كانت ملهمته الأولى التى أعجب بها من أول نظرة، وقرر الارتباط بها، بالرغم من كونها كانت مخطوبة لطبيب.. دخلت منزله وهى فى عمر السابعة عشر، وعاشت معه حتى آخر نفس فى حياته، استطاعت بذكائها دخول عالمه من خلال القراءة حتى أصبحت الناقدة الأولى له، ولم يشرع فى كتابة أى رواية من رواياته إلا وهى جالسة أمامه، ليستمد منها إلهامه.. إنها " رجاء عبد الرحمن الرفاعي" زوجة الراحل الدكتور يوسف إدريس، رائد القصة القصيرة.
"اليوم السابع" زارها فى منزلها بالقاهرة، وأجرى معاها هذا الحوار لكونها شاهدة على أهم مراحل فى حياة يوسف إدريس، وإلى نص الحوار:
كيف تعرفتى على يوسف إدريس وتزوجتى منه ؟
كان بيننا حب من أول نظرة، عندما كنا فى زيارة لشقيقتى الكبرى، وكان يوسف إدريس جار زوجها، فشاهدنى مرة، ودون أن نتحدث سويا، وبعدها طرق باب زوج شقيقتى، وسأله عنى فقال له "ريح نفسك دى مخطوبة"، إلى أن أرسل لى خطاب يشرح فيه إعجابه الشديد بى من أول نظرة، وعندما علمت والدتى بما حدث، تحدثت معى، فخلعت على الفور الدبلة وقررت الارتباط به لأنى أعجبت به أيضا من أول نظرة، وتزوجنا فى 20 يوم، وكانت أسرع قصة حب وزواج فى ذلك الوقت.
وهل كان مشهورا قبل أن يتقدم للارتباط منك؟
كان مشهورا على المستوى الثقافى، ولكن لم أكن أعرفه من قبل، ولم يكن له فى تلك الفترة قصص غير "أرخص ليالى".
يقال أن يوسف إدريس كان شخصية مركبة ومتقلبة وكان يخشى فكرة الزواج؟
فعلا كان خايف من فكرة الزواج زى أى فنان، ولولا الكميا الل حصلت بينى وبينه من أول نظرة، مكنش غير فكره.
كيف استطاعتى احتواء شخصية مثل الدكتور يوسف إدريس وأنت فى سن صغير ؟
تزوجت صغيرة جدا وعمرى 17 سنة، ولم أكمل تعليمى وكنت حاصلة على شهادة فرنساوى، تعادل الإعدادية، وعندما تزوجت يوسف إدريس، بدأت أقرأ بتوجيه منه للكتاب الكبار، ولم يكن لى علاقة بالأدب من قبل، وبعدها قررت أن أدخل عالمه، لأن فى البداية عشنا معاناة كبيرة فى الأول وصعوبة الحياة مع فنان، فيها متعة وفيها تعب أيضا، وبدأت أذاكر لكى أقرب منه أكتر، وعندما بدأت أقرأ وأدرس، لكى أجد مدخل أدخل له منه، ووجدت المدخل الوحيد فى القراءة والكتابة، وصارت صداقة بيننا، حيث الزواج لوحده غير كافى، وأكملت تعليمى وأنا متزوجة حصلت على الشهادة الإعدادية والتوجيهية، والتحقت بكلية الآداب قسم فلسفة، وبعدها نقد فنى، وكنت الناقدة الأولى له.
عاش يوسف إدريس طفولة صعبة تركت أثرا كبيرا فى نفسه وأدبه حدثينا عن تلك الفترة؟ وهل كان يتحدث عن تلك الفترة؟
فعلا عاش فترة طفولة صعبة، وأغلب الفنانين كده، والدته كانت قاسية شوية، وهو كان طفل حساس زيادة عن اللزوم، وكان دايما بيقول أن طفولته ليست مرتاحة،لم يقضى طفولته مع العائلة بسبب المدارس قضى طفولة صعبة، وكان بيروح لجدته فترة الدراسة لأن قريته "البيروم" لم يكن فيها مدارس، وكان دايما يقول طفولته صعبة.
الكثير من الأدباء بصفة عامة كانت تطاردهم الشائعات ومن أكثر الشائعات ارتباطا بيوسف إدريس كانت شائعة ارتباطه بمطربة فى تلك الفترة؟ هل لهذه الشائعة تأثير على حياتكم العائلية؟
لا يوجد فنان بدون إشاعات، والزوجة الذكية اللى علاقتها قوية بزوجها هى اللى تقدر تفسر إن كان إشاعة أو حقيقة، و كنت أتصور أن فنان بحجم يوسف إدريس، لو ملوش معجبات، يبقى كان ناقصه حاجة، والفنان لابد أن يكون له معجبين ومعجبات، وعندما كان يتصل به معجبات كنت أسعد بذلك، لأن ده غذاء روحى للفنان، وهذه المطربة طلع عليها إشاعات كتير فى تلك الفترة، فلم أهتم بالموضوع، وبعدها سألته فقالى: شوفتها مرة فى حفلة، وبعدها طلعوا علىّ الإشاعة وصدقته، لأن روايته كانت صادقة.
هل كان غيورا عليكى ؟
نعم كان شديد الغيرة بطبيعته، كان إنسان غيور جدا وخاصة لفرق السن وفضلا عن خيال الفنان.
حدثينا عن يوسف إدريس الإنسان وكيف كان يتعامل فى البيت ؟
يوسف شخصية منقسمة، برا البيت يبدو إنسان شرس قوى ثائر جدا وملتهب المشاعر، وحماسى جدا ومشاغب، وفى البيت كان على طبيعته، الحقيقة فنان رقيق مشاعره عالية جدا وطيب وكريم جدا، ومرة "بهاء" ابنى عمل حادثة بالعربية، ولما سمع الخبر أصيب بأزمة قلبية ودخل المستشفى، وكنت قاعدة بيه وبابنى فى المستشفى، وكان يحب البيت جدا لو سبته يقعد فى البيت على طول.
يرى العديد من المثقفين أن أعمال يوسف إدريس لم يكن لها نصيب من الإنتاج السنمائى هل ذلك بسبب علاقة مواقفه السياسية ومعارضته لأنظمة الحكم السابقة؟
مواقفه السياسية ليس لها علاقة، والسينما عايزه أحاسيس فجة وواضحة وأكشن جامد، وهو عنده الأحاسيس نعمة، والفن العالى صعب يجسد للسينما، فضلا عن أنواع الأعمال والمخرجين، ولم أتصور مخرج على مستوى يوسف إدريس، والرواية الوحيدة ال قدروا يعملوها جيدا كانت "الحرام".
هل نشأة يوسف إدريس فى الريف أثرت على أعماله؟ وخاصة أنه كان دائما يصور المرأة مطحونة ومقهورة مثل الحرام وحادثة شرف والنداهة!
هو نشأ فى الريف، وفنان فى حجم يوسف إدريس، فكان لابد يسجل الفترة دى وبداية تنبؤه للفن كانت بالريف، وكان يشهد المرأة الريفية البسيطة المطحونة وخاصة عاملات الترحيلات، وهو كان محب للريف جدا وكان ينقله فى أعماله، وحببنى فى الريف، وكنت بحب الشرقية وجو الريف، وبحب عائلته جدا، وكنت أقضى العيد دائما فى الشرقية.
حدثينا عن الترتيبات الخاصة أو الطقوس التى كان يتبعها يوسف إدريس قبل كتابة الأعمال الأدبية بصفة عامة أو المقالات بصفة خاصة؟
كان بيحب يكتب ليلا لو كتب بالنهار كان يطفئ الأنوار، وكان من الطقوس عنده، بيشوف أى حاجة قديمة فى المنزل يصلحها، راديو خسران يخسره زيادة، ويبدأ يكتب، وكان لازم أكون قاعدة أمامه، ولا أتحرك من أمامه إلا بعد أن يندمج.
إذن أين أنت من أعماله الأدبية؟
كان ديما يقولى أنتى موجودة فى كل رواياتى، وأنتى عالمى كله، وكنت الناقدة الأولى له، وأى شئ يكتبه يعرضه عليا الأول.
هل حصل يوسف إدريس على التكريم الذى يستحقه من وجهة نظرك؟
لا.. لم يحصل على التكريم الذى يستحقه، ولم يكرم كثيرا، حتى جائزة الدولة التقديرية، عندما كرم بها، رفضها، لأنها جاءت وهو على فراش المرض، وهو كان يفرح بالتكريم، والتكريم لم يكن على قدر مستواه، وغالبا الفنانين العظماء لم يكرموا بما يكفى، وهو مكرم فى العالم الخارجى أكثر من بلده، والتكريم بيجى من الجمهور.
كان منزل يوسف إدريس صالون ثقافى وفنى يجمع عادل إمام، وعمر الشريف، وعلى بدرخان، وسعاد حسنى، ونور الشريف، ونادية لطفى، ونزار قبانى،.. هل كنت تشاركى فى هذه الجلسات ؟
حقا منزلنا كان ملتقى لكل الفنانين، من محمود درويش وغادة السمان وإحسان عبد القدوس ويوسف السباعى ونزار قبانى ونادية لطفى، وفاتن حمامة وسعاد حسنى، وهذه الفترة كانت غنية بالمواهب، فى جميع مراحل الثقافة من المسرح والشعر والفن والأدب، وكنت أشارك فى الحوار بالرأى.
ما هو المشروع الأدبى الذى كان يخطط يوسف إدريس لكتابته، ولكن القدر لم يمهله فى إنجاز هذا المشروع؟
كان شرع فى كتابة بعض القصص القصيرة ومسرحيات، ولكن لم يكملها ومازلت أحتفظ بها فى مكتبته.
هل كان يوسف إدريس هو المرشح الحقيقى لجائزة نوبل ؟ وهل أثر حصول نجيب محفوظ عليها بعلاقتهما كأصدقاء ؟
نعم.. كان هو المرشح الحقيقى للحصول على جائزة نوبل، قبل إعلان الجائزة، حضر إلى منزلنا صحفى من جريدة "التايمز"، وقال للدكتور يوسف أنت مرشح لها واسمك مع المرشحين، وأجرى معه لقاء صحفيا، فهيئ نفسه لها، وهو كان مبدع كبير، مفيش حد مبدع فى العالم العربى زيه، وكان يستحقها بجدارة، وبعد إعلان فوز نجيب محفوظ بها، تأثر نفسيا، وهذا لم يؤثر على علاقته بنجيب محفوظ لأنهما كانا أصدقاء، ودى حاجة لا نجيب محفوظ له يد فيها ولا يوسف له يد فيها، ونجيب محفوظ أيضا كان يستحقها، لكن زوجى كان هيئ نفسه للفوز بها، فحزن حزنا شديدا عندما لم يحصل عليها، بعد كده عرفنا أن فى اعتبارات سياسية وراء عدم حصوله على الجائزة، وأنه كان على خلاف دائما مع اليهود، واللى مقيم على الجائزة اليهود فكان صعب يحصل عليها.
حدثينا عن علاقته بعميد الأدب العربى طه حسين؟
طه حسين قدم له مقدمة، أرخص ليالى، وهو كان ضد اللغة العامية الل بيكتب بها أى حد، فى تلك الفترة، ولكن عندما قرأ أرخص ليالى، قال إنه أحب اللغة العامية، وتقديمه لأرخص ليالى ويوسف لسه نشاى أعطى قيمة له، كما أنه كتب عن يوسف إدريس يقول: "أجد فيه من المتعة والقوة ودقة الحس ورقة الذوق وصدق الملاحظة وبراعة الأداء مثلما وجدت فى كتابه الأول أرخص ليالى على تعمق للحياة وفقه لدقائقها وتسجيل صارم لما يحدث فيها".
لم نعد نرى أطباء أدباء مثل يوسف إدريس وغيرها من أديب الفترة التى عاشها؟
الموهبة فى الفترة الحالية ضئيلة جدا، والموهوبين قلوا جدا، والمناخ الثقافى فى مصر معدوم، وكذلك الحياة الفنية، وبالتالى لا يوجد موهوبين، وفى مواهب صغيرة بتظهر لكن لم تتغذى كويس، لأن الحياة النقدية والتشجيع معدوم فلم يستمروا.
أحب أعمال يوسف إدريس إلى قلبك؟
قرأت كل أعماله لكن أحب النداهة جدا، وقصة قصيرة اسمها "لعبة البيت" وبطها كان اسمه سامح، وسميت مولودى الأول باسمه تأثرا بالرواية.
كيف تحولتى من بعد وفاة زوجك إلى فنانة تشاركى فى معارض صناعة الحلى ؟
مرت بظروف صعبة جدا بعد وفاة زوجى، حسيت أنى تايهة وعايشة حياة غير حياتى، حيث توفى زوجى سنة 1991 وبعدها بتسعة بفترة توفى إبنى عن عمر يناهز 27 سنة، وكانت مرحلة صعبة من الحزن إلى أن زارتنى فى المنزل، " سناء البيسى" كانت صديقتى وصديقة الدكتور يوسف، وقالت لى لابد أن أشغل نفسى بأى شئ وقالت لى أعملى أى حاجة حتى لو هتطبقى شرابات.
بدأت أخذ من صحابى الأشياء القديمة، وبدأت أعيد تشكيلها، لكى أخرج من حالة الحزن الشديدة، وبعدها عرض عليا أصدقائى بعرض المشغولات، وأول معرض قدمته كان فى مارينا سنة 1992 ونجح المعرض جدا، وكان فيه 50 قطعة تم بيعهم جميعا، وبعدها أخذت شكل احترافى، وتوجهت لخان الخليلى، وبدأت أتعلم أشياء كثيرة واشتريت بعض الأدوات وأقمت ما يقرب من 7 معارض لعرض الحلى والزينة، وآخر معرض كان سنة 2016، وحاليا بحضر لمعرض جديد.
يوسف ادريس في احدي جولاته بالخارج
يوسف ادريس في الاهرام مع توفيق الحكيم ونجيب محفوظ
يوسف ادريس في عيد ميلاد زوجته رجاء الرفاعي
يوسف إدريس مع زملاء ه
يوسف ادريس مع زوجته بالاقصر
يوسف ادريس مع عمر الشريف
يوسف ادريس مع فاتن حمامة وعبد الله غيث أثناء تصوير فيلم الحرام
يوسف ادريس مع نجله الاكبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة