يوسف عامر

التطرف فكرًا وممارسة..!!

السبت، 06 يناير 2018 08:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

التطرف فكرة يرفض مُعتنقها الاعتراف بحقوق غيره فى الوجود؛ فهى منهج يقوم على الإقصاء وعدم الانصياع لسنة الله فى خلقه، والتى اقتضت أن يكون البشر مختلفين فكرًا ولونًا وعرقًا ودينًا. وأخطر أنواع التطرف هو ذاك الذى يتحول من مجرد ممارسات إجرامية - تُؤجج نيرانها مخططات دولية وأسباب سياسية أو اجتماعية أو إقتصادية - إلى فكرة يؤمن بها البعض، ويسعون إلى إقناع غيرهم بها، وهنا تكمن إشكالية مكافحة هذا الفكر الشاذ، والقضاء عليه.

 

وثمة اختلاف بين التطرف فكرًا، والتطرف ممارسة؛ فالأخير لا سبيل لمواجهته إلا بالقوة العسكرية، وإنفاذ القانون وتطبيقه بكل حزم على هؤلاء المفسدين في الأرض، وتستطيع الدولة - أي دولة - أن تحاصره وتقضي عليه حتى لو استغرق هذا الأمر شهورًا أو سنوات؛ فالقضاء على هذا النوع من التطرف سهلًا طالما لم يتعدى مجرد الممارسات الوحشية التي لا يؤمن من يأتون بها بأي أفكار سوى تحقيق نفع أيًا كان نوعه.

 

أما التطرف الفكرى - الذي هو أخطر أنواع التطرف - فإن إيمان البعض بمنهجه المنحرف، يضاعف من جهود مواجهته فكريًا وعسكريًا، ومحاولة القضاء عليه، والسبب في ذلك أن الفكرة تبقى، وفضاء إنتشارها أرحب وأوسع، وهذا يجعلها عُرضة لأن يعتنقها الكثيرون حتى بعد موت صاحبها. والمتتبع لأحداث التاريخ الإسلامي يجد أنه رغم فناء «الخوراج» - أصحاب أول فكر متطرف فى المجتمعات الإسلامية - إلا أن أفكارهم المنحرفة بقيت رافضة الفناء كأصحابها، حتى تلقفها المتشددون، ثم «سيد قطب» فى الستينيات من القرن المنصرم، وأعادوا إحياءها من جديد، وزرعوها فى عقول وقلوب ضعاف النفوس، ليتكبد المجتمع خسائر جمة جراء وجود هؤلاء المعتنقين لهذا الفكر المنحرف بين أفراده منذ ذلك الوقت وحتى الآن.

 

وكذلك أفكار «الهراطقة»، التى عانى منها المسيحيون وغيرهم، على مدار قرون مضت، يُعاد الآن إحياؤها على أيدي عناصر التنظيمات المسيحية المتطرفة، والذين من أبرزهم جماعة «أنتي بالاكا» في جمهورية إفريقيا الوسطى. أضف إلى ذلك الممارسات القمعية التي يقوم بها الكيان الصهيوني المحتل تجاه الشعب الفلسطيني الأعزل مبررين هذه الأعمال الوحشية بأنها إنصياع لتعاليم التوراة، وغير ذلك من الأفكار المتطرفة التي تخمد لقرون ثم تُضرم نيرانها في المجتمعات من جديد على أيدي متطرفين يتخذون من الأديان ستارًا لجرائمهم التي يقترفونها.

 

ولكن هل يعنى بقاء الفكر المتطرف ورفضه الرحيل حتى بعد فناء أصحابه عدم إمكانية القضاء على الإرهاب والتطرف؟ وهنا نؤكد أن العكس هو الصحيح؛ فرغم إيماننا الراسخ بأن مجابهة الفكر بالفكر معركة شاقة، وتستغرق الكثير من الوقت والجهد، وأن نتائجها لا تظهر على المدى القريب؛ إلا أنها هي الأجدى نفعًا، وهي في ذات الوقت السبيل الوحيد للتخلص من هذا السرطان الذى أصاب جسد العالم، وبات يقتل الأبرياء، ويروع الآمنين، وينشر الفوضى والدمار في شتى أرجاء المعمورة.

 

ولأننا نؤمن أن الإصلاح الفكري والعقدي هو أساس كل إصلاح، وأن قمع الفتنة - مواجهة التطرف عسكريًا - شىء، واجتثاثها من جذورها - مواجهته فكريًا - شئ آخر تمامًا؛ فلا سبيل لاجتثاث الأفكار المنحرفة والضالة إلا بمقارعتها بالأفكار الصحيحة وإجلاء الحق، ولن ينجح هذا الأمر إلا بتكاتف الجهود كما أوضحنا في مقالنا السابق الذي أكدنا فيه أن القضاء على الإرهاب مسئولية مجتمع، وفي سبيل نجاح هذه المواجهة الفكرية يجب أولًا أن يُقر الجميع - قولًا وعملًا - أن الإرهاب لا دين له، وأن اتهام دين معين - خاصة الدين الإسلامي - بالتطرف والإرهاب هو تنصل من المسئولية، وهروب من الواقع.

 

ولعل إقرار الجميع بأن الإرهاب لا دين له، عامل رئيس لمحاصرة الإرهابيين فكريًا ، وإنتزاع الشرعية الدينية الوهمية التي يستقطبون بها غيرهم ، ويبررون بها أعمالهم الدموية، وهو ما سيعمل على وضعهم فيما يشبه المناخ المنعزل؛ فإما أن يصححوا أفكارهم الضالة، وبالتالي يعودوا إلى التعايش مع أخوتهم في الإنسانية، أو أن يبقوا منبوذين لا مكان لهم على هذه الأرض.

وتبرأة الأديان من تهمة الإرهاب، أولى الخطوات الناجحة في طريق مكافحة التطرف والإرهاب فكريًا، وبالتالي القضاء عليه - فكرًا كان أو ممارسة - وفي هذا الصدد أود أن أشير إلى تقرير مهم أصدره مرصد الأزهر لمكافحة التطرف خلال الأسبوع الماضي ، جاء تحت عنوان : « داعش والدعوة لعمليات إرهابية في عيد الميلاد »  ، ومما جاء فيه: « إن كل يوم يمر يؤكد مدى انفصال هذه الجماعات عن حقيقة الدين وغاياته الكبرى، ورغم هزيمة تنظيم داعش عسكريا وجغرافيًا، إلا أن تهديده لا يزال مستمرًا، فلا يزال بعض المخدوعين يؤمنون بهم؛ يساعدهم في هذا سياسات جائرة، وخطابات سياسية محرضة أو خطابات دينية متطرفة، وهو ما يؤكد على ضروروة المواجهة الشاملة والمتكاملة  لهذا الفكر، ولا شك أن من بين سبل المواجهة الفكرية هو كشف عوار هذه الجماعات الفكرية، وتسليط الضوء على تناقضاتها، فهذا كفيل بكشف زيفها أمام من يتعاطفون معها » .

·       نائب رئيس جامعة الأزهر لشئون الطلاب والتعليم والمشرف العام على مركز الأزهر العالمي للرصد والفتوى الإلكترونية والترجمة










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة