محمد عبدالرحمن زغلول

"جهاد" من أجل النسيان

الإثنين، 01 أكتوبر 2018 08:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

السادسة صباحًا رن هاتفى فى إلحاح مرير، فأجبت بين النوم واليقظة: من بعيد جاء الصوت مترددًا.. أنت نايم؟! مستطردًا: فى خبر مش حلو.. جهاد ماتت.

 

كان هذا ما سمعته.. بالأحرى ما حاولت تجاهل سماعه، كنوع من النكران.. لم أنطق بعدها بكلمه واحدة، حاولت عبثًا البكاء، أمام تلك الصفعة من صفعات الفراق، وأنا أضيف اسما جديدا فى لوحة الغائبين التى تتسع..!

 

رحلت جهاد.. صديقتى تغادر ناحية المجهول، هى فقط من تدركه الآن، رحلت صاحبة الضحكة الصافية، ضحكة تجمع فيها بين الرقة والحياء، كأنها ترسم لنفسها ابتسامة خاصة تميزها بين الجميع، تركتنا وحدنا ساقطين فى الحزن (طفلتها، زوجها، والديها، أخواتها، ونحن أصدقائها)، نجاهد فى أجل النسيان، ليس نسيانها هى، فذلك لن يحدث حتى لو حاولنا، بل من أجل نسيان الفراق، والغياب.

فى ذلك اليوم اللعين، كنت لا أزال غير مصدق ما حدث، لم أتصور أن هناك فراقا تم، وأن علىَّ أن أودعها، ظللت طوال اليوم منشغلا فى دوامات الحياة، وفى المساء، حين جاء وقت العزاء، كان الأمر مربكا، تغلبت على الألم بالحديث والثرثرة، وحين خرجت إلى الشارع سرت وحدى، عيناى ممتلئة بالدمع الحائر بين السقوط والتحجر، أما قلبى فمضطرب، وعقلى ساكن لدرجة البلادة، عاجز عن فهم ذلك الشىء الغريب المسمى "الموت".

أنا الآن أكثر تألما من أى وقت مضى، كنت مقصرا، فقد كان آخر اتصال بيننا قبل شهرين من رحيلها، كنت أستعد لإجراء عملية جراحية بسيطة "المرارة"، تحدثت معها وكأننى أردت أن أبحث عن الطمأنينة فى كلام إنسان "جرب" الألم، وهى المسكونة بالألم طمأنتنى، ربما ضحكت فى "سرها" لخوفى من هذه الجراحة "التافهة" هى التى لم يمر يوم إلا وكان للألم معها شأن جديد.. فى النهاية دعت لى كثيرا، ولم أكن أعلم أن ذلك سيكون الحديث الأخير، وللأسف لم أكلف نفسى بعدها حتى عناء زيارتها فى مرضها وفى رحلتها الأخيرة، تركت الدنيا وتركتنا، ومن حينها ألعن نفسى لأننى لم أودعها، ومن يومها وأنا ألوم نفسى وأسألها فى حسرة، هل هى غاضبة منى الآن؟ أتمنى ألا تكون ذلك.

جهاد صديقتى الجميلة، وبعد مرور عام على رحيلها أتذكر الآن كيف كنت أسميها "سندريلا اليوم السابع" لبراءتها فى التعامل وبساطتها فى التعبير، ولتنوع ذوقها فى الفن، والأكل أيضا، كانت ملاكا لم تكن تضايق أحدا أو تؤذى شخصا، أتذكرها كانت تشاركنى وغيرى همومنا، وطالما حاولت التخفيف عنى وعن الآخرين، وواجهت وحدها متاعب الحياة، وجاهدت ضد المرض اللعين، وظروف الحياة القاسية ببراءة الأطفال، وحب الحياة، وسلام النفس والروح، وغادرت وهى عزيزة النفس، كريمة السيرة، خفيفة الذكر على القلب، كبيرة الذكرى.

رحلت جهاد لكنها تركت "حنين" طفلتها التى لم تبلغ العامين يوم الغياب، جاءت "حنين" بعد "شوقة" كما عبرت هى، وكان المرض قد عرف الطريق إلى جهاد، ثم وجدها الموت طيبة وجميلة فأخذها معه، تركتنا وتركت طفلتها الجميلة، أسمتها "حنين" وكأنه دليل على ما سوف تتركه حين ترحل، فتركت لنا الجهاد من أجل النسيان، والحنين على الأيام التى قضيناها فى صحبتها.

الآن أشعر بأن جهاد لم ترحل، بل هى حاضرة، وستظل حاضرة، فى قلوبنا وعقولنا، بسيرتها الجميلة، وستظل ابتسامتها البريئة وشخصية "بنت البلد الجدعة" أفضل ما يميزها فى خلودها، ولها لنا الذكرى الطيبة، إلى أن نلحق بها، وربما نلتقى، لأعتذر لها عن تقصيرى وقلة سؤالى وضعف حيلتى.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة