د. إبراهيم نجم

ماذا بعد المؤتمر العالمى للإفتاء

الجمعة، 19 أكتوبر 2018 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

انتهاء أعمال وفعاليات المؤتمر العالمى الرابع للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، والذى انعقد فى القاهرة خلال الأيام الماضية، تحت عنوان (التجديد فى الفتوى بين النظرية والتطبيق)، اكتملت الصورة المشرقة التى ظهرت على أرض مصرنا الحبيبة، من خلال مشاركة فعالة لجمع كبير من العلماء وحملة الشريعة، والقائمين على دور وهيئات الإفتاء فى العالم، وجمع من المتخصصين فى المجالات المختلفة ورجال السياسة والفكر والثقافة، ساهموا بجهدهم وفكرهم فى نجاح المؤتمر التاريخى الذى انعقد تحت رعاية كريمة من عبد الفتاح السيسى رئيس جمهورية مصر العربية.

 

وقد شهدت أيام المؤتمر نشاطًا مكثفًا ولقاءات متعددة وورش عمل كثيرة، دارت محاور عملها حول هدف رئيس وهو وضع التصور العلمى المتكامل الجامع بين الجانب النظرى والعملى لمجالات التجديد الإفتائى، والكيفية التى يتم من خلالها تحقيق التطوير والتجديد على أرض الواقع فى هذا المجال المهم الذى يتغلغل فى جميع نواحى الحياة.

 

وقد وفق الله سبحانه وتعالى القائمين على المؤتمر والمشاركين فيه إلى تحقيق الهدف المنشود، وتوج أعمالهم بنتائج طيبة تصب فى صالح البشرية عامة وأمة الإسلام خاصة. يتضح ذلك من خلال النتائج العظيمة التى أثمرها هذا المؤتمر، والتى تنبأ عن عدم انفصال قيادات الأمة ومفكريها عن واقعهم، ووعيهم بمستجدات العصر، والكيفية التى يتم من خلالها علاج مشاكل الأمة من خلال مجال الإفتاء.

 

فمن هذه النتائج ظهور المبادرات المتكاملة التى تسهم فى تطوير المجال الإفتائى، كالإعلان عن تكوين وإنشاء "المؤشر العالمى للفتوى"، والذى يهدف إلى تكوين تصور علمى وعملى صحيح للمشهد الإفتائى فى العالم كله، وذلك من خلال رصد الفتاوى الصادرة فى العالم أجمع والقيام بتحليل وتقويم الخطاب الإفتائى وملاحظة اتجاهاته، على أن تصدر نتائجه كل ثلاثة أشهر، بما يثمر وجود الرؤية الكاشفة التى تساعد أصحاب القرار على تقويم الواقع والقيام بما يناسبه من إجراءات.

 

ويتبع هذا الرصد والتقويم توصيات وتوجيهات ومقترحات يتم نشرها بين هيئات ودور الإفتاء وجميع المختصين بأمر الفتوى، وجهات عديدة من دوائر الأبحاث النفسية والاجتماعية والإنسانية التى يرتبط نشاطها بقضايا الإفتاء، وكذلك المؤسسات المدنية المعنية بما يصدر من الفتاوى. ولن تكون مظاهر ونتائج هذا المؤشر مقتصرة على اللغة العربية فقط بل سوف تتم ترجمته إلى لغات عديدة ليتم الاستفادة منه بصورة عالمية، ولا شك أن ذلك الرصد والتقويم يسهم فى تصحيح المسار الإفتائى بما يناسب العصر، ويبتعد به عن أى فكر متطرف بما يحققه من حصار الفتاوى الشاذة، وصدور البيان العلمى الشرعى الصحيح من الجهات الرسمية الذى يفندها ويبين وجوه بطلانها.

 

وكذلك من الثمار الطيبة للمؤتمر هذا العام الدعوة الجادة "للميثاق العالمى للفتوى"، والذى يهدف إلى تكوين مدونة متكاملة جامعة للمعايير العلمية والأخلاقية للمجال الإفتائى، وآليات إصدار الفتاوى، وآداب المفتى ومكونات شخصيته العلمية، بما يحقق تفعيل دور الفتوى فى البناء الحضارى ويمكنها من أداء دورها الإيجابى. ولا شك أن هذه المبادرة خطوة نحو تكوين منهج احترافى متخصص يضبط عملية الفتوى ويخرج بها عن حالة الفوضى.

 

وقد أعلن المؤتمر عن الوسائل التى يتم من خلالها العمل على تفعيل هذا الميثاق وصبغته بصبغة الواقعية؛ وذلك عن طريق نشره بين أعضاء الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم كمرجعية موحدة معتمدة، والعمل على نشره بعد ذلك فى جميع الهيئات والمؤسسات المعنية بأمر الإفتاء فى العالم أجمع ليصبح مرشدًا ومعينًا لوضع المواثيق التى تحد من ظاهرة الفوضى الإفتائية، وتسهيل ذلك كله عن طريق البدء فى وضع خطوط عريضة للاستعانة بالبرامج الإلكترونية التى تسهل تفعيل هذه الميثاق وانتشاره فى العالم أجمع.

 

ولا شك أن هذه الخطوة من أفضل المجالات التجديدية التى تنقل مجال الإفتاء نقلة حضارية؛ حيث إنها تقوم على توحيد المرجعية بما يقضى شيئًا فشيئًا على ظاهرة صدور الفتاوى الشاذة والباطلة.

 

ولم يغفل المؤتمر الجانب العلمى التأصيلى الذى ينير الطريق لتجديد المجال الإفتائى، وذلك عن طريق تكوين الشخصية الإفتائية المدركة والمحيطة بطرق ومناهج وتجارب الإفتاء المختلفة، وقد تم ذلك عن طريق ابتداء صدور موسوعة "جمهرة أعلام المفتين"، والتى يتم من خلالها إيراد نماذج المدارس الإفتائية المختلفة وبيان خصائصها، وبيان طرق الفتوى ومناهجها فى العصر الحديث، وعرض تجارب السادة العلماء والمفتين فى مواجهة الوقائع والنوازل والمسائل والقضايا، بما يخلق شخصية علمية إفتائية مطلعة تجمع خبرات السابقين وتحقق الإفادة منها بما يمكن أن تستلهمه من تجاربهم.

 

وقد ظهر من هذه الموسوعة ثلاث مجلدات كمرحلة أولى، تضمنت تجارب أصحاب الفضيلة من الذين تولوا مسئولية دار الإفتاء المصرية بدءًا من فضيلة الشيخ حسونة النواوى الذى تولى الإفتاء عام 1895م، إلى فضيلة الدكتور شوقى علام الذى تولى مسئولية الإفتاء عام 2013م. ويتبع هذه المرحلة مراحل أخرى بحيث تتضمن الموسوعة تغطية أعلام المؤسسات الإفتائية فى العالم كله وعرض تجاربهم العلمية والعملية فى مجال الإفتاء.

 

وقد ظهرت من المؤتمر الكريم مبادرات أخرى تصب كلها فى جانب التجديد والتطوير، وتحقق الارتقاء بجانب الإفتاء وتعمل على تفعيل دوره فى مجال التنمية ورعاية مصالح البشر والتغلب على المعوقات التى تعيق تحقيق معانى السماحة والرحمة. فمن إنجازات ومبادرات المؤتمر هذا العام إصدار دليل إرشادى متكامل يمثل المرجع العام للمؤسسات الإفتائية، إنشاء المنصة الإلكترونية بعدة لغات تعنى بتقديم نماذج علمية متكاملة للتطوير والتجديد، انطلاق البرنامج التأهيلى للمتصدرين للفتوى، ظهور إصدار علمى متكامل باللغة الإنجليزية يعتنى بتفنيد أفكار وأطروحات التيارات المتطرفة، صدور أعداد جديدة (الرابع والخامس) من مجلة الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء.

 

ولا شك أن الأمانة العامة بما تمثله من ثقل عالمى ملحوظ سوف تعمل على تفعيل كل نشاطات وتوصيات المؤتمر كبرامج عمل وتدريب وتطوير وتجديد فى كل ما يتعلق بقضايا الإفتاء المعاصرة، وهى بدأت عملها فى تنفيذ هذه البرامج.

 

ولا نملك إلا توجيه الشكر لكل من ساهم فى نجاح هذا المؤتمر الكريم وأن ندعو الله عز وجل أن يجزيهم على ذلك خير الجزاء.

 

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة