موسى حوامدة: لكى تكون عربيا جيدًا يجب أن تكون مصريًا جيدًا.. أحببت جمال عبد الناصر حتى حدثت الهزيمة.. ولم أعش طفولتى أبدا.. لا يمكن لشاعر أن يكتب عن وطنه وهو جائع.. وفلسطين بداخلى "حلم"

الأحد، 07 أكتوبر 2018 07:00 م
موسى حوامدة: لكى تكون عربيا جيدًا يجب أن تكون مصريًا جيدًا.. أحببت جمال عبد الناصر حتى حدثت الهزيمة.. ولم أعش طفولتى أبدا.. لا يمكن لشاعر أن يكتب عن وطنه وهو جائع.. وفلسطين بداخلى "حلم" محرر اليوم السابع مع الشاعر الكبير موسى حوامده
كتب محمد عبد الرحمن

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

فى معرض عمان الدولى للكتاب،  كان الرجل يدور مثل نحلة، من ندوة شعرية، إلى لقاء مع المثقفين، تراه فى الجناح المصرى للاطمئنان على أصدقائه المصريين، يعرض خدماته عليهم ويساعدهم إن احتاجوا، قابلته للمرة الأولى، بعدما انتهى من أمسيته الشعرية.

صوته "رخيم" وكأنه لا يزال يلقى قصائده، ثورى فى أحكامه وطباعه، صادق فى تعبيره، وعندما جاء الحديث عن الموت والوطن والطفولة المفقودة، توقف قليلا عن الإجابة كأنه يتذكر.. إنه الشاعر الأردنى الكبير موسى حوامده.

هو أردنى، ذو أصول الفلسطينية، محب وعاشق لمصر، التقيت به، على هامش مشاركة مصر ضيف شرف معرض عمان الدولى للكتاب، وكان معه هذا الحوار:

كتبت أكثر من قصيدة عن الموت، وتنوعت قصائدك عن ذلك المجهول، ما التساؤل التى تبحث عنه فى  قصائدك هذه؟
 

الموت السؤال الأصعب الذى يواجه البشر، نشاهد موت الآخرين، لكن نادرا ما يشعر الإنسان بأن الموت سيأتيه، نحن نرثى كل يوم موتى آخرين، الإنسان لن يرى موته، هذه هي الحقيقة الغائبة التي نتناساها لكنها حقيقة، فأنت تشهد أحبابك يموتون أمام عينيك ولكن الشىء الأهم أنك لا ترى موتك أنت، كما أن الموت لدى مرتبط بعدم وجودى فى مسقط رأسى وأرضى، وأننى لم أعد إلى فلسطين، فغياب الوطن وغياب المكان، إذا هو البديل، البديل هو الموت، والموت هو الفقد، وهو أن تفقد وطنك، وتفقد أهلك، أنا بدأت أفكر كثيراً فى الموت، وأكتب عنه بعد وفاة أمى وأبى فى نفس الشهر من عام 2003.

والموت بالنسبة إلىّ سؤال فلسفى، فما هو سر الحياة، لماذ يولد الإنسان، ثم يرى الحياة، ثم ينتهى بالموت، كثير من الطاقات الإيجابية والشعراء والعلماء، والفنانين والبشر الجميلين سرقهم الموت، إذا نحن فى مشكلة مع الزمن، الزمن هو أكبر لص، يسرقنا دون أن نشعر، الإنسان يوميا فى صراع يومى مع الحياة، لكنه فى النهاية لا يعلم أن النهاية هذا القدر، كتبت مرة "أننى عندما أموت ينتهى العالم على الأقل فى نظرى"، وكلنا إلى زوال، ومهما حاول الإنسان أن يكون لطيفا وكوميديا سينتهى إلى التراجيديا، لذلك ترى المسرح الإغريقى كله مبنى على التراجيديا، وهى الأساس، وليس الفرح.

فى حديثك عن طفولتلك والوطن.. هل تبحث فى قصائدك عن طفولتك المفقودة؟
 

أنا ولدت فى فلسطين وظللت فيها حتى سن الثانوية، ثم خرجت بعد ذلك للأردن، فى سن الرابعة وجدت جزءا من قريتى مدمر، بدأت حينها أعرف معنى "محتل" وأن وطنى مقسم، بدأت أعرف اسم فلسطين، وكنت أعشق اسم جمال عبد الناصر، هذا القائد القادر على تحرير أرضنا، وبعد فترة رأيت قريتى تهدم على يد الجيش الإسرائيلى، ثم رأيت نكسة  1967، وكيف اختفينا، وهذه الطفولة كانت كلها احتلال وضياع وتهديم للبلد، وعندما يكون الطفل صغيرا، ورقة بيضاء  يعنى، تلتصق به الأشياء ولا تمحى، فالتصقت بى هذه الأمور بالطبع، وانتهت الطفولة ولم أعشها ولم أعرف معنى الطفولة.

وماذا عن الوطن؟
 

الإنسان يحتاج إلى وطن لا لكى يتباهى به، ولكن لكى لا تكون لديه هذه العقدة بأن يحب وطنه بخيره وشره أو بعجره وبجره كما يقولون، فينتقده وينفر منه، لأنه موجود، أنا لم تتح لى فرصة ألا أحب وطنى لأنه محتل، تمنيت لو كنت مثل الشعراء الذين يشتمون وطنهم، لأنهم يبحثون فيه عن الأفضل وهو موجود، فالإنسان يبحث عن النقص ويرى النقص، أنا حرمت من هذه النعمة، حرمت أن يكون لى وطن، وطنى متشظى، مفتت، وطفولتى مشتتة، وربما هذا ما جعلنى أتمسك بالكلمات، والكتابة لأنى لجأت إلى الحلم، حتى أستطيع مقاومة الدبابات الإسرائيلية الكاتمة على صدرى بالحلم، وأتخيل أنى "سوبر مان"، بعد الحلم أتجه إلى الخيال، التخيل، وقد ساعدتنى قراءة ألف ليلة وليلة فى تنمية مهارة التخيل، فصرت أتخيل، وصرت بالكلمات أعيد الوطن، وأردد اسم فلسطين، كأني أقول: إن هذا الوطن لم يحتل، فهو موجود، وسيظل وسيصمد.

بصفتك أحد شعراء المقاومة الفلسطينية.. لماذا خف وهج قصائد المقاومة فى السنوات الأخيرة؟
 

الأمة العربية الآن تغيرت، بلغ فيها الانكسار مبلغه في كل النواحي، تجلت فيها الهزيمة، وحدثت هناك تحولات كثيرة فى المجتمعات العريبة، ومنها الابتعاد عن القضايا الكبرى، وقضية الوحدة، وأصبح هم الإنسان العربي، اقتصادى بالدرجة الأولى، او استهلاكي، فالمواطن العربى مطحون بالقروض والغلاء، والانكسارات الكبرى التى حدثت والمد الدينى الذى أصابنا، بجانب خوفنا من المستقبل وغياب الطموح، وغياب الحلم الجمعي، وبالتأكيد صار الشاعر يبحث عن هم الإنسان عن هم الوجود، وصرت أسأل أسئلتى كإنسان.

أفى البدء أنا او أنت إنسان ثم أنا عربى، ثم هناك فلسطين، فلا يمكن أبدا أن أفكر فى تحرير فلسطين وأنا جائع، أو مقهور  ومغلوب على أمري، ولهذا أنا لا ألوم الشعب العربى، وبالتأكيد صار هناك ابتعاد عن قصيدة المقاومة لأننا الآن نبحث عن الخبز، وعن الكرامة والحرية والعدل، وهناك تخريب مقصود من جانب الكيان الصهيونى، بأن يفقد العربى الثقة فى عروبته أولا وفى جاره العربى ثانياً، وحتى فى نفس البلد الواحدة، وصرنا كأننا فى عزلة.

 

وبرأيك ما الدور الذى يقدمه الشعر فى ظل تلك الأزمات؟
 

الثقافة والشعر فقط هما الحصن الأخير وهما من يستطيعان أن ينقذانا ويخرجانا من عنق الزجاجة لنواكب العصر ولنعود إلى قضايانا المصيرية والانسانية وإلى اهتماماتنا بعد خراب التعليم والاقتصاد، لكن الشعر لا يصلح وحده، بل ضمن منظومة أدبية متكاملة فهو ليس استثناء، ولا يصنع وحده حياة، أنت تحتاج إلى  موسيقى، فن تشكيلى، رسم، نحت، رقص، وتريد كل الفنون، وتحتاج قبل ذلك تعليما، تحتاج إلى النهضة أو الثورة التى يجب أن تحدث فى كل مناحى الحياة، لكننا الآن تركنا كل شىء، وأصبحنا نهتم بالسرد والرواية فقط، وإضعاف الفنون الأخرى، إضعاف النقد وإضعاف الشعر وإضعاف كل الفنون الإبداعية والفنية والجمالية، فى صالح نوع محدد هو السرد، فكل إنسان قد يكتب سيرته أي يكتب روايته هو، وهذا فيه عزلة وفردية وذاتية، أضف إلى ذلك سرعة التغير التي تحدث لدينا وسرعة تعاقب الأجيال، دون تكريس جيل معين، وتتابع طبيعي للمجايلة.

أنت تكتب النثر والتفعيلة.. ما الأقرب إليك كشاعر؟
 

أنا بدأت بالتفعيلة والآن أكتب النثر، ولأننى أومن بضرورة تغيير الذائقة العربية، فى النظر للتراث والنظر للشعر، لأن هذه الأذن العربية ما دامت نائمة على الوضع التقليدي في ايقاعات الفراهيدى، مع الاعتذار للخليل بن أحمد، سنظل نائمين، لأن رتم الحياة عندنا بطىء وممل، لكن قصيدة النثر حررتنى من هذا الشىء، النثر جعلتنى حراً أكثر، أفكر أكثر، جعلتنى أكسر التابوهات، جعلتنى أكسر التفاعيل، واتجاوزها، ولابد أن نكسر جميع التابوهات، من أجل تغيير الذائقة وتغيير العقلية السائدة، ولذلك ذهبت إلى النثر، لا للتطريب والتفعيلة، وأنا أستطيع أن أكتب العمودى، والتفعيلة، وأتقن الوزن والعروض، لكنى أومن بضرورة تحول الكتابة الشعرية إلى قصيدة النثر، لأني مقتنع أنه لا بد للشعر العربى أن يكون كتابا مدونا، وليس قصائد تلقى على الجمهور فقط، ولا بد من نقل العالم العربى من المرحلة الشفاهية والحكاواتية، إلى مراحل التدوين والكتابة، لأنها أكثر  رسوخا وأقرب للحضارة والأقرب للنهضة.

صدر لك أربع دواوين فى مصر.. لماذا تحرص على طباعة أعمالك فى القاهرة؟
 

مصر هى الحاضنة الكبرى، وأنا أشعر أن تطورى يجب أن يكون فى مصر، لأن مصر حاضنة العرب كلهم، وهى البلد الوحيد التى لا تضيق بالعرب، وكأن العربي فيها يعود إلى رحم أمه، فهي لا تضيق بنتاجك مثل الأقطار الأخرى، ومنذ الصغر كان أقرب حاجز ثقافى لنا ومنذ وعيت كانت هى مصر، فليس بيننا وبينها سوى صحراء النقب وصحراء سيناء، وتعلمت منذ الصغر معنى أن تكون عربيا جيدا، لابد أن تكون مصريا جيدا فى البداية، لا يمكن أن تكون عربيا، دون أن تحب مصر، وأن تعرف ثقافة مصر، وكتابها ومثقفيها وفنانينها، وفى النهاية أقول لك صرت أرتاح نفسيا للطباعة فى مصر، وحتى الكتاب القادم سوف أطبعه فى مصر، ومصر حاضرة فى كتاباتى  وفى أشعارى، وربما حضرت مثلا في مجموعتي موتى يجرون السماء في كل قصائد المجموعة، ملاحظة أخيرة، أن الشعب المصري يعرف معنى انتمائه لأمته، كما أن المسؤولين في المؤسسات الثقافية يعاملون الكتاب العرب والأردنيين بشكل محترم، وفى النهاية أنا أغلب أصدقائى مصريون، وعندما أذهب إلى القاهرة، لا أشعر بالغربة.

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة