترى شبيهها الأجيال القادمة»..هى ليلة الثامن عشر من نوفمبر «مثل هذا اليوم» عام 1869، حسبما يذكر ويصف «إلياس الأيوبى» فى كتابه «تاريخ مصر فى عهد الخديو إسماعيل»، والمناسبة كانت «افتتاح قناة السويس بعد عمل استمر عشر سنوات بطول 164 كيلو مترا، وافتتحت للملاحة يوم 17 نوفمبر عام 1869، وأقام إسماعيل لتلك المناسبة الحفلات الفخمة، التى لم يعرف التاريخ احتفالا يدانيها فى الإسراف والتبذير»، وفقا لعبدالرحمن الرافعى فى الجزء الأول من كتابه «عصر إسماعيل».. مضيفا: «يكفيك دليلا على مبلغ ذلك الإسراف أن تعرف نفقات الحفلات، فقد بلغت على أصح تقدير مليونا و400 ألف جنيه، ولا توجد حكومة رشيدة تكلف خزانتها هذا المبلغ الضخم يضيع فى حفلات لا طائل لها فى الوقت الذى استهدفت فيه الحكومة والبلاد لأشد ضروب الضيق المالى».
 
يقدم «الأيوبى» تفاصيل الاحتفال بكل مفارقاته منذ استعداد «إسماعيل» له فور إعلان ديلسيبس يوم 2 أغسطس 1869 بأن افتتاح «الترعة للملاحة العالمية يكون يوم 17 نوفمبر 1869»، و«من مظاهر البذخ، أنه أرسل يستحضر خمسمائة طاهٍ، وألف خادم من فرنسا وإيطاليا ليخدموا الضيوف زيادة على طهاته وخدمة المصريين، وبعث يرجو «ديليسيبس» بأخذ الاستعدادات اللازمة لضيوفه ستة آلاف مدعو، وأنكب على وضع الترتيبات وإصدار الأوامر وتحرير الدعوات التى صمم عليها، وأجاب على دعوته من عواهل أوربا «أوجينى» إمبراطورة فرنسا ابنة الـ43 عاما».
 
حضرت «أوجينى» إلى مصر فى الأسبوع الثالث من أكتوبر، ونظم الخديو برنامجا خاصا لها، وحضر قبل الافتتاح مباشرة وفقا للأيوبى: «فرنتر يوسف إمبراطور النمسا وملك المجر، وفريدرك فلهلم ولى عهد التاج البروسيانى وقرينته ابنة الملكة فكتوريا، وهنرى أمير هولندا والأميرة قرينته، ولويس أمير الهس، ودعا إسماعيل جمهورا غفيرا من رجال الأدب والعلم والفنون والتجارة الكبرى والاستغلال الفنى ومراسلى الجرائد الغربية المهمة، على أن كثيرين ممن لم تكن لهم حيثية ما على الإطلاق، تمكنوا من حشر أنفسهم بوسائل متعددة من الحصول على أوراق دعوة بأسمائهم، ويقال إن عدد هؤلاء المتطفلين زاد على ثلاثة آلاف».
 
يصف الأيوبى طبيعة المشاركة الشعبية فى الاحتفالات قائلا: «كان شاطئ بحيرة التمساح غاصا بالأمم والجماهير والقبائل القادمة من تلقاء نفسها إلى مشاهدة الحفلات والتفرج عليها، أو المرسلة هناك بأمر من إسماعيل، فإنه أراد أن يرى ضيوفه نماذج من الأمم الخاضعة لصولجانه وصورة صغيرة من عاداتها، فأصدر أوامره إلى جميع مشايخ العربان ومشايخ البلدان من الإسكندرية إلى أقاصى السودان بإرسال وفود من قبائلهم وسكان نواحيهم إلى الإسماعيلية فى مظاهر حياتهم اليومية، فازدحمت ضفاف البحيرة بخيم العربان و«عشش» الفلاحين، وأكواخ الأمم السودانية التى كانت تأوى مئات الألوف من البشر والأشخاص مختلفى الألوان، والشكل والملبس والنوم بأولادهم ونسائهم».
 
فى السابعة مساء يوم 17 نوفمبر، وحسب الأيوبى: «بدأ العشاء على مائدة فى رحبات القصر الذى بناه إسماعيل خصيصا لاستقبال ضيوفه، واكتظت الموائد وكثر عددها، وأعد الخديو فى الفضاء حول قصره خيما و«مظال» مدت فيها أيضا موائد، وأكل الجمع من الطعام الفاخر المجهز بمعرفة أمهر الطهاة أكلا هنيئا، وشرب شرابا فاخرا، وتجاوز بعضهم فى ذلك الحد، حتى إنه يروى أن فرنساويا «بطين» نهض عن المائدة التى كان التهم ما عليها، ومر بيديه على بطنه مملسا صديريه الفسيح الأرجاء، وقال مبتسما لصديق له»: «أكلت ثروة ثلاثة فلاحين مصريين».. يضيف «الأيوبى»: «بعد العشاء، أقام الخديو مرقصا، تحت رئاسة «أوجينى»، بذل فيه ما لا يستطيع قلم وصفه من البذخ وصنوف اللذات ودواعى السرور، ورتب فيه مقصفا حوى ألذ ما طاب من صنوف المآكل والمشروبات».
 
يؤكد الأيوبى: «اشترك فى الرقص أصحاب التيجان أنفسهم، وكانوا قدوة لغيرهم فى استمراء لذة تلك الساعات السريعة المرور، فأوجب ذلك منهم استغراب الأقوام الشرقيين المحيطين بالقصر والمظال، لأنهم حتى تلك الليلة كانوا يعتقدون أن الرقص والقصف شأن الراقصات فقط، والسكارى من الرجال فما كادوا يصدقون أعينهم لما أبصروا أوجينى الإمبراطورة العظيمة، وفرنتز يوسف الإمبراطور الخطير، وباقى الأمراء والأميرات وخديوهم نفسه، الرجل الوقور، يرقصون ويمرحون كباقى المدعوين وأكثر، وأبصروا أن السن ذاتها لم تمنع ديليسيبس من أخذ نصيبه من الرقص والملاهى الأخرى.. كان الأمير عبدالقادر الجزائرى موجودا بدعوة من الحكومة الفرنسية لكنه «لم يرقص ولم يقصف وبقى متفرجا فقط متلحفا هيبته وجلاله»، حسب تعبير الأيوبى، مؤكدا: «لم ينس المدعوون ليلة الثامن عشر من نوفمبر، ومافتئوا بعد ذلك يذكرونها أمام أولادهم وحفدتهم»، ويضيف: «قضى الغد الثامن عشر من نوفمبر فى تنزهات على البحيرة، وفى ضواحى الإسماعيلية، ولما عاد المساء، عادت الولائم، وحفلات الرقص والقصف، وعاد إسماعيل إلى سحر عقول ضيوفه بتفننه فى أساليب جمع اللذات تحت أقدامهم، تفننا فاق حد الوصف، وأنست مسرات تلك الليلة مسرات الليلة التى سبقتها».






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة