"نهاية الأسمدة الضارة بالإسماعيلية".. مزارع المحافظة بدون "البودريت" القاتل

فى مثل هذا التوقيت من كل العام، كان لا يستطيع أى شخص حتى مجرد المرور بأغلب المناطق الزراعية والقرى والنجوع بمحافظة الإسماعيلية، خاصة قرى مدينة القصاصين الجديدة، بسبب الرائحة الكريهة التى تزكم الأنوف وتلكم الصدور وتسبب إزعاج شديد للمواطنين، ففى هذه الأيام التى تواكب زراعة محصول الفراولة الشهير بالمحافظة، وهو ما كان يصاحبه إقبال الكبير من أغلب الفلاحين على استخدام سماد "البودريت" المحظور استخدامه، حسب تصريحات مسؤلى وزارة الزراعة، وهى الظاهرة التى كانت تهدد حياة المزارع والمستهلك والرقعة الزراعية على حدا سواء.

و"البودريت" هو أحد أسمدة المواد العضوية التى تخرج نتيجة معالجة محطات الصرف الصحى، فتحمل فضلات المراحيض وسوائلها إلى أحواض مكشوفة تخلط فيها بشىء من التراب لامتصاص السوائل ويضاف اليها الجبس الناعم أو حامض الكبريتيك المخفف وذلك لتثبيت ما بالمواد المذكورة من النشادر وتترك الرواسب لتجف ثم تكشط وتعرض سمادًا طينى اللون ويطلق عليه مسميات أخرى مثل سماد المجارى أو قذر البالوعات وذلك لإحتوائه على نتروجين البول الذائب فى الماء والسريع الصلاحية لتغذية النبات، وتصل سعر الحمولة 4 آلاف جنيه.

وأكدت جميع الأبحاث التى أجريت على هذا السماد إنه يتسبب فى إصابة الإنسان بأمراض خطيرة مثل الإلتهاب الكبدى الوبائى وفشل كلوى وأيضًا السرطان فضلاً عن أنه ينذر بهلاك التربة الزراعية.

تراجع المزارعين فى الإسماعيلية عن استخدام "البودريت"، يُعزز فرص مصر، فى إعادة تصدير منتجاتها مرة أخرى بعد أن حظرت بعض الدول منها الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية والكويت وعمان والعراق والبحرين وغيرهم من الدول العربية، منتجات مصر الزراعية من دخول أراضيها، خاصة محصول الفراولة، والذى تسبب فى إصابة مواطنيها بفيروس الكبد الوبائى "A"، وعدم مطابقتها للمواصفات العالمية، واحتوائها على متبقيات مبيدات، وفيروسات مرضية خطيرة.

"اليوم السابع" رصدت تراجع الفلاحين فى الإسماعيلية عن استخدام هذا السماد القاتل، بعد جهود وزارة الزراعة فى التصدى لتلك الظاهرة، بتحرير محاضر للمخالفين، ومصادرة أى كمية كانت يتم ضبطها على رأس أى قطعة زراعية قبل استخدامها، جهود وزارة الزراعة فى الإسماعيلية للتصدى لظاهرة استخدام سماد "البودريت"، لابد أن يُنقل للمحافظات الأخرى التى تستخدمه خاصة القليوبية.

يقول، عبده هاشم، إحدى أهالى مدينة القصاصين الجديدة والتى تشتهر باستخدام الفلاحين هذا السماد، أن الفلاح كان يستخدم هذا السماد لاعتقاده إنه يمكث أكثر فترة فى التربة ويتم تحلله ببط ومن ثم يحقق التغذية المطلوبة للمحصول وتنتشر تلك الأفكار المغلوطة، بين المزارعين، مشيرًا إلى أن هذا السماد كان يأتى من محطات معالجة الصرف الصحى التابعة لشركة مياه الشرب والصرف الصحى، دون رقابة من وزارة البيئة أو وزارة الصحة، مطالبًا الدولة بمنع بيع شركات الصرف الصحى بيع تلك السماد القاتل على حد قوله، لأن هناك فلاحين لا يعلمون مدى خطورة تلك السماد، مؤكدًا أن أكثر الفلاحيين الذين يستخدمونه فى الإسماعيلية بشكل عام، هى مزارعى قرية أم عزام وقرية المحسمة فى القصاصين الجديدة، لكن هذا العام تراجع الفلاحين على استخدامه بسبب الغرامات التى وقعت عليهم العام الماضى، مطالبًا باستمرار التصدى لتلك الظاهرة حتى لا يعود الفلاحين لاستخدامه مرة أخرى.

ويقول، عبد الغنى عليان، مزارع، أن أغلب الفلاحين استخدام هذا السماد نظرًا لمعاناتهم فى الجمعيات الزراعية وعدم توفير الأسمدة الكيماوية وعلى رأسها السماد العضوى المعالج كميائيًا وبذلك يجد الفلاح ليس له خيار ثانٍ إلا استخدام هذا السماد، فى ظل أن سماد الجمعيات الزراعية يذهب من الجمعيات إلى السوق السوداء.

وتابع، "عليان"، سماد "البودريت"، يسبب انتشار الأمراض المزمنة مثل الفشل الكلوى وفيرس سى وبى، مطالبًا الدولة بوضع تلك السماد ضمن الأسمدة المسرطنة التى تظهر أعراضها على المدى البعيد، حتى لا يعودا مرة أخرى لاستخدامه، مشيرًا الفلاحين بحثوا عن المكسب السريع دون النظر إلى خطورته، مطالبًا بتوفير الأسمدة الكيماوية فى الجمعيات الزراعية حتى لا يعود الفلاحين لاستخدام "البودريت" مرة أخرى.

ويقول، محمد حسين، مزارع، إنهم استخدموا البودريت، مجبرين، بسبب قيامهم برى الأرض الزراعية بمياه الترعة، والتى يتم صرف مياه الصرف الصحى وجميع المخلفات فيها ولا تصلح لرى الأراض وليس هناك أى بديل إلا باستخدام هذا السماد لمعالجة ضرر هذة المياه، مطالبًا بقيام وزارة الرى بمعالجة المياه، حتى يستطيعوا البعد عن استخدام هذا السماد الضار.

ويقول، إبراهيم بسيونى، مدير جمعية زراعية بالقصاصين، أن الحكومة قامت بعمل مواتير رفع المياه من مصرف الوادى لإعادتها مرة أخرى لرى الأراضى دون معالجة، مما تسبب فى ضرر كبير للأراضى وفساد التربة وجعل محصول الفراولة الذى هو الزراعة الرئيسية التى تعتمد عليها الدولة ويتم تصديرها للخارج لإدخال العملة الصعبة للبلد تقل نسبة إنتاجه بنسبة 75%، بسبب رى الأراضى بهذه المياه بدلًا من الرى من مياه النيل.

من جانبه قال الدكتور السيد خليل مبارك، وكيل وزارة الزراعة بالإسماعيلية، أن مديرية الزراعة، تصدت بكل قوة العام الماضى للمزارعين الذين استخدموا سماد "البودريت"، وتم تحرير 132 محضرا العام الماضى ضد المزارعين، وتم مصادرة السماد الذى تم ضبطه، كما تم تغريم المزارعين الذى استخدموه، بالإضافة أنه تم التنسيق مع محطات الصرف الصحى بعدم بيع السماد.

أضاف، وكيل وزارة الزراعة بالإسماعيلية، فى تصريحات خاصة لـ "اليوم السابع"، أنه بفضل تصدى المديرية للفلاحين العام الماضى، بجانب عمل ندوات توعية، وتم إرسال تحذيرات للمزارعين من استخدام هذ السماد، لم نرصد هذا العام، أى حالة استخدام لسماد البودريت، وهو ما يعد إنجاز جيد، يحسب للمزارعين الذين تفهموا خطورته، مشيرًا إلى أن "البودريت"، وهو عبارة عن المواد الصلبة من مخلفات الإنسان، معاملة بحمض الكبريتيك أو الجبس الناعم، ويستخدم فقط للأشجار الخشبية، ولا يستخدم فى أى أغراض أخرى فى الزراعة، وخاصة فى الخضروات والمحاصيل الزراعية.

ويقول عربى مجاهد نقيب الفلاحين بالإسماعيلية، أن النقابة نجحت فى عمل ندوات وحملات توعية للفلاحين، وتم كشف أضرار استخدام سماد البودريت، مشيرًا إلى أن استخدام البودريت فى الزراعة يؤثر على تصدير الفواكة والخضراوت والمحاصيل التى تعتمد عليه فى الزراعة حيث أن الدول الأجنبية المستوردة من مصر تقوم بعمل إختبار المنتجات وفى حالة عدم مطابقتها للمواصفات يتم رفضها وهذا يؤثر على الاقتصاد المصرى.