سعيد الشحات يكتب:ذات يوم.. أكتوبر 1891حكمدار الغربية يتخفى فى زى تاجر قطن للقبض على «النديم» فى «الجميزة».. والعمدة ينكر وجوده

الثلاثاء، 02 أكتوبر 2018 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب:ذات يوم.. أكتوبر 1891حكمدار الغربية يتخفى فى زى تاجر قطن للقبض على «النديم» فى «الجميزة».. والعمدة ينكر وجوده النديم

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تنكر وكيل حكمدار مديرية الغربية فى زى تاجر قطن، وذهب إلى قرية «الجميزة» ليلا يوم 2 أكتوبر- مثل هذا اليوم- عام 1891، على رأس فرقة من الجند طوقت القرية للقبض على الشيخ إبراهيم الشهاوى، وطلب وكيل الحكمدار من عمدة القرية أن يدلهم على بيت «الشهاوى» فأنكر العمدة وجود هذا الاسم فى قريته، حسبما يؤكد الدكتور على الحديدى فى كتابه «عبدالله النديم.. خطيب الوطنية».
 
كان «الشهاوى» هو فى الحقيقة «عبدالله نديم» الذى انتحله، وذلك ضمن أسماء عديدة كان ينتحلها منذ اختفائه بعد هزيمة الثورة العرابية فى «التل الكبير» 13 سبتمبر 1882، ووفقا لقوله هو فى العدد الأول من مجلته «الأستاذ»- 24 أغسطس 1892: «درت البلاد متنكرا أدخل كل بلد بلباس مخصوص، وأتكلم فى كل قرية بلسان يوافق دعواى التى أدعيها من قولى أنى مغربى، أو يمنى أو مدنى، أو فيومى، أو شرقاوى، أو نجدى، وأصلح لحيتى إصلاحا يوافق الدعوى أيضا، فأطيلها فى مكان عند دعوى المشيخة، وأقصرها فى آخر عند دعوى السياحة مثلا، وأبيضها فى بلد، وأحمرها فى قرية، وأسودها فى عزوبة «عزبة»، ورأيت من رجال المروءة والهمم من لم يكونوا فى حسابى».
 
هكذا يلخص «نديم» طريقة اختفائه، وبدأها فى قرية «منية الغرقى» بالمنصورة، ثم انتقل بعد حوالى أربعة أشهر إلى «العتوة القبلية» بالقرب من طنطا ليختفى عند عمدتها، باسم الشيخ يوسف المدنى، ثم انتقل إلى بلدة «كوم الطويل» التابعة الآن لمحافظة «كفر الشيخ» وقضى فيها ثلاثة أعوام، ثم إلى «القرشية» فى «عزبة المنشاوى باشا» باسم «الشيخ على اليمنى»، من أهل اليمن، وأخيرا فى الجميزة باسم «إبراهيم الشهاوى».
 
وباعترافه، كان «رجال المروءة والهمم» هم حراسه، وحسب سيرته الروائية «العودة إلى المنفى» تأليف أبوالمعاطى أبوالنجا: «فى قلب الريف كان الشيخ «شحاتة القصبى» شيخ الطرق الصوفية وصديقه القديم يوشك أن يكون دولة مستقلة، دولة يمكن أن تبسط حمايتها على نديم، وتتصدى للحكومة والإنجليز معا، كان القصبى يرشح له الأماكن، ويبعث برجاله لمتابعته.. أما «عمدة العتوة القبلية كان بحكم منصبه أحد الذين كلفتهم الحكومة بالبحث عن نديم وتسليمه، ولكنه بحكم ولائه للقصبى أصبح أحد حماة نديم.. وحين مات العمدة بكاه كثيرا وانتابته الهواجس فضلا عن الأحزان، وتقدم منه أكبر أبناء العمدة، وكان صبيا فى الخامسة عشرة وبلهجة متعثرة قال له: «قبل أن يموت أبى لم أكن أعرف حقيقتك، ولكن أمى الآن أخبرتنى أنك «عبدالله نديم» الذى تبحث عنه الحكومة، وسألتنى: «هل سأكون مثل أبى فى حمايتك»؟، وأحب أن تطمئن ياسيدى إلى أننى سأكون.. وضمه نديم إلى صدره فى حنان».. وبعد أيام من وفاة العمدة فوجئ برجلين يتسللان إلى حجرته فى حياء، وعرفاه بنفسيهما: «أخوك الشيخ خليل مأذزن القرية، وهذا أخى الحاج شاذلى حلاق الصحة، ثم تابع الشيخ خليل حديثه: ياسيدى لو كنا نعرف من أنت لجئنا من وقت بعيد، وشرف عظيم لنا أن نكون فى خدمة مثلك، ولقد طلبت منا سيدة البيت أن نتردد عليك لنملأ بعض ما ترك المرحوم من فراغ قد تجده، ولنكون تحت أمرك فى كل ما تريد.. وحين غادر مخبأه الأول فى «منية الغرقى» فوجئ بمأمور شركسى يعترض طريقه.. قال له المأمور: «لاتحاول أن تنكر نفسك فأنا أعرفك، أنت عبدالله نديم».. ولم يصدق عينيه حين أشار له المأمور ليأخذ فى مسيرته طريقا آخر، حتى لا يلتقى بالقوة التى تتبع المأمور، ولم يصدق نفسه حين قدم له المأمور كل ما معه من نقود ليستعين بها فى مواصلة هروبه».
 
هؤلاء هم مصر الحقيقية وليس حسن الفرارجى ابن الجميزة الذى أوشى بنديم، وهو وفقا للحديدى: «كان قبل أن يحال إلى المعاش من جنود البوليس السرى الذين اشتركوا فى البحث عن النديم»، وكان له حقل خارج القرية ذهب إليه يوما، فوجد رجلا يقرأ فى كتاب، ويجلس معه مأذون القرية، وبعيدا عنهما يجلس خادمه، وحين اقترب «الفرارجى» غطى الذى يقرأ وجهه بطرف ثوبه، فاشتبه الجاسوس السابق فيه، وسأل الخادم عنه، فأجاب بأنه شيخ جاء ليقرأ العلم، ثم تهرب الخادم من أسئلة المخبر فتزايد الشك فى قلبه.
 
واصل «الفرارجى» مراقبة النديم كل يوم على البعد، حتى تأكد من خبراته السابقة أنه شخصية كبيرة هاربة، فتقدم إلى «المعية السنية» بعريضة ادعى فيها أن الهارب من العرابيين، فزودته «المعية» بصورة للنديم، ثم عاد إلى حلقات الدرس مبديا إعجابه بالشيخ وعلمه، وظل يتحقق عن قرب من ملامحه حتى تأكد أنه هو «النديم» بالرغم من تغيرات الزمن على وجهه، فسارع إلى القاهرة ليبلغهم، حالما بالفوز بمكافأة الألف جنيه التى أعلنت عنها الحكومة من قبل لمن يرشدها عن «نديم».
 
صدرت الأوامر بالقبض على نديم، وخرجت الحملة من مديرية الغربية للقبض عليه، وتقدم «الفرارجى» بطلب للحصول على المكافأة، لكنه حصل على خيبة الأمل، فلم يكن يعلم أنها كانت موقوفة بعام واحد فى حين مر أكثر من تسع سنوات.
وتواصلت الأحداث فى اليوم التالى.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة