المستشار الأكاديمى للمفتى: تجديد العلوم الشرعية واجب بعد انحراف البعض

الثلاثاء، 16 أكتوبر 2018 02:06 م
المستشار الأكاديمى للمفتى: تجديد العلوم الشرعية واجب بعد انحراف البعض الدكتور مجدي عاشور المستشار الأكاديمي لمفتي الجمهورية
كتب لؤى على - إسماعيل رفعت - تصوير أحمد معروف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

قال الدكتور مجدى عاشور، المستشار الأكاديمى لمفتى الجمهورية وأمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إن الاهتمام بقضية التجديد والإحياء فى العلوم الشرعيَّة من جهة المناهج ومن جهة الأدوات والوسائل هو واجب الوقت، وذلك باعتبار أن قطاعًا من الأمة ليس بالقليل قد اعتوره خلل وانحراف فى طريقة فهمه وتفكيره لهذا الدين الحنيف فذهب البعض بالأمة مذاهب الشدة والإفراط، فى حين ذهب الآخر بالأمة موارد الانحلال والتفريط.

 

وأوضح عاشور، أنه لذلك كانت الأولوية فى معالجة الحالة الدينية من خلال بعث معالم التجديد والإحياء فى كافة مناحى الحياة لهذه الأمة حتى تعود إلى سيرتها الأولى، خاصة إذا كان هذا التجديد يهدف إلى قضية "تجديد التفكير الديني" أولًا قبل الفكر أو الخطاب؛ إذ الخطأ فى المنهج أو الأدوات يؤدى إلى الخطأ فى الثمرة أو الغايات؛ فلم ترد كلمة الفكر بمعناها المصدري- الذى هو الحدوث- فى القرآن الكريم، وإنما ورد التفكر الذى يعنى إعمال العقل وأدوات الفهم فى تناول النصوص الشرعية، ومن ذلك قول الله تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾. وتكرر فى القرآن قوله سبحانه: ﴿إِنَّ فى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾.

 

وأضاف المستشار الأكاديمى لمفتى الجمهورية وأمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، خلال كلمته بمؤتمر الأمانة العام لدور وهيئات الإفتاء فى العالم والمنعقد تحت عنوان "التجديد فى الفتوى بين النظرية والتطبيق "، تقوم دار الإفتاء المصرية، بما لها من مرجعية علمية ومنهجية وسطية فى فهم الأحكام الشرعية المستمدة من الفقه الموروث على نحو من التوافق بين الرؤية الشرعية ومقتضيات العصر وحال المكلف تقوم بواجب الوقت بما تقدمه من اجتهاد مؤسسى فى الاضطلاع بأعباء التجديد لمعالم صناعة الفتوى والإحياء لمناهجها وأصولها، مما يؤكد أن دار الإفتاء المصرية لها دور أصيل فى مسيرة التجديد فى الفتوى فى العصر الحديث.

 

وتابع عاشور: "قد لجأ فقهاء الأمة فى العصر الحديث إلى توسيع مفهوم الاجتهاد الجماعى وتطبيقه فى صور متنوعة كالمجامع العلمية والمؤسسات والهيئات الشرعيَّة، استجابة لمقتضيات الناس والعصر، وقيامًا بشيء من دور المجتهد المطلق، وتوحيد الأمة، وتعزيز الأحكام الشرعيَّة فى المستجدات فى النفوس وضبط مسيرة الفقه والفتوى وتنظيمها، بعد حصول ضعف الثقة فى الاجتهادات الفردية؛ خاصة أن مسائل العصر تحمل فى طياتها تعقيدًا شديدًا وتداخلا حقيقيًّا بين العلوم المختلفة، ومن ثَمَّ يتطلب النظرُ فيها وجودَ فقيه موسوعى فى الشرع الشريف وفى العلوم الأخرى، وهو قدر كبير من المعارف والعلوم يحتاج إلى تكامل عدد من أهل الخبرة فى مختلف الاختصاصات".

 

وأشار المستشار الأكاديمى لمفتى الجمهورية وأمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إلى أن دار الإفتاء المصرية هى هيئة عامة ذات طابع دينى، نشأت بواقعها الحالى فى حدود جمادى الآخرة سنة 1313هـ الموافق نوفمبر سنة 1895م، ولها ميزانية مستقلة خاصة بها منذ عام 2007م، وتتجلى سمات رسالتها فى قيامها بخدمة الأمة الإسلامية وقيادتها إلى ما فيه خيرها ورفعتها فى دينها ودنياها، وهى تعمل على تأسيس الفتوى الشرعية تأسيسًا سليمًا يتفق مع صحيح الدين وتحقيق المقاصد الشرعية العليا من حفظ النفس والعقل والدين وكرامة الإنسان وملكه، كما تقوم بتقديم هذه الفتاوى إلى طالبيها بطرق ميسرة، تتناسب مع لغة العصر.

 

واستطرد عاشور: "كما أنها تعمل على ترسيخ مبدأ المرجعية الدينية فى نفوس الناس أمام الاستفسارات الكثيرة والمتتالية فى المشكلات التى تواجه العالم والتفاعل معها على المستوى الداخلي.وفى سبيل أداء رسالتها السامية تقوم دار الإفتاء المصرية بتطوير المراكز البحثية بها وفقًا لأحدث ما وصلت إليه تكنولوجيا العصر، كما تقوم بتدريب المبعوثين من مختلف البلاد الإسلامية وغير الإسلامية على أعمال الإفتاء واستخدام النظم التكنولوجية الحديثة فى ذلك".

 

وأشار المستشار الأكاديمى لمفتى الجمهورية وأمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إلى أنه منذ إنشاء دار الإفتاء وحتى يومنا هذا وهى تصدر فتاوى شرعية وإرشادات دينية فى كل ما يجد على الساحة المحلية والإقليمية والدولية، مشتملة على فقه وتطبيق الواقعات الجديدة، وهى فى ذات الوقت منهل حافل، ينهل منه الدارسون لعلوم الاجتماع والتاريخ والسياسة والاقتصاد؛ إذ تحمل الاستفتاءات الرسمية والشعبية صورة لواقع حياة الناس فى مصر، بل وربما فى العالم الإسلامى، وتراعى دار الإفتاء المصرية الجهات الأربع عند النظر فى المسائل، وما قد يحصل من خلط أو اختلاط من قبل السائل بشأنها، وهى الزمان والمكان والأشخاص والأحوال.

 

وتابع: "من مقررات الاجتهاد أن تغير هذه الجهات يستلزم التغير فى الفتوى، خاصة فى الأحكام المبنية على الأعراف والعادات، أو الأحكام الاجتهادية المختلف فيها بين العلماء، بخلاف الأحكام المجمع عليها؛ فإنها لا تتغير، والمتأمل فى أغلب الفتاوى والقرارات الفقهية الصادرة عن دار الإفتاء سيجد أن هذه السمة راسخة فى منهجها الإفتائى ومرتكز أصيل فى عملية الاختيار والترجيح بين الآراء الفقهية، ومن ذلك: مسألة بناء الكنائس فى بلاد المسلمين:فقد أباحت دار الإفتاء المصرية لشركاء الوطن من المسيحيين- وفقًا للشريعة الإسلامية- بناء الكنائس فى ظل الدولة الإسلامية إذا احتاجوا إلى ذلك فى عباداتهم وشعائرهم التى أقرهم الإسلام على البقاء عليها؛ حيث لم يَرِدْ المنعُ من ذلك فى شيء مِن النصوص الصحيحة الصريحة، وعلى ذلك جرى العمل عبر العصور المختلفة، وذلك وفق اللوائح والقوانين التى تنظمها الدولة المصرية فى ذلك مناقشات وردود.".

 

وأكمل المستشار الأكاديمى لمفتى الجمهورية وأمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية حديثه: "وأما ما يُحتَجُّ به على منع بناء الكنائس فى بلاد الإسلام مِما يُرْوَى من الآثار؛ فالثابت منه محمول على منع بناء الكنائس فى جزيرة العرب دون سواها من دول الإسلام، وكذلك ما يُحتجُّ به من حكاية الإجماع فى ذلك، كل ذلك مخالفٌ لمَا عليه عملُ المسلمين سلفًا وخلفًا، وما قاله جماعة من الفقهاء بمنع إحداث الكنائس فى بلاد المسلمين: هى أقوال لها سياقاتها التاريخية وظروفها الاجتماعية المتعلقة بها؛ حيث مرت الدولة منذ نشأتها بأحوال السلم والحرب، وتعرضت للهجمات الضارية والحملات الصليبية التى اتخذت طابعًا دينيًّا يغذيه جماعة من المنتسبين للكنيسة آنذاك، مما دعا فقهاء المسلمين إلى تبنى الأقوال التى تساعد على استقرار الدولة والنظام العام من جهة، ورد العدوان على عقائد المسلمين ومساجدهم من جهة أخرى. ولا يخفى أن تغير الواقع يقتضى تغير الفتوى المبنية عليه؛ إذ الفتوى تتغير بتغير العوامل الأربعة (الزمان والمكان والأشخاص والأحوال".

 

وأوضح عاشور، أنه قد بينت الفتوى فساد دعاوى أهل التطرف وجماعات التشدد التى تحتَجُّ على منع بناء الكنائس فى بلاد الإسلام بأقوال الفقهاء المناسبة لعصرهم- كما بينَّا- والتى لا يصح جعل هذه الأقوال حاكمة على الشريعة بحال؛ إذ لا يوجد نص شرعى صحيح صريح يمنع بناء الكنائس ودور العبادة وإحداثها فى بلاد المسلمين عندما يحتاج إليها أهل الكتاب من رعايا الدولة الإسلامية، بل الأدلة الشرعية الواضحة ومُجمَل التاريخ الإسلامى وحضارة المسلمين بل وبقاء الكنائس والمعابد نفسها فى طول بلاد الإسلام وعرضها، وشرقها وغربها، فى قديم الزمان وحديثه، واستحداث كثير منها فى بلاد المسلمين فى العهود الإسلامية- كل ذلك يشهد بجلاء كيف احترم الإسلام دور العبادة وأعطاها من الرعاية والحماية ما لم يتوفر لها فى أى دين أو حضارة أخرى.

 

واستطرد المستشار الأكاديمى لمفتى الجمهورية وأمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية: "والمتأمل فى مذاهب الفقهاء وأقوالهم يرى أن ما عللوا به قولهم بالإباحة أو المنع يدور على المصلحة العامة وضبط النظام العام واستقرار النسيج الاجتماعي؛ فقد فرقوا بين ما فُتِح من البلاد صلحًا فأجازوا فيها بناء الكنائس، وما فتح منها عُنوةً فأجازوا الإحداث بالعهد واختلفوا عند عدمه؛ وذلك لأن الصلح جنوح إلى السِّلْم واستقرار الأحوال من الطرفين، وفى هذا علامة على المسالمة الدينية لأهل الصلح وقابليتهم لأن يصيروا من رعايا الدولة الإسلامية، لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم، فكان الإقرار ببقائهم على دينهم مقتضيًا إباحة إحداث الكنائس لهم، أما العنوة ففيها رفض للصلح وخروج على النظام وجنوح إلى القتال والعدوان، وكان هذا فى ظل الصراعات الدينية علامة على التعصب الدينى لأهل العنوة، وفى السماح لهم بإحداث الكنائس إضعاف للدولة الإسلامية؛ لأنها قد تتخذ موضعًا للتأليب أو التدبير ضد الإسلام وأهله. فإذا زال الخوف من عدوان أهل العنوة وتأليبهم، وحصل العهد بينهم وبين المسلمين على إحداث الكنائس جاز ذلك عند كثير من الفقهاء".

 

ولفت عاشور، إلى أنه كما اختارت دار الإفتاء المصرية من بين أقوال العلماء المجتهدين؛ حيث نص عالِما الديار المصرية: الإمام المجتهد المحدث الفقيه أبو الحارث الليث بن سعد، والإمام المحدث قاضى مصر أبو عبد الرحمن عبد الله بن لهيعة على أن كنائس مصر لم تُبْنَ إلا فى الإسلام، وأشارا على والى مصر فى زمن هارون الرشيد موسى بن عيسى بإعادة بناء الكنائس التى هدمها مَن كان قبله، وجعلا ذلك مِن عمارة البلاد، وكانا أعلم أهل مصر فى زمنهما بلا مدافعة، و أن هذه الاجتهادات الشرعيَّة التى تصدر عن دار الإفتاء تؤكد على حفظ حقوق الآخر وضمان العيش الكريم له بين المسلمين، وضرورة المحافظة على دور العبادة، بل وحمايتها من أى تهديد يُعَكِّر مقتضيات عقد المواطنة، ولا شك أن هذه الأحكام الشرعيَّة قد اقتبس منها نظام الدولة الحديثة، ترسيخًا لمبدأ التعايش ووفاءً بعقد المواطنة الذى يجمع كل أفراد الوطن- من مسلمين وغيرهم- تحت مظلة قانون واحد، يتساوَوْن فيه جميعًا، ويؤدون فيه واجباتهم ووظائفهم المدنية سواسية فى الحقوق والواجبات، ومن ثَمَّ يشعر الجميع بقيمة الانتماء للوطن، ويتشاركون بمختلف قدراتهم ومواهبهم وتخصصاتهم فى عمارة مرافق الدولة المختلفة.

 

 

وتقدم أمين الفتوى بدار الإفتاء ببعض التوصيات منها، ضرورة الاستفادة من خبرات دار الإفتاء المصرية سواء على مستوى الخبرة الشرعيَّة فى الاجتهاد والتعامل مع النصوص الشرعيَّة وتنزيلها على واقع الناس والعصر، أو على مستوى العمل المؤسسى لضمان الاستفادة المثلى لخبرات أعضاء العمل الفنى بها، و دعم مثل هذه الموضوعات التى تبرز كيفية نظام العمل الفنى بالمؤسسات الإفتائية والمجامع العلمية وأهميتها فى المجتمع والأمة، احترام العلماء الأفراد للاجتهادات الصادرة عن المؤسسات الإفتائية خاصة فيما يتعلق بالموضوعات العامة ومما تعم به البلوى فى أفراد الأمة، بحث آلية جادة للاستفادة من خبرات العلماء الأفراد الذى يقدمون دراسات علمية تعالج مشاكل الواقع والعصر

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة