عصام شيحة

الأمن القومى.. تحديات وفرص «2»

السبت، 20 أكتوبر 2018 06:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى مقالنا السابق، أكدنا على أن طبيعة قضايا الأمن القومى أنها دائماً حبلى بالفرص التى تكافئ، أو ربما تزيد، على ما تحمله من تحديات. واستعرضنا عدداً من التجارب الدولية فى هذا الشأن تأكيداً لهذه الفكرة؛ إذ رأينا اليابان وألمانيا وسنغافورة، وغيرهم كثيرا، حولوا ما واجههم من تحديات ضخمة إلى فرص أسهمت بقوة فى رفعة اقتصادهم، حتى بلغوا ما بلغوه من تقدم لافت يكاد يكون من العدم، إلا من العزيمة والإصرار على النجاح والقدرة على تحويل الواقع المرير إلى مستقبل مزدهر يقدم نموذجاً للمجتمعات الراغبة فى اللحاق بفرصتها فى التنمية والتقدم.
وفى سبيل ذلك استعرضنا تحديات تواجه أمننا القومى، الإرهاب، سد النهضة، محور إيران وتركيا وقطر، فضلاً عن الأوضاع فى ليبيا وما تصدره لنا من مشكلات ضخمة، وأشرنا إلى ضرورة استنباط الفرص المتاحة فى هذه التحديات.
واليوم أستعرض مع القارئ العزيز، مجموعة من التحديات التى تواجه الأمن القومى المصرى، ونشير إلى ما بها من فرص لا يمكن التفريط فيها. فأقول:
■ الزيادة السكانية الهائلة، لم يعد مقبولاً تناولها بحديث بسيط من نوعية «الصين أكثر من مليار نسمة، والهند كذلك....»، فليس من شك أن لكل دولة ظروفها، ومصر تعيش على مساحة صغيرة من مساحتها الكلية، ربما لا تزيد عن 7%، على أقصى تقدير، والباقى صحراء فى حاجة إلى أموال ضخمة لتعميرها، إذ العمران ليس مجرد مساكن، وإنما خلق حياة متكاملة المرافق والخدمات، ومد شبكات كبيرة من خطوط المواصلات، وغير ذلك كثير. ويكفى ما ذكره الرئيس السيسى مرات ومرات من أن سوق العمل يستقبل مليون شخص سنوياً، ما يجعل من حل مشكلة البطالة لا يتجاوز موقعه إلا بصعوبة تامة، والحق أن المشروعات الضخمة التى توسعت فيها مصر فى عهد الرئيس السيسى هى المسؤولة عن انخفاض نسبة البطالة، ولكن بنسبة بسيطة بسبب الزيادة السكانية.
أين الفرص هنا؟ الفرص فى حتمية النجاح فى إنجاز استراتيجية وطنية لمجابهة الزيادة السكانية، وهو أمر لو تحقق لربما كررناه فى مجالات أخرى، بعد أن اعتدنا لعقود طويلة على الخطط قصيرة الأجل التى تتغير بتغير المسؤول، أو عند أى نقد يوجه لها! أو أى صعوبات تواجهها، وباستثناء التعليم الذى أراه أولوية قصوى لا يعلو عليه، أرى أن نضع الزيادة السكانية فى موقعها الصحيح، ونطرح أفكاراً سبقتنا إليها دول حاربت الزيادة السكانية، والأمر يحتاج جرأة وشجاعة، فلا بطاقات تموين مدعمة لمن لديه أكثر من طفلين، ولا تعليم مجانى لأبنائه فوق الطفلين، إلى آخر الحرمان من حقوق كثيرة تمنح دعماً، أراه غير مستحق، بما يسببه من مشكلات للوطن، فى مجالات متعددة، الصحة وخدمات المرافق... إلخ.
■ السياحة الروسية، تعود أو لا تعود، حديث يعلو ويخفت كلما حضرت روسيا فى أجندة الدبلوماسية المصرية، والحق أن السياحة الروسية موجودة، لكن الرحلات الشارتر بين روسيا والغردقة وشرم الشيخ متوقفة، وهى التى تشكل النسبة الأكبر من السياحة الروسية لمصر.
الفرص هنا، معروفة، ونتحرك فى اتجاهها بالفعل، لكن ببطء شديد، ودون رؤية واضحة، لا سبيل أمامنا إلى تنويع مصادر السياحة، مثلما فعلنا مع التسليح، وعلاقاتنا الدولية عموماً، وهى رؤية يمتلكه الرئيس السيسى، وكعادتنا نكتفى بالإشادة بها، دون أن يتخذها كل مسؤول نموذجاً يقتدى به، ومصادر السياحة الضخمة معروفة، أهمها الصين، واليابان، وغيرها من الدول التى أشعر أننا لم نضعها بجدية فى دوائر اهتمامنا، مكتفين بالسعى خلف الدب الروسى.
■ السودان، سيظل عمقاً استراتيجيا لأمننا القومى بحكم الجغرافيا والتاريخ وغيره من عوامل الأهمية داخل منظومة الأمن القومى المصرى. ودون مواربة ينبغى أن نعترف بأن العلاقات المصرية / السودانية لا ترقى إلى أهمية كل منهما للأخرى، وأرى أن الخطأ يتركز فى جانبنا، ويسعى الرئيس السيسى نحو تنمية هذه العلاقات، لكننا لم نبلغ بعد المستوى المطلوب.
والفرص كبيرة جداً لو نجحنا فى تحقيق شراكة حقيقية مع الجانب السودانى، معها ترتفع حركة التجارة البينية، ونجابه ما تسببه الحدود السودانية من مخاطر على أمننا القومى، هذا إلى جانب تنمية العلاقات الاقتصادية نستغل بها ما تملكه السودان من فرص واعدة فى مجالات متعددة، وغير ذلك سيظل السودان مصدر تهديد لا مصدر دعم لأمننا القومى، وعلينا أن نتذكر أن السودان لم تكن أقرب إلينا من إثيوبيا أثناء مفاوضات سد النهضة، إذ ما زلنا لم نقدم للسودان ما يستحقه من اهتمام وتركيز، مع ضرورة المواجهة لملفات بعينها بيننا، لعل أهمها ملف حلايب وشلاتين.  
  لم تنته تحديات الأمن القومى، فإلى مقال مقبل بإذن الله. 
 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة