سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 15أكتوبر 1930 العقاد يعثر على «دليل» فى السجن يكشف له أسرار حياة السجون..والنيابة تواصل التحقيق فى قضية «العيب فى الذات الملكية»

الإثنين، 15 أكتوبر 2018 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 15أكتوبر 1930 العقاد يعثر على «دليل» فى السجن يكشف له أسرار حياة السجون..والنيابة تواصل التحقيق فى قضية «العيب فى الذات الملكية» عباس العقاد

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ذهب الكاتب والمفكر والنائب البرلمانى عباس العقاد مع الضابط فى سيارة خاصة إلى السجن، بعد أن أمرت النيابة باعتقاله بعد انتهاء تحقيقاتها معه يوم 14 أكتوبر 1930 إلى حين تقديمه إلى المحاكمة بتهمة «العيب فى الذات الملكية».. «راجع ذات يوم 14 أكتوبر 2018».
 
واصلت النيابة التحقيق فى نفس القضية يومى 15و 16 أكتوبر مع محمد فهمى الخضرى صاحب جريدة المؤيد الجديد «لنشره مقالات العقاد التى تهاجم الملك فؤاد»، حسب الدكتور راسم الجمال، فى كتابه «عباس العقاد فى تاريخ الصحافة المصرية»، مؤكدا: «انتهت النيابة من التحقيق فى القضية فى السادس عشر من أكتوبر، وأحالتها فى اليوم نفسه إلى محكمة مصر الأهلية لقيدها وإعلان قرار الاتهام»، وفيما كانت النيابة تواصل التحقيقات، كان «العقاد» يمضى يومه الأول فى السجن، ويسجل شهادته عنه بعين الأديب، التى لا تتوقف أمام التفاصيل المرئية وإنما تبحث عما ورائها.
 
يقول العقاد: «ﺬﻫﺒﺖ ﻣﻊ الضابط والجند فى ﺳﻴﺎرة ﺧﺎﺻﺔ إلى السجن «ﻗﺮه ﻣﻴﺪان»، وﺗﺨﻄﻴﺖ اﻟﺒﺎب ﻓﺈذا ﻫﺪوء ﻏير ﻣﺄﻟﻮف ﻷن اﻟﻮﻗﺖ ﻛﺎن وﻗﺖ اﻟﺮاﺣﺔ ﻋﻘﺐ اﻟﻐﺪاء، وﺗﻮﺟﻪ بى اﻟﻀﺎﺑﻂ ﻧﺤﻮ ﺣﺠﺮة اﻟﻜﺘﺎب ﻟﺘﺴﻠﻴﻢ ﻣﺎﻋﻨﺪى ﻣﻦ اﻟﻮداﺋﻊ وﻛﺘﺎﺑﺔ اﻷوراق التى ﻻﺑﺪ ﻣﻨﻬﺎ ﻟﻜﻞ ﻣﺴﺠﻮن ﺟﺪﻳﺪ، وﻣﺎﻫى إﻻ ﻟﺤﻈﺔ ﺣﺘﻰ ﺗﻮاﻓﺪ الموﻇﻔون وﻛﺜﺮ دﺧﻮل اﻟﺴﺠﺎﻧين ﻳﻨﻈﺮون إلى القادم اﻟﺬى سرى ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻧﺒﺄ ﻗﺪوﻣﻪ، وأﺧﺬ ﻛﺎﺗﺐ ﻫﻨﺎك ﻣﺮح ﺛﺮﺛﺎر ﻳﺪاﻋﺒﻬﻢ ﻛﻠﻤﺎ ﻣﺮوا ﺑﻪ، وﺗﺼﻨﻌﻮا ﺳﺆاﻟﻪ ﻋﻤﺎ ﻳﻀﻤﺮه ﻟﻬﻢ ﺑﺮﻳﺪ اﻟﻴﻮم، ﻓﻴﻘﻮل ﻷﺣﺪﻫﻢ: «اطمئن لقد عينوك مديرا لمصلحة السجون».. ثم يحدج ببصره كمن يستغر بدهشته، ويقول: «ألا تصدق؟ آه يا ابن الحلال معذور، فإنك فى السجن ولست فى البيمارستان».. أو يقول لغيره: «تعال هنا.. قرب أذنيك، قرب أيضا. ثم يناديه بصوت يسمعه كل من فى المكان: «افرح.. نقلوك إلى أسوان، لا تقل لأحد ياولد»، فاستعدت فى ذهنى موقف هاملت وحفارى القبور.. إذا يغنون وهم فى ذمار الموت».
 
يضيف العقاد: «عبرنا مكتب الموظفين ومكتب المأمور مع ضابط العنبر.. دخلنا العنبر فكان أول ما صادفنا فيه منظر عجيب لا تألفه العين: إناس بملابسهم العادية جالسون القرفصاء فى صمت لا يلتفت أحدهم يمنة ولا يسرة، ومن ورائهم نفر مكبون على الأيدى كما تمشى الدواب يزحفون زحفا، ويتغنى أحدهم بصوت خفيض، والباقون يجيبونه بصدى- لا بكلام- يقولون فيه: «هيه هيه».. أما المغنى فالذى أذكره من أنشودته الآن عبارة واحدة: «رايحة له فين.. ده عليه سنتين».
 
«كان لابد لى من «فرجيل» يصاحبنى كما صاحب الشاعر الإيطالى «دانتى فى طبقات الجحيم، ليدله على أنواع العذاب، ودرجات المعذبين..فمن هؤلاء الجالسون القرفصاء؟ ومن هؤلاء المكبون على أربع؟ أهذا ضرب من العقاب فى مكان العقوبات؟. وما بال أناس منهم يلبسون ثيابهم العادية على اختلافهم بين المعمم والمطربش، ولابس الطاقية.. ولا يلبسون كأهل السجن؟.. بحثت على الدليل الذى ينوب فى جحيمنا عن فرجيل، فقد كان على يسار الحجرة التى خصصت لى حجرة للصحفى الظريف على أفندى شاهين، رحمه الله، وكان محبوسا رهن المحاكمة فى قضية مقالات ورسوم، قذف بها بعض الوزراء وعلى رأسهم إسماعيل صدقى باشا «رئيس الوزراء»، وكان واقفا على باب حجرته ينتظرنى بعد أن سبقت البشائر إلى العنبر بقدومى، فلقينى مرحبا، وعلى مقربة منه اثنان أو ثلاثة من أهل بولاق «دائرتى الانتخابية».. كانوا فى مؤخرة صفوف الجالسين القرفصاء، فنهضوا يحيوننى ويهمون بالصياح، لولا أن شاهدوا الضباط والسجانين فعادوا جالسين».
 
«بدأت أشعر بقشعريرة الرطوبة التى ينضح بها الأسفلت فى أرض العنبر وسقوفه، ثم فرغ السجان وصاحب النوبة الموكل بحجرتى من إعداد سريرها وأدواتها ولوازمها، فألقيت نظرة على الغطاء الذى سيغنينى عن غطائى، فلم أطمئن إليه كثيرا، ولكنى قلت: لابأس بالتجربة فى هذه الليلة، وبقيت متوجسا من هذه النافذة المفتوحة على رأسى يندفع منها الهواء طول ليل الخريف.. فما العمل فيها؟.. قال دليلى أو «فرجيلى» على أفندى شاهين: «لا عليك من هذه النافذة، فسترى كيف نعالج خطبها، والتفت إلى صاحب النوبة فأوصاه أن يسدها بالحصيرة المفروشة على أرض الحجرة كما يصنع فى حجرته هو، ففعل صاحب النوبة توا ليرينى كيف يحكم هذه الصناعة، وضحك شاهين أفندى ضحك العلم والمعرفة وهو يقول لى: «احمد الله على أنهم لم يختاروا لك سجن الاستئناف، فهناك النافذة أربعة أضعاف النافذة هنا، ولا أمل فى سدها بحال من الأحوال، فضلا عن الظلام المطبق من الصباح إلى المساء».
 
هبط ظلام الليل، وعاد المسجونون إلى الحجرات، و«أظلمت الحجرة عندى ظلامين، لأن النافذة المغلقة حجبت كل ضياء يتسلل إلى الحجرة من فناء السجن المنار بنوره الضئيل، فلم أستطع أن أعرف مكان الكوب ولا سلة الطعام فى ذلك الظلام، ولبثت أسمع الأصوات تخفت وتخفت حتى انقطعت، أو كادت نحو الساعة التاسعة كما أنبأتنى الساعة التى تدق فى مسجد القلعة».









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة