نقلا عن صوت الأمة
لا يمكن أن يحتفي شخص عاقل بعدوّه، أو يتجاهل هذا الاحتفاء لو كان سابقا على تنامي العداوة، لكن في وزارة التنمية المحلية، أو "وزارة حسن البنا"، يبدو أن الأمور تسير على منوال آخر.
حينما فجرنا في "صوت الأمة" ملف شارعي حسن البنا وسيد قطب في مدينة دمنهور، كنّا نتخيل أن الأمر يرتبط بتجاوز من موظف، أو اختراق محدود المدى من الجماعة الإرهابية للإدارة المحلية في البحيرة، ومع قرار محافظ المنيا بتغيير اسم شارع حسن البنا بالمحافظة اعتبرنا أن الاختراق لا يتجاوز المحافظتين. وانحيازا منّا لهذا التصور سعينا لتأكيده عبر البحث؛ لإثبات أن الأمر تتوقف على ثلاثة شوارع في محافظتين، لكن رحلة البحث القصيرة التي لم تستغرق عدّة دقائق كانت صادمة، ووضعتنا أمام مشهد بالغ السيولة والترهل في وزارة التنمية المحلية، إلى حدّ أنه يمكن اعتبارها "وزارة حسن البنا" دون أي تجاوز أو إهانة.
حسن البنا في حشد من أعضاء جماعة الإخوان
9 شوارع في 10 دقائق
في المرة الأولى قادتنا المصادفة لاكتشاف أمر شارعي دمنهور، حسن البنا وسيد قطب. كنّا نتواصل مع مصادر في البحيرة بشأن موضوع صحفي آخر، وخلال الحديث ذكروا اسم شارع حسن البنا، فاسترعى الأمر انتباهنا وتتبعناه.
هذه المرة قررنا أن تنطلق التجربة من الوثائق والأسماء الرسمية. فاستعنّا بتطبيق الخرائط التابع لشركة "جوجل" العالمية، على أن نتواصل مع مصادر من المناطق التي قد نجد فيه شوارع أو حارات تحمل اسم حسن البنا. كان الأمر مفاجئا وصادما بحسب ما كشفته الخرائط، وأكدته مصادر عديدة من هذه المناطق.
خلال رحلة بحث لم تستغرق 10 دقائق، اكتشفنا 9 شوارع في 7 محافظات تحمل اسم مؤسس جماعة الإخوان الإرهابية، ولم نكن في حاجة لأكثر من ساعتين لتأكيد هذه المعلومات من مواطنين وسكان على مقربة من هذه الشوارع.. هكذا بدا واضحا أن الإخوان استباحوا وزارة التنمية المحلية وإداراتها بما يفوق تخيّلنا، إلى حدّ أنهم أطلقوا اسم مؤسس جماعتهم على اثني عشر شارعا في أنحاء مصر، بإضافة شارعي دمنهور والمنيا اللذين جرى تغيير اسميهما مؤخرا.
9 شوارع باسم حسن البنا في 7 محافظات
7 محافظات تحتفي بالإرهاب
في رحلة البحث السريعة قادنا اسم حسن البنا إلى عدّة محافظات، وتجوّل بنا بين القاهرة والإسكندرية والمنوفية والقليوبية والغربية. وإبراء لذمة مسؤولي هذه المحافظات والأحياء التي تضم شوارع حسن البنا العديدة بحثنا عن أية أخبار أو قرارات أو توجيهات خلال السنوات الخميس الأخيرة بتغيير أسماء هذه الشوارع فلم نجد. ربما يُسارع المسؤولون عقب نشر الموضوع بإظهار قرارات بتواريخ سابقة، لكن ما نؤكده أننا لم نتوصل حتى الآن لأي موقف جاد من مسؤولي المحليات.
بدأ المسار من القاهرة، وفيها شارع باسم حسن البنا بمنطقة مساكن الحلمية، وشارع آخر في منطقة المرج البحرية، وتساوت معها القليوبية بشارعين في قليوب والخانكة. وفي الإسكندرية شارع باسم مؤسس الإخوان في إحدى المناطق التابعة لقسم الرمل، بمنتهى البساطة خمسة شوارع في ثلاث محافظات كبرى، العاصمة السياسية وأكبر المحافظات الملاصقة لها، والعاصمة الثقافية التي طالما عُرفت بالتنوير ومحاربة التطرف.
بجانب المحافظات الثلاث، حضرت الغربية بشارع حسن البنا في مدينة المحلة الكبرى، إضافة إلى ثلاثة شوارع باسم مؤسس الإخوان في مركز ناصر بمحافظة بني سويف، ومدينة قويسنا بالمنوفية، ومدينة ميت غمر بالدقهلية. ليصل إجمالي الشوارع التي نجحنا في الوصول إليها عبر "خرائط جوجل"، وأكدت لنا المصادر التي تواصلنا معها حقيقتها، إلى 9 شوارع في 7 محافظات، يقارب تعداد سكانها 38 مليون نسمة، ما يُعني أن التنمية المحلية وإداراتها تُجبر أكثر من ثُلث سكان مصر على التورط في عار الاحتفاء بجماعة الإرهاب ومؤسسها.
اللواء محمود شعراوي وزير التنمية المحلية
تجاوز الدستور والقانون
تنص المادة 179 من دستور مصر الحالي على أن "تعمل الدولة علي حماية الأمن والنظام العام في مواجهة أخطار الإرهاب".. ولعل في مقدمة أخطار الإرهاب أن تُغسل يده أو يجري تلميعه وتسويقه للناس بشكل ناعم. ما يُعني أن وزارة التنمية المحلية وإداراتها التابعة في المحافظات المذكورة، وربما في غيرها مما لم نصل إليه بعد، متورطة في التقصير الفادح فيما يخص مواجهة أخطار الإرهاب ودعم الدولة في جهودها بشأن هذا الملف المزعج.
في 17 أغسطس 2013 أصدر الرئيس المؤقت عدلي منصور قرارا جمهوريًّا برقم 397 لسنة 2013، بوضع جماعة الإخوان على لائحة المنظمات الإرهابية، ومصادرة أموالها ومقراتها وممتلكاتها، ومحاكمة كل من يثبت انتماؤه لها عسكريًّا، على أن يُعمل به من اليوم نفسه. وفي 17 أغسطس 2015 صدّق الرئيس عبد الفتاح السيسي على القانون رقم 94 لسنة 2015 بشأن مكافحة الإرهاب، الذي ينص في مادته الأولى على أن الجماعة الإرهابية هي "كل جماعة أو جمعية أو هيئة أو جهة أو منظمة أو عصابة مؤلفة من ثلاثة أشخاص على الأقل أو غيرها أو كيان تثبت له هذه الصفة" و"تهدف إلى ارتكاب واحدة أو أكثر من جرائم الإرهاب أو كان الإرهاب من الوسائل التي تستخدمها لتحقيق أو تنفيذ أغراضها الإجرامية" وأن الإرهابي هو "كل شخص طبيعي يرتكب أو يشرع في ارتكاب أو يُحرّض أو يُهدِّد أو يُخطِّط في الداخل أو الخارج لجريمة إرهابية بأية وسيلة كانت، ولو بشكل منفرد، أو يساهم في هذه الجريمة في إطار مشروع إجرامي مشترك أو تولى قيادة أو زعامة أو إدارة أو إنشاء أو تأسيس أو اشترك في عضوية أي من الكيانات الإرهابية" وهو ما ينطبق على جماعة الإخوان ومؤسسها حسن البنا.
بالنظر إلى النص الدستوري والقرار الجمهوري المذكور وقانون مكافحة الإرهاب، لا يمكن التعامل مع الأمر إلا باعتباره استهانة من التنمية المحلية بالقانون والدولة ومؤسساتها، وتقصير في مكافحة الإرهاب، وإهانة مفتوحة لدماء الشهداء وجهود الدولة المتواصلة لحصار الإرهاب الإخواني. والمؤسف أن هذه الفضيحة واسعة المدى تتمدّد في أكثر من 25% من محافظات مصر، وتطال آثارها السيئة أكثر من ثُلث سُكّانها، وما زالت الوزارة ومسؤوليها وإداراتها وموظفيها "ودن من طيب وودن من عجين"، وحتى في الحالتين اللتين اتُّخذ قرار بشأنهما، في البحيرة والمنيا، كان الأمر استجابة لما أثارته "صوت الأمة" وتابعته وسائل إعلام أخرى بعدها، وليس مبادرة من الوزارة أو القائمين عليها.
الرئيس السابق المستشار عدلي منصور
متى يتدخل الوزير؟
إذا كُنّا بالمصادفة والبحث السريع قد اكتشفنا اثني عشر شارعا بتسع محافظات في أقل من أسبوعين، منها أحد عشر شارعا باسم حسن البنا وشارع باسم سيد قطب، فإن المنطق وطبائع الأمور يؤكّدان أن مزيدا من البحث والتحرّي قد يكشف ما هو أفدح وأكثر كارثية.
في القاهرة ما زال شارع مهم في أحد أبرز أحيائها يحمل اسم المجرم العثماني سليم الأول، الذي احتل مصر في الربع الأول من القرن السادس عشر، وقتل آخر سلاطين المماليك "طومان باي" ومثّل بجثته، ورغم إصدار محافظ القاهرة قرارا في فبراير الماضي بتغيير اسم الشارع، ما زالت الأمور على حالها حتى الآن، اللافتات وبطاقات السكان وأوراقهم والسجلات التجارية وعناوين المحلات والشركات والمؤسسات الرسمية والأهلية الكائنة بالشارع على حالها. ولا تُلقي العاصمة بالاً للهوية الوطنية وتاريخ هذا البلد، ولا تستشعر أن في الاحتفاء بالغزاة والقتلة الذين استباحوها أية إهانة أو خروج على المنطق.
الكارثة نفسها في ملوي بمحافظة المنيا. ففي الوقت الذي غيرت فيه المحافظة اسم شارع حسن البنا إلى عمر بن الخطاب، تضم مدينة ملوي شارعًا باسم السلطان سليم الأول (القاتل العثماني) كان اسمه شارع عمرو بن العاص وجرى تغييره قبل سنوات. وقالت مصادر بالمدينة إن شارعًا في منطقة الطوخي بـ"ملوي" يحمل اسم الإسلامبولي قاتل الرئيس الراحل أنور السادات (لم يتسنّ لنا التأكد من المعلومة حتى الآن). وفي أنحاء مصر هناك شوارع بأسماء شخصيات أضرت بهذا البلد أو شوّهت وجهه الحضاري واستباحت حُرمته. وفي الوزارة المعنية بهذا الأمر ما زال النوم سيد الموقف.
لماذا لا يبادر اللواء محمود شعراوي، وزير التنمية المحلية، بالخطوة الأولى في ملف تنقية شوارع مصر من الأسماء المهينة لحاضر مصر وتاريخها؟! لماذا لا يُوجّه بتشكيل لجنة عليا موسّعة لحصر أسماء الشوارع في المحافظات والمدن والقرى بأنحاء مصر، واستبعاد ما لا يتناسب منها مع اسم مصر، أو يُشكّل إهانة مباشرة لها؟!.. لماذا لا يسدّ الوزير الثغرات التي سمحت لنا باكتشاف 9 شوارع تحمل اسم حسن البنا في 7 محافظات بعد 10 دقائق فقط من البحث، ما يُعني أن الكارثة أكبر من الاستيعاب والتصور؟!.. هل يستعيد اللواء شعراوي وزارته من قبضة الإهمال والترهل والاختراق الإخواني، أم تظل "وزارة حسن البنا" وكل أعداء وخصوم مصر؟!
شارع حسن البنا في الخانكة بالقليوبية
شارع حسن البنا في المحلة الكبرى بالغربية
شارع حسن البنا في المرج البحرية بالقاهرة
شارع حسن البنا في قسم الرمل بالإسكندرية
شارع حسن البنا في قليوب بالقليوبية
شارع حسن البنا في قويسنا بالمنوفية
شارع حسن البنا في مركز ناصر ببني سويف
شارع حسن البنا في مساكن الحلمية بالقاهرة
شارع حسن البنا في ميت غمر بالدقهلية
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة