عصام شيحة

الأمن القومى.. تحديات وفرص «1»

السبت، 13 أكتوبر 2018 02:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا يذكر التاريخ دولة استقبلت مستقبلًا زاهرًا هانئة مُطمئنة دون تحديات تنهش أمنها القومى!. وقصص النجاح تؤكد أن دولًا أحرزت تقدمًا لافتًا مثل قفزة هائلة إلى الأمام على طريق التنمية، إلا وكانت قد انتزعت فرصتها فى النجاح من رحم تحديات ضخمة كانت كفيلة بإلقاء الدولة إلى الخلف بعيدًا عن ركب التنمية. فعلتها اليابان وانتقلت من الدمار وفقر الموارد الطبيعية إلى مقدمة الصفوف بقوة تكنولوجية هائلة، وأنجزت سنغافورة خطواتها الواسعة نحو مراتب متقدمة فى التصنيفات الدولية بعد أن كانت مجرد جزر تشكل ملتقى لمراكب التجار، وحولت ألمانيا خسائرها الفادحة فى الحربين العالميتين الأولى والثانية، وما تخلف عنهما من وفرة فى كل عناصر التخلف، إلى أن باتت الاقتصاد الأول فى أوروبا. وعلى ذلك كثير يرويه التاريخ بوضوح لا يقبل أى تشكيك.
 
إزاء ذلك، لا يسعنا إلا أن ننطلق لمجابهة ما نلاقيه من تحديات هائلة للأمن القومى، فنحيلها بعزيمة وهمة إلى فرص قوية للنجاح فى بناء دولة حديثة، يستحقها بالفعل الشعب المصرى صاحب الإسهام الأكبر فى مسيرة الحضارة الإنسانية الممتدة عبر آلاف السنين.
 
من هنا أود لو طرحت مجموعة من التحديات التى تواجه أمننا القومى، وبيان ما هى حبلى به من فرص واعدة للنجاح، لا ينبغى أبدًا التفريط فيها، أو التهاون بشأنها. فأقول:
 
• «الإرهاب» الذى استهدفنا بضراوة منذ نجحنا فى إسقاط الجماعة الإرهابية، لا شك أنه اقتطع الكثير من جهد ومال الدولة. غير أنه شد انتباهنا بقوة إلى ضرورة تذويب الفوارق المشينة بين الوادى وسيناء؛ إذ لم يعد مقبولًا أن تظل سيناء مجرد منتجعات سياحية فى الأساس، وعدة مشروعات متفرقة هنا وهناك، دون استراتيجية تعمير حقيقى يخلق حياة طبيعية كاملة العناصر الكفيلة بجعل المنطقة بأسرها قاطرة للتنمية الحقيقية بما تزخر به من موارد طبيعية هائلة، ومساحات شاسعة، ومزايا استثمارية كبيرة. ولا أظن إلا أن الدولة تعى ذلك جيدًا، إلا أن وعيًا وطنيًا ليته يحيط بنظرة رجال الأعمال يدفع بهم إلى مناطق أرقى فى صفوف العمل الوطنى.
 
• «سد النهضة» أفرز مخاوف حقيقية ألهبت مشاعر الشعب، وأرهقت الدولة فى مواجهته. إلا أن الأمر فتح لنا طريقًا واسعًا نحو استرداد موقع مصر الطبيعى داخل القارة السمراء. إذ أدركنا أن أفريقيا ليست بوابة ننطلق منها إلى عضوية المنظمات الدولية، ونلقى منها تأييدًا مضمونًا فى أى تنافس دولى. وإنما أفريقيا بالنسبة لنا كنز أرى أننا لم نفتحه بعد. ولم تتراخ الدول الأفريقية فى التعبير عن ضيقها من ابتعاد مصر عنها، على مدى عشرات السنين، ربما منذ السبعينات، لاحظ أنها بداية تغلغل إسرائيل فى قارتنا البكر. وعليه فأمامنا مسار طويل نرفع فيه من مستويات التعاون الاقتصادى والسياسى، بل والاجتماعى والثقافى والفنى، وليست منافسات الكرة كافية، مع دول القارة الأفريقية. وهو ما بدأناه بالفعل منذ تصاعد صراع سد النهضة، وأخشى أن نتراخى فيه مع هبوط حدة التوتر فى الفترة الأخيرة، فأثيوبيا لن تتراجع عن بناء السد. ومن ثم فسعينا إلى إيجاد موارد مائية جديدة أمر لا بديل عنه، وتطوير منظومة الرى لا تراجع عنها، وترشيد الاستهلاك المائى عمومًا ضرورة مؤكدة، تمامًا مثلما الانتباه لازم تجاه كل تطور يحيط بعملية بناء وتشغيل السد.
 
• لا أرى أن محور «قطر/ تركيا/ إيران» يمكن حصر خطورته فى دعمه للإرهاب؛ ذلك أن صراعًا سياسيًا يسيطر على علاقات مصر بدول ذلك المحور. فعداء قطر موروث منذ أيام الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وعداء إيران تراكم منذ الرئيس الأسبق أنور السادات، وأطماع تركيا فى استرداد الخلافة، هدف لن تحيد عنه وأردوغان على رأس السلطة بنهمه للسلطة وتطلعاته إلى بسط نفوذه فى المنطقة ليصبح انضمامه للاتحاد الأوروبى أسهل باعتباره مفتاحًا حقيقيًا للمنطقة. وعليه فإن تعاونًا أوثق ينبغى أن يلف دول المنطقة المعتدلة، مصر والسعودية والإمارات والبحرين والكويت والأردن، مع ضرورة تذويب التباينات بشأن الملف السورى الشائك لانتزاع سوريا من الحضن الإيرانى.
 
• ليبيا ليست مجرد دولة تستوعب أعدادًا من المصريين الباحثين عن فرصة عمل خارج الدولة. ولو أن فكر أكثر اتساعًا وشمولًا أحاط بنظرتنا إلى ليبيا، لأدركنا أنها كذلك ليست منطقة يسهل تجمع الإرهابيين فيها لمهاجمة مصر. فمصر وليبيا مشروع كبير هائل، لا أرى أنه وجد اهتمامًا كافيًا على مدى عشرات السنين رغم «الهدوء» الذى شاب العلاقات لفترات طويلة، وربما ظروف الحكم فى ليبيا كان لها الأثر الأكبر فى ذلك، إلا أن مصر بات عليها أن تستوعب مسؤولياتها فى محاولات جادة لبناء الدولة الليبية بما يجعلها على الطريق الصحيح المكافئ لكل محاولات بناء الدولة الحديثة بمشتركاتها المعروفة، وترسيخ وإعلاء شأن أركان الدولة الوطنية على أسس من مبادئ الحكم الرشيد، سيادة القانون، والديمقراطية، والشفافية، والمواطنة، والمسائلة والمحاسبة.....، هنا فقط يمكن أن تجد مصر طريقها نحو بناء علاقات مميزة متينة مع الدولة الليبية الحديثة.
 
وفى مقال مقبل، إن شاء الله، أتابع مع القارئ العزيز، مجموعة أخرى من التحديات التى تواجه الأمن القومى المصرى، وأُبرز ما بها من فرص حقيقية يمكن أن تدفع بنا إلى اللحاق بطموحات الشعب المتصاعدة نحو حياة كريمة حرة، بالقطع يستحقها.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة